23 ديسمبر، 2024 5:07 ص

ملاحظات حول مشروع قانون انتخابات مجلس النواب المُقترح من رئاسة الجمهورية

ملاحظات حول مشروع قانون انتخابات مجلس النواب المُقترح من رئاسة الجمهورية

أرسلت رئاسة الجمهورية مشروع قانون انتخاب مجلس النواب الجديد الى السلطة التشريعية تمهيدا لمناقشته وإقراره ، ولغرض تسليط الضوء على أهم ما تضمنه المشروع ، لذا فإنني لن أخوض في الفقرات الاخرى التي تبنّاها المشروع وهي : ( من يحدد موعد إجراء الانتخابات ، ومدة التحديد التي تسبق يوم الاقتراع ، فضلاً عن شروط المرشح للعضوية ، أو نسبة عدد النساء من مجموع المرشحين في القائمة ، وضمان حصول المرأة على (25%) في الأقل من عدد المقاعد)، لأن المشروع اقترح تعديلات طفيفة بشأنها ، ولكنني سأتناول الجوانب الأكثر أهمية وهي المتعلقة بالنظام الانتخابي ، وآلية تقسيم الدوائر الانتخابية ، وصيغة توزيع المقاعد.

يشير مشروع القانون الى إعتماد النظام المختلط Mixed system))،مع أنه يوجد نوعان من النظم المختلطة ، الأول هو نظام تناسب العضوية المختلطة (MMP)، والثاني هو النظام المتوازي (Parallel).وعلى الأغلب قصد المشروع – بحسب ما جاء في ومضة تضمنها نصه – العمل بالنوع الثاني الذي يستند الى إستخدام نظامين أحدهما (نظام الفائز الاول وهو من نظم التعددية/الأغلبية )، والأخر(نظام القائمة النسبية وهو من نظم التمثيل النسبي)، وكان من الضروري أن يذكر المشروع ذلك بوضوح في مادة مستقلة من خلال تسمية نوع النظام المختلط تحديداً لغرض تمييزه عن بقية النظم الانتخابية الاخرى.

فعلى سبيل المثال أُستخدمَ هذا النظام (المختلط المتوازي) في أول انتخابات جرت في ليبيا عام 2012 بعد تغيير النظام السابق ، وهي (انتخابات المؤتمر الوطني العام) ، وذلك باستخدام (نظام التمثيل النسبي) ، إضافة الى أحد نظم التعددية وهو (نظام الفائز الاول) ، (ونظام الصوت الواحد غير المتحول) الذي هو أحد النظم الإنتخابية التي لا تنطبق في تفاصيلها على أي من التصنيفات الرئيسية للنظم الانتخابية المعروفة والمعمول بها في أغلب دول العالم ، وهي:(نظم التعددية/الأغلبية ، ونظم التمثيل النسبي ، والنظم المختلطة) .

يقوم الناخب في ظل النظام (المختلط المتوازي) بالاقتراع لصالح مرشح واحد فقط في دائرته، ولكن على العكس من نظام الفائز الأول ، يتم ذلك في دوائر متعددة التمثيل حيث يتم انتخاب أكثر من ممثل واحد عن كل دائرة انتخابية ، ويفوز المرشحون الحاصلون على أعلى الأصوات.

وقد جاء في نص القانون الانتخابي الليبي تسمية هذه النظام بالتحديد وبكل وضوح ، سواء في المادة المتعلقة بالتعريفات أو المواد التي تنص على نوعية النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر ، وقد شاركت في صياغة هذا القانون لدى العمل كخبير انتخابات دولي أقدم مع فريق الامم المتحدة. ولدى تناولنا لمثال آخر، نجد أن الاردن كان قد طبق نظام (الصوت الواحد غير المتحول) من عام 1993 ولغاية عام 2010 ، ثم صدر قانون رقم ٢٥ لسنة ٢٠١٢ الذي نصّ بأن يتم اختيار ٨٢ بالمئة من المقاعد الانتخابية من خلال نظام الصوت الواحد (الصوت الواحد غير المتحول)، ولكنه اعتمد في المقابل على نظام القائمة النسبية المغلقة لانتخاب ٢٧عضواً ، وهو بذلك إعتمد نظاما شبه مختلط ، وقد شهدت أيضاً العمل بهذا النظام لدى مشاركتي الرسمية وعضوين من مجلس مفوضية الانتخابات في مراقبة الانتخابات الأردنية في مطلع عام 2013 .

وإذا ما سلّمنا بأن المقصود في مشروع القانون هو استخدام (النظام المختلط المتوازي) ، وبما أن نظام الفائز الأول هو عبارة عن نظام تعددية للدائرة الانتخابية أحادية التمثيل – إذ يفوز بالمقعد ممثل عن الدائرة الفردية وهو المرشح الحائز على أعلى عدد من الأصوات ضمن الدائرة ، وليس بالضرورة على الأغلبية المطلقة للأصوات – لذا فإن هذا النوع من النظم يحتاج الى تقسيم المناطق التي ستُشمل به الى دوائر صغيرة أحادية التمثيل. أي أن تقسيم المقاعد يجب أن يكون الى نصفين في مشروع القانون ، النصف الأول لتطبيق نظام انتخابي هو (الفائز الأول) ، الذي لا يمكن إجراءه إلا بإنشاء دوائر فردية ، لأن هذا النوع من النظم يستند فقط الى دوائر صغيرة أحادية التمثيل (أي ذات مقعد واحد) والثاني هو ( نظام التمثيل النسبي). أما إذا ما أُريد له أن يسمح بوجود أكثر من مقعد واحد ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة – كما في حالة الدائرة الانتخابية على مستوى المحافظة المعمول بها في العراق – فإنه في هذه الحالة سيكون بمثابة (نظام الصوت الواحد غير المتحول) ، الذي سبقت الاشارة الى فحواه ، حيث يقوم الناخب بالاقتراع لصالح مرشح واحد فقط في دائرته من بين عدد من المرشحين ضمن دوائر متعددة التمثيل حيث يتم انتخاب أكثر من ممثل واحد عن كل دائرة انتخابية ، ويفوز بالانتخاب المرشحون الحاصلون على أعلى الأصوات من الأعلى الى الأدنى حتى تكتمل مقاعد الدائر الانتخابية. أما الاحتمال الآخر الأضعف، فقد يقصد المشروع (نظام الكتلة) ، وهو نظام يعطي الناخب عدداً من الأصوات مساوٍ لعدد المقاعد التي يتم انتخابها لتمثيل دائرته الانتخابية ، ويفوز من يحصل على أكبر عدد من الاصوات بغض النظر عن نسبة تلك الأصوات. ولا نعتقد أن وضع المشروع يقصد العمل بهذا النظام نظراً للتعقديات التي يتسم بها.

أما بالنسبة لتوزيع المقاعد على الكيانات المتنافسة ، فقد إقترح مشروع القانون تقسيمها الى نصفين ، حيث النصف الاول لمن يحصل من المرشحين على أعلى الأصوات في جميع القوائم في المحافظة ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة بصرف النظر عن القائمة . في حين أن النصف الثاني سيتم التعامل معه بنفس صيغة (سانت ليغو) التي تم العمل بها لأول مرة في انتخابات مجالس المحافظات 2013 ومجلس النواب 2014 مع تغيير في قيمة نسبة تقسيم الأصوات على التوالي (1, أو 1,6، و 1,5 ضمن المقترح الحالي) ، وذلك بعد إستقطاع الاصوات العشرة المحجوزة للمكونات.

ولعل من وضع المشروع أراد من جهة أن يمنح الفرصة في توزيع النصف الاول من الاصوات للمرشحين الفرديين المستقلين عن الاحزاب ، أو لمرشحين يقدمون ترشيحهم بشكل فردي بعيداً عن قوائمهم الحزبية ، عندها ستقوم الاحزاب السياسية بتوجيه ناخبيها بالتصويت لمرشحين محددين بعينهم للفوز بمقعد تجنباً لتشتيت الاصوات، وأن يُرضي القوائم الكبيرة التي ستشارك في الانتخابات بضمان حصولها على النسبة الأكبر من النصف الثاني من الاصوات من جهة أخرى ، كما حصلت عليه في الانتخابين الاخيرين (مجالس المحافظات 2013 و مجلس النواب 2014) ، ولكنها بالتأكيد سوف لن تحصل على نسبة كبيرة من مقاعد النصف الأول التي سوف يتقاسمها المرشحون من الأفراد.

يُفهم من الفقرتين أعلاه،أن المشروع المقترح يذهب الى إعتماد نظام التصويت المختلط / المتوازي ، وكما سبقت الاشارة اليه آنفاً ، فإنّ المعايير الدولية للانتخابات حسب (النظام المختلط المتوازي) تتطلب أن يتم تقسيم البلد إلى دوائر انتخابية صغيرة أو متوسطة تعمل بنظام (الفائز الاول ، أو الصوت الواحد غير المتحول ، أو الكتلة) في ما يتعلق بالنصف الاول من المقاعد، وليس دائرة إنتخابية كبيرة بمستوى المحافظة تصل مقاعدها الى أكثر من 70 مقعداً كما في محافظة بغداد ، وبــنظام التمثيل النسبي في النصف الثاني من المقاعد. وهو يعني أن العمل بهذا النظام يحتاج الى وجود تصنيف للناخبين وفقا للنظام الانتخابي الذي سيصوتون تبعاً له وبحسب الدوائر الانتخابية المختارة لتطبيق كل نظام ،

وهو يسري أيضاً على الأحزاب السياسية والمرشحين ، من خلال تصنيفهم الى مجموعتين: مجموعة المرشحين الفرديين التي تُنتخبْ للفوز بالنصف الأول من المقاعد ، ومجموعة المرشحين المدرجة ضمن قوائم أحزاب سياسية تُنتخب على للفوز بالنصف الثاني من المقاعد.

بمعنى أن يجري تصنيفهم أولاً ضمن نص القانون الانتخابي ، ومن ثم إدراجهم ضمن قوائم كل نظام يجري التصويت بموجبه ، وذلك قبل البدء باجراءت العملية الانتخابية في مراحلها الاولى.

أما إذا ما قصد المشروع إحتساب الاصوات ضمن إطار (نظام التمثيل النسبي) فقط وبطريقتين كما جاء في النص – وهو مستبعد لأنه ذكر بأنه يقترح إعتماد النظام المختلط – فان ذلك لا يصلح لسببين ، أولهما : قانوني ، لأنه يعني إعادة احتساب أصوات المرشحين مرتين ، الاولى لصالحهم فرديا ضمن أحد الانظمة : (الفائز الاول، أو الصوت الواحد غير المتحول ، أو الكتلة) ، والثانية ضمن القائمة الحزبية التي ينتمون اليها وفقا لطريقة (سانت ليغو) !! ، والسبب الثاني، هو عدم وجود نظام مماثل لما ورد في المقترح ضمن كافة عوائل النظم الانتخابية المعتمدة دولياً.

أما بشأن توزيع الدوائر الانتخابية ، فقد نصّ مشروع القانون على ان تُوزع الدوائر الانتخابية على أساس (دائرة انتخابية لكل محافظة )، وأن يتألف مجلس النواب من ( 328) مقعداً، منها (318) للمحافظات، وفقا لحدودها الإدارية فيما تذهب المقاعد (10) العشر المتبقية بوصفها (كوتا) للمكونات. وقد قسمها حسب هذه المكونات ، وبهذا الخصوص ، لا بد لنا من العودة الى مثالنا السابق حول انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا ، لنجد أن القانون الانتخابي قد أفرد مادة لتقسيم الدوائر، حيث قُسِمتْ البلاد الى (200) دائرة انتخابية ، تعمل منها (120) دائرة بنظام التعددية/ الاغلبية ، و(80) دائرة تعمل بنظام التمثيل النسبي ، وحملَ القانون مرفقاً تضمن جدولاً بتسميات المناطق بدقة ومواقعها الجغرافية وعدد المقاعد لكلٍ منها.

إنّ اعتبار المحافظة دائرة انتخابية هو مجرد تأكيد على سياق تم اتباعه منذ انتخابات مجلس النواب 2005 ، مع وجود أصوات مُعتبرة تنادي بأن تكون الدائرة الانتخابية على مستوى قضاء أو أدنى قد تصل الى مستوى الدائرة الفردية ، وهو أمر يحتاج الى شروحات مطولة بشأن التحديات التي تواجه عملية الانتقال الى دوائر أدنى ، وقد تعاملت مع هذا الأمر منذ عام 2008 في المفوضية بكثير من التفصيل لدى حصول إستعدادات متكررة لإجراء انتخابات الاقضية والنواحي ، ولا يتسع المجال هنا للخوض فيها.

وبشأن مسألة أخرى مهمة وردت في مشروع القانون ، فإن إعتماده على عدد نواب مساوٍ للعدد الحالي هو نقطة ينبغي التوقف عندها لسببين: أولهما هنالك رغبة لدى الجمهور وأغلب الكتل السياسية بتخفيض عدد أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات بنسبة قد تصل الى النصف ، وثانيهما أنه طالما لم يتقيد المشروع بما ورد في الفقر (أولاً) من المادة (49) من الدستور العراقي التي نصت على : ” يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه “. الذي إذا ما تم تبنيه فهو يعني أن عدد النواب في الدورة البرلمانية قد يزيد عن 380 عضواً ، لأن التقديرات الرسمية تشير الى أن نفوس العراق بحلول عام 2018 سوف تتجاوز الــ (38 مليون) نسمة ، وبإعتماد النظام المختلط المقترح يعني وجود عدد كبير من المرشحين الفرديين المتنافسين في (نظام الفائز الاول)، مما يضفي تحديات إضافية لدى التعامل معهم في العملية الانتخابية.

كما أن مشروع القانون لم يتطرق الى مسائل أخرى مهمة ، كالتسجيل والتحقق الالكتروني، ودور قانون الاحزاب السياسية بعد إقراره منذ العام الماضي، فضلاً عن انتخابات الخارج، ولاسيما في ظل النظام الانتخابي الجديد المقترح،

وغيرها من المسائل الهامة التي إذا ما أدرجت في المشروع تجعل من القانون مكتملاً ، ويحقق بذلك انتخابات عادلة ويلبي تطلعات الجماهير.

من كل ما تقدم ، أود القول ، إنّ آلية العمل بالنظام المختلط ليست بالأمر اليسير في وضع العراق الحالي، من جهة عدم توفر بيانات دقيقة للسكان تخدم في تقسيم الدوائر الانتخابية الى مستوى أدنى من المحافظة بما يحفظ وزن الصوت الانتخابي من ناحية تساوي عدد الناخبين في كل دائرة أو وجود فروقات بنسبة ضئيلة مقبولة ضمن المعايير الدولية للانتخابات، وعدم وجود حدود ادارية رسمية دقيقة وواضحة يمكن أن تُحدِدْ تلك الدوائر ، فضلاً عن ضيق الوقت لإعداد الاستعدادات وتنفيذ ه الاجراءات بعد توفر البيانات ، وهي التي تستند اليها أغلب فقرات الجدول الزمني للانتخابات وفي مقدمتها تسجيل الناخبين ، لذا فإن استخدام هذا النظام حاليا يعدّ صعب التطبيق إن لم يكن مستحيلاً.

*مدير عام العمليات الانتخابية السابق في مفوضية الانتخابات

خبير انتخابات دولي سابق لدى الامم المتحدة ومنظمة الآيفس