26 نوفمبر، 2024 1:32 ص
Search
Close this search box.

ملاحظات حول مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا

ملاحظات حول مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا

قرأ مجلس النواب العراقي مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا هذا الاسبوع قراءة ثانية ، ويوشك ان يمرره الاسبوع المقبل او الاسابيع القادمة ، وهو مشروع قانون تمت صياغته بطريقة تضمن ابقاء الحال بالمحكمة كما هي عليه ، او تمكين رجل واحد من صياغة المحكمة الجديدة وفق رؤويته المعروفة بانحرافها وفسادها وتلونها ، ولنا على مشروع القانون الملاحظات الاتية :-
اولا :- نصت المادة ( 1 ) من مشروع بأن ( المحكمة الاتحادية هي الهيئة القضائية العليا في العراق ) وليس لذلك اي معنى ، او مصداق ، لان المحكمة الاتحادية ليست جهة طعن في احكام المحاكم الاخرى لتكون ( اعلى ) بل جهة الطعن العليا هي محكمة التمييز الاتحادية التي يطعن في احكام جميع المحاكم العراقية امامها ، وانما نص الدستور في المادة ( 92 / اولا ) على ان ( المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة ) ولم يقل بانها الهيئة العليا .
ثانيا :- نص عجز المادة ( 1 ) من مشروع القانون :- ( .. ويكون رئيسها رئيسا للسلطة القضائية ) وهو نص يراد منه ابقاء القضاء ( وزارة ) باسم ( سلطة ) لان السلطة لا رئيس لها ، مثللها مثل السلطة التشريعية فلا يعد رئيس مجلس النواب ولا رئيس مجلس الاتحاد رئيسا للسلطة التشريعية ، وكذلك السلطة التنفيذية فلا يعد رئيس الجمهورية رئيسا للسلطة التنفيذية ولا رئيس مجلس الوزراء ، فلماذا يراد وضع رأس للسلطة القضائية رغم انها السلطة التي لا تعترف بالرئاسة لان ( القضاة ) مستقلون بنص المادة ( 88 ) من الدستور فلا رئيس عليهم غير القانون .
ثالثا :- نصت البند ( ثانيا ) بفقرتيه ( أ و ب ) على ان يترك اختيار الاعضاء الاحتياط لرئيس المحكمة ، وهو امر لا يمكن قبوله لانه يجعل رئيس المحكمة متحكم باربعة اعضاء من اعضاء المحكمة يختارهم كيفما يشاء ، في حين انهم اعضاء يتوجب ان يتم تعيينهم بنفس الطريقة التي يعين بها الاعضاء الاصليون .ان هذا النص يجعل لرئيس المحكمة سلطة مؤثرة في صنع القرار داخل المحكمة وفي التحكم بتوجهاتها من خلال صوتين اضافيين او اكثر من خلال الاعضاء الاحتياط . ووهذا يفتح امام رئيس المحكمة وسائل للتلاعب والمناورة في صنع القرار للنزاعات المعروضة وهو امر لا يمكن قبوله في محكمة خطيرة كالمحكمة الاتحادية العليا .
رابعا :- نصت المادة ( 3 / اولا ) على ان ترشيح القضاة للمحكمة الجديدة يكون من قبل ( المحكمة الاتحادية العليا ) ومجلس القضاء الاعلى ومجالس القضاء في الاقاليم ) وهذا يعني مشاركة اعضاء المحكمة الاتحادية الحالية باختيار الاعضاء الجدد ، وهو امر غير مبرر ، كما ان الاختيار سيواجه مشكلة الفساد والاخضاع الموجود في مجلس القضاء الاعلى الحالي الذي اسسه له مدحت المحمود ، فمجلس القضاء الاعلى تتخذ قراراته من رجل واحد وتشرعن باسم المجلس كله ، وهو امر يعرفه الجميع ، اي ان ترشيح اعضاء المحكمة الاتحادية الجدد من القضاة سيكون محصورا بيد مدحدت المحمود لانه الدكتاتور المتحكم والامر الناهي في المحكمة الاتحادية وفي مجلس القضاء الاعلى ،  اما مجالس الاقاليم فليس هناك غير مجلس اقليم كوردستان وهو لن يكون معينا الا بالاعضاء الاكراد في المحكمة فقط ، ولن يتدخل في سواهم . لذلك فأن هذا النص كارثي بكل معنى الكلمة .
وان كان لابد من تعين قضاة المحكمة بالترشيح من جهات رسمية فنقترح ان يعطي ترشيح الاعضاء الجدد للمحكمة من لجنة يشكلها مجلس النواب من كبار الحقوقيين والقضاة خصوصا المتقاعدين ( كالقاضي دارا نور الدين والقاضي وائل عبد اللطيف والقاضي نعمان فتحي الراوي وغيرهم من كبار القضاة ) منهم لضمان الاستقلال والحياد والمهنية في ارائهم ، مع ممثلين عن اتحاد الحقوقيين ونقابة المحامين واساتذة جامعيين ومجتمع مدني واعلام ، وبرقابة او اعانة من خبراء الامم المتحدة ، ولابأس ان يشارك بها اعضاء من مجلس النواب ومن مجلس شورى الدولة ومن مجلس القضاء الاعلى ومن مجلس قضاء اقليم كوردستان ومن مجلس شورى الاقليم ومفوضية حقوق الانسان وغيرها من الجهات المعنية ، مع وجوب تحديد شروط تفصيلية للعضو من القضاة ووضع الية لاتخاذ القرار في لجنة ترشح القضاة .
خامسا :- ان ترشيح الاعضاء في المحكمة من الخبراء وفقهاء الشريعة يجب ان يخضع لذات الالية التي ذكرناها في الفقرة السابقة ، لان ترشيحهم بموجب المشروع وضع بيد السلطة التنفيذية( وزارة التعليم العالي وذلك يعني وزير التعليم العالي – والوقفين ( السني والشيعي ) وهو امر يعني رئيس الوقفين ) وهو امر في غاية الخطورة .
سادسا :- فرضت المادة ( 3 / ثانيا – ج ) ان يكون اعضاء المحكمة من العراقيين ، لكنها منعت تعيين من يتمتع بجنسية اخرى من عضوية المحكمة وهو امر فيه التفاف على احكام الدستور  الذي اجاز في المادة ( 18 / رابعا ) منه تعدد الجنسية ، انما اوجب على من يتولى منصب سيادي او امني رفيع التخلي عن اية جنسية اخرى ، لكنه لم يمنعهم من التعيين في تلك المناصب ، لذا يتوجب ان يكون النص ليس بمنع من يتمتع بجنسية اخرى من التعيين في المحكمة ، بل يجوز تعيينه على ان يلزم بالتخلي عن جنسيته الاجنبية .
سابعا:- نص البند ( ثالثا ) من المادة ( 3 ) على ان تعرض الترشيحات على هيئة مكونة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية لاختيار رئيس المحكمة ونائبه والاعضاء ، ثم يصدر مرسوم جمهوري بهم . ويعاب على هذا النص :-
1-   ان يجعل اختيار اعضاء المحكمة بيد اشخاص اربعة لمجرد كونهم في مناصب ما .
2-   ان النص يجعل اختيار اعضاء المحكمة سياسي ، بدل ان يكون برلماني كما هي معظم التجارب في العالم .
3-   ان النص يتحدث عن رئيس السلطة القضائية ، فمن هو رئيس السلطة القضائية الان .؟ ان مدحت المحمود جعل الترشيحات كلها بين يديه ، بطريق غير مباشرة  ويريد ان يكون شريكا بالربع في التعييين ايضا ،لانه يدعي بانه رئيس السلطة القضائية بلا نص في الدستور ولا القوانين ، واصدر تعليمات جعل نفسه فيها – خلافا للدستور – رئيسا للسلطة القضائية .
4-   لم يحدد النص الية لتصفية المرشحين ولا صيغة لاتخاذ القرار .
ان معظم التجارب في العالم تضع اختيار اعضاء المحكمة الاتحادية العليا بيد ممثلي الشعب ( مجلس النواب ) ليكون اخيارهم برلماني وليس سياسي ، او يتم تعيينهم عن طريق الانتخاب لضمان حيادهم واستقلالهم .
ثامنا :- نصت المادة ( 10 ) من مشروع القانون على ان يكون ( راتب رئيس المحكمة مساويا لما يتقاضاه كل من رئيس السلطة التشريعية ورئيس السلطة التنفيذية ) ويكون بدرجتهما .. فما هو رئيس السلطة التشريعية ( رئيس مجلس النواب ام رئيس مجلس الاتحاد ) ومن هو رئيس السلطة التنفيذية ( رئيس الجمهورية ام رئيس مجلس الوزراء ) ؟؟ ان السلطات ليس لها رؤساء ، كما ان صياغة النص تعني ان راتب رئيس المحكمة يعادل مجموع راتب الرئيسين كلاهما .
تاسعا :- منح مشروع القانون في المادة ( 11 / ثانيا )  لرئيس واعضاء المحكمة حقوقا لم يسبق ان منحتها القوانين لا للقضاة ولا لغيرهم ( تراكم الجازات مهما بلغت ) .
عاشرا :- نصت المادة ( 12 ) بان يكون انعقاد المحكمة صحيحا بحضور ثلاثة ارباع اعضائها ، وهو امر لا يتفق ابسط قواعد التقاضي والمرافعات لان المحاكم لا تنعقد الا بحضور كامل ، فأذا غاب عضو او اكثر لابد ان يحل محله العضو الاحتياط ، وهو سبب النص على اعضاء احتياط للمحاكم بكل اشكالها .
احد عشر :- نصت المادة ( 13 ) من المشروع بان يكون النص التشريعي لاغيا من تاريخ نشر الحكم بعدم دستورية ، وهو نص مخالف لنص المادة ( 13 ) من الدستور التي عدت اي نص مخالف للدستور ( باطلا ) والبطلان يعني عدم الاعتداد بالنص التشريعي منذ صدوره ووجوب زوال جميع اثاره ، اما ما جاء به مشروع القانون فيعني الاعتداد باثار النص التشريعي المحكوم بعدم دستوريته واعتماد اثاره لحين نشر الحكم بعدم دستوريته ، وهذا يفتح الباب واسعا للتلاعب والمناورة عن طريق تأخير النشر وترتيب اثار النص التشريعي على الحالات التي يراد ترتيب اثار النص التشريعي غير الدستوري عليها . وهو ما اكده البند ( ثانيا ) من المادة ( 14 ) من مشروع القانون .
ثاني عشر :- نص المادة ( 21 ) على ان يطبق المشروع على قضاة المحكمة الحاليين ، وانهم يستمرون باعمالهم لحين تشكيل المحكمة الجديد ، وهو نص غير مقبول لوجود قانون ينطبق على اعضاء المحكمة الحاليين ، وهو انما يقصد منه رفع راتب رئيس المحكمة الحالي – الذي يتقاضى راتب وزير حاليا – ليتقاضى راتب رئيس الجمهورية البالغ ( 75 ) مليون دينار ، ومن اجل ان يرتب راتبه التقاعدي في ضوءه لاحقا ، كما ان النص يريد احلال المحكمة الحالية بتشكيلتها غير الدستورية  محل المحكمة التي ينبغي ان تشكل ، وقد يكون ذلك مدعاة للتراخي في تشكيل المحكمة الجديدة .
ثاني عشر :- ان القانون لم ينص على معالجة الفوضى والتلاعب الذي تركته المحكمة الاتحادية الحالية في تفسير الدستور والتي هدمت فيه اركانه الاساسية كهدم مبدأ الفصل بين السلطات حينما صادرت سلطة سن القوانين من يد السلطة التشريعية ، وجعلته مرهون بارادة مجلس الوزراء او رئيس الجمهورية ، وهدم استقلال الهيئات المستقلة ، وتشويه الحكم اللامركزي وغيرها . فلابد من وضع نص يقضي بان قرارات المحكمة الاتحادية العليا غير ملزمة للمحكمة الاتحادية الجديدة .
ثالث عشر :- ان القانون لم يحدد دور الخبراء والفقهاء في المحكمة ، فهل هم اعضاء قضاة ام مجرد استشاريين لا يحق لهم التصويت ؟ ان سكوت مشروع القانون عن ذلك جعل تلك المسألة سائبة ، وهو امر مقصود لضمان التحكم فيها من خلال النظام الذي تصدره المحكمة لاحقا وفقا لنص القانون .
رابع عشر :- لم يحدد القانون حد اعلى لعمر العضو في المحكمة فترك الامر سائبا ، وهو امر مقصود لضمان ابقاء بعض الموالين من القضاة الحالين في المحكمة الذين قدم بعضهم خدمات جليلة في حرف الدستور لمصلحة جهة سياسية نافذة .
خامس عشر :- حدد مدة العضوية في المحكمة بعشر سنوات ، وهي مدة طويلة غير مبررة ، ويكفي ان تكون المدة خمس سنوات فقط . 
سادس عشر :- ان تفسيرنا للنص الدستوري هو ان يكون القضاة والخبراء والفقهاء قضاة في المحكمة ( اعضاء ) لهم نفس الحقوق والواجبات كقضاة ، انما الاختلاف بينهم في الخلفية المهنية فقط ، فذاك من خلفية قضائية والاخر خبير والاخر فقهية ، لكنهم عينوا كقضاة في المحكمة فهم جمعيا اعضاء فيها . وهذا الذي يتوجب بناء نصوص القانون عليه في تعيين القضاة وفي صلاحياتهم وحقوقهم وامتيازاتهم وضماناتهم ، ولا يتوجب ترك الامر مبهما مثلما فعل مشروع القانون .
سابع عشر :- اخذ مشروع القنون باشتراط ان تكون خدمة القاضي المرشح لعضوية المحكمة بما لا يقل عن عشرين سنة  ، وهو شرط لا يصلح لضمان الكفاءة والمهنية والخبرة المطلوبة لان معظم قدماء القضاة الا ما ندر لا يفقهون من الدستور وادارة الدولة وحقوق الانسان والحريات واسرار التكوين القانوني والسياسي غير الرواتب والسفرات وقطع الاراضي والامتيازات وبعض المحفوظات البسيطة عن المرافعات بينما هم غير قادرين على فهم الفلسفة السياسية والقانونية التي اسس لها دستور عام 2005 وغير قادرين بالتالي – على فك التعارض بين تلك الفلسفة وقوانين وانظمة الانظمة التي حكمت العراق لغاية 2003 ، لذا يتوجب اعتماد معايير اخرى غير القدم لاختيار القضاة تضمن اختيار الاجدر والامثل من العناصر القضائية سواء في المهنة او خارجها ومن المحامين ايضا  ممن لديهم القدرة والقابلية الذهنية والعلمية لفهم الواقع الدستوري والقانوني الجديد مثل سوابقهم القضائية ومؤلفاتهم وكتاباتهم وارائهم وبحوثهم المنشورة ، وتخفيف شرط القدم الى اقل من عشر سنوات والا فأنه سياتي باشخاص ( دينصورات ) لا يفهمون غير الفكر المركزي والتبعية للسلطة التنفيذية ، مثلما حصل في تجربة المحكمة الاتحادية الحالية .
ثامن عشر :- ان طريقة الترشيح والتعيين التي تبناها مشروع القانون غير شفافة وليس فيها عدالة ولا تكافؤ للفرص ، لانها تحصر الترشيح والتعيين بيد ثلة محددة من القضاة معروف عنهم تبعيتهم وخضوعهم لشخص واحد ، او بيد جهات تنفيذية تتحكم بها مصالح حزبية وطائفية ، ولابد – لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص – من فتح باب الترشح للتعين كقضاة في المحكمة وفق شروط معينة لجميع حملة شهادات البكلوريوس فاعلى في القانون ، وان يكون التعيين بالانتخاب على ان يكون الناخبين هم طبقة الحقوقيين ( قضاة – محامين – محقيين – مملثين حقوقيين وغيرهم من حملة شهادات القانون ) ، وان يفتح باب الترشح في جميع محافظات العراق ، لكل من تتوافر فيه الشروط القانونية .
ان تعيين القضاة بالانتخاب سيضمن حيادية واستقلالية قضاة المحكمة كما يضمن سلامة اختيارهم من بين العلماء واصحاب المعرفة والعلم والكفاءة والمهنية ، ويعطي فرصة للكفاءات للوصول للمحكمة بدل من حصرها بالقضاة والاساتذة الجامعيين الحكوميين ، في حين ان هناك قدرات علمية ومهنية كبيرة خارج هذين الاطارين ، ويصعب فعليا ايجاد قدرات علمية صالحة للمحكمة في القضاة والاساتذة الجامعين لندرتهم .
ان الدمار الدستوري والسياسي والقضائي والامني الذي لحق بالبلاد في الوقت الراهن كانت المحكمة الاتحادية الحالية – غير الدستورية – هي امه المنحرفة ، لان قراراتها – التي هدمت اركان الدستور – جعلت البلاد على حافة جرف هار ، فمال بها الى الفوضى السياسية ثم الانهيار العسكري والامني ، بسبب منحها ادوات التفرد والاستبداد والدكتاتورية ، ومشروع القانون هذا لن يغير من امر تلك المحكمة الضالة شئ ، فاحذروه ، ولا تعيدوا مصير الدستور والبلاد والعملية السياسية الخاوية بيد ثعلبنا الماكر، فأنه اس البلاء والوباء . 

أحدث المقالات