26 نوفمبر، 2024 10:15 ص
Search
Close this search box.

ملاحظات حول المشاريع الإسلامية والمشروع الوطني في العراق – 1 / بين العقيدة والسياسة (المشروع الإسلامي)

ملاحظات حول المشاريع الإسلامية والمشروع الوطني في العراق – 1 / بين العقيدة والسياسة (المشروع الإسلامي)

لابد في البداية من تقرير حقيقية مهمة يجب من أخذها بنظر الإعتبار ونحن نبحث في المشاريع السياسية المطروحة في ميدان الصراع السياسي العراقي والتي تختلف عن كل المحيط  الإقليمي للعراق حيث أن للعراق خصوصية نادراً ما نجدها في بلد آخر غير العراق وتلك الخصوصية هي وجود مشروعين إسلاميين رئيسيين متصارعين متناطحين متعارضين متحاربين كل منهما يدعي أنه يمثل الإسلام ! وكل منهما يقف من الآخر على طرفي نقيض ! وكل منهما هو أقرب لأصحاب المشاريع الغير إسلامية من الآخر !!! .
وهما المشروع السياسي الإسلامي الشيعي ممثلاً بشكل رئيس بثلاث أحزاب رئيسية هي (حزب الدعوة الإسلامي والمجلس الأعلى الإسلامي و التيار الصدري الإسلامي) إضافة إلى أحزاب وتيارات وشخصيات شيعية أخرى . وفي الجانب الآخر (السُني) يقف (الحزب الإسلامي ) العراقي ممثلاً للمشروع السياسي الإسلامي السني . وكلا منهما يقف على طرفي نقيض من الآخر جملة وتفصيلاً ولا مشترك بينهما غير الأسم (الإسلامي) !!!.
ورغم وجود خلافات في بعض الشؤون الداخلية السياسية بين الأطراف الشيعية إلا أنهم يتفقون في موقف واحد وهم يواجهون الحزب الإسلامي السُني (إلا في حالات قليلة جداً) لإعتقادهم القطعي إن مشروعهما متناقضين . ومن ما عزز ذلك وجود الغالبية العظمى من الأحزاب الشيعية تحت مظلة التحالف الوطني الذي يعمل على توحيد مواقف الصراع السياسي في العراق وعلى وجه الخصوص الصراع السياسي العقائدي المشترك بين جميع قوى التحالف. وأيضا نرى أن موقف التحالف الوطني مستنسخاً لنفس رؤية حزب الدعوة بصفته يقود السلطة في العراق تحت شعار وحدة ومصلحة المذهب وكأنهم يقررون أن مصلحة المذهب في بقاء هذا التناقض وهذا التميز والإختلاف ! وإن مصلحة المذهب تتناقض مع مصلحة المذهب الآخر !. لذا يستحيل أن يقدما (مشروع سياسي إسلامي واحد).
في الوقت الذي كان هاجس السلطة والخوف من ضياع الفرصة بما يوحي بعدم الثقة الكافية بالنفس لإدارة التجربة وشهية الكثير من الأطراف والقيادات السياسية المفرطة للسيطرة على المناصب والمفاصل الهامة بالدولة وإقصاء من هم بعيدين عن مشروعهم مسيطراً على تصرف أصحاب المشروع الشيعي ولقد أثر ذلك على توجهاتهم الدعوية والعقائدية التي اشتهروا بها وهم في نضالهم السلبي وزاد من انغلاقهم وعزلتهم عن أصحاب المشروع السني ولم يفكروا بأنهم ممكن أن يكونوا شركاء لهم في مشروع ديني .
ومن ما زاد وعمق (الفصام النكد) هذا موقف الطرفين من الإحتلال ففي الوقت الذي وقف المجلس الإسلامي وحزب الدعوة موقف (عدم الإصطدام) مع الإحتلال وهم الأركان الأساسية في العملية السياسية وفي مجلس الحكم وفي إدارة الدولة وفي تكوين القوات الأمنية وفي الحكومة (على عكس التيار الصدري في ذلك الوقت) . كان الحزب الإسلامي يتبنى خياراً صعباً جداً وهو رفض الإحتلال ومقاومته  سلمياً  و(التعامل) معه على أساس الأمر الواقع ؛ لكن هذا الخيار الصعب لم يرضي الشركاء في العملية السياسية واعتبروه ازدواجية غير مقبولة وفي نفس الوقت رفض قسم كبير من (المجتمع السُني) هذه السياسة ولم يتفهموها واعتبروه إزدواجية هم أيضاً (رغم أنهم لم يتركوا الخيار المسلح للإحتلال تماماً) !. وبدلاً من أن يعمل التحالف الوطني على إعانة رفاقهم في العملية السياسية زادوا من حراجة موقفهم بمنتهى البراغماتية! وكان يمكنهم أن يقتنعوا بأن دعمهم والقبول بمبداء المشاركة المصيرية يقلل من التطرف في الجانب الأخر ويعطي صورة معقولة عن التعايش الديني قبل أن يؤكد التعايش السياسي مع خصوصية الظرف الذي كان يعيشه العراق أعوام 2003 إلى عام 2006م الأمر الذي زاد من الإنفصام بين المشروعين المتناحرين ؛ وكان من نتيجة هذا التناحر (الحرب الطائفية) عامي 2006 و 2007م الذي دفع العراق ثمناً باهضاً من شبابه وأمنه الوطني و وحدته الوطنية ولا زالت آثارها موجودة وقد تتقيح وتنفجر من جديد في أي لحظة ما دام الطرفين لم ينجحا في تأسيس مشروعاً (إسلامياً) واحداً وما دام هناك مشروعين في الساحة السياسية (مع إختلاف درجة الفعالية بحسب مقدرة كل طرف على التأثير وبما هو متاح له من أدواة وبموجب التوازن السياسي المختل) وفي ظل غياب (أو ضعف) المشروع الوطني الذي يمكنه أن ينجح في ضم كل طوائف الشعب العراقي.  
وهذا التناقض والتصارع العنيف ساهم بشكل أكيد في تعزيز الطائفية السياسية التي عكست ظلالها الكئيبة الدامية على العراق بشكل عام وعلى الطائفتين بشكل خاص ولازالت . حيث إســتـقر في ذهن الجميع أن هناك مشروعين دينيين متناقضين ؛ وليت ذلك كان مجرد إختلاف سياسي فكري ثقافي أو إختلافاً عقائدياً بل تعدى ذلك ليكون صراعاً طائفياً دامياً عكس نظرة قاتمة عن الإسلام مع الأسف الدامي الحزين ! بل قد يصل في بعض الأحيان إلى التلويح الغير مباشر (وأحياناً مباشر) إن هناك (إسلاميٌن أثنين) وليس إسلام واحد طالما كان هناك مشروعين إسلاميين!! ؛ وما هو مقدس عند أحد الطرفين لا يكون كذلك عند الطرف الآخر وقد يؤدي هذا إلى تأصيل الفكر التكفيري مِن مَن لا يدعوه ولم يصرحوا به .
وتلك إشكالية فكرية وعقائدية يصر الجميع على تجاهلها وإنكارها رغم ثقلها ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب العراقي بكل أعراقه وطوائفه من جراء تداعياتها ورغم تهديدها (إن لم يكن تحطيمها) للسلم الإجتماعي العراقي ورغم تاثيرها الكبر من أي عامل آخر على الآمن في العراق. ولكن الكل يدير ظهره لهذه الحقيقة وعلى رأسهم (علماء الدين وقادة الأحزاب السياسية الإسلامية) خجلين من مواجهتا أو جاهلين بها أو متعمدين لها! .
ولا اعرف إن كان لهم في وقت من الأوقات مشروعاً سياسياً (إسلامياً) مشتركاً  يتوحدون فيه على مشتركات (دينية أو أخلاقية أو سياسية) محددة بعيداً عن عقيدة كل طرف ومختلافات  الطوائف على الأقل في مشروع سياسي غير عقائدي ولكن يبدوا أن حجم الفجوة لا تسع ذلك وإن صراعهم صراع يكاد يكون صرع وجود وصراع نقيضين لا يمكن لهما أن يتلاقيا ؛ وكأن لكل منهما مشروعاً عقائدياً  يسعى إلى إقامتة يناقض المشروع الآخر ويحاربه حسب رؤيته العقائدية ومهما كان ثمن ذلك!! ولا نراهم في أي لقاء إلا متخاصمين بل إن مسلسل تصفية الخصوم السياسيين مستمر دون هوادة وبمختلف الوسائل والطرق .
كما أن رؤيتهم المتناقضة هذه تنسحب على الشأن الخارجي أيضا كما في رؤيتهم للقضية السورية على سبيل المثال والعلاقة مع تركيا وإيران والسعودية ومصر والبحرين ؛ ولكن الغريب أن كل الأحزاب الشيعية الكبيرة متفقون على رؤيا واحدة الأمر الذي يعني أن الموقف هذا ليس نابعاً من تحليل سياسي مستقل بل من رؤيا طائفية محددة تتناسب مع المشروع السياسي الذي يتبنوه وهكذا بالنسبة للحزب الإسلامي.
ورغم كل ذلك لم يصرح أي منهم بأنهم متناقضين وإن لكل منهما برنامجه ومشروعه (الإسلامي) المناقض للأخر. ولعل تصريحهم هذا يمكن أن يساهم في فك الاشتباك الفكري الحاصل بينهما ويجعل كل منهما ممثلاً لمشروعه الخاص الذي يمثل طائفته وقد تتشكل العلاقة الجديدة بنفس مستوى تشكل العلاقة الودودة مع الأحزاب الدينية الغير إسلامية (المسيحيين والصابئة) بوصفهم غير غرماء سياسيين ؛ وتبادل الإعتراف السياسي لكل منهما بالطرف الأخر رغم اختلاف المشروعين لذا نجد إننا قد نحتاج إلى توضيح هو الواقع بعينه بإضافة لفظة الطائفة أمام كل أسم من الأحزاب الشيعية الإسلامية وكذلك السنية وأمام كل مشروع فيكون (حزب الدعوة الشيعي والمجلس الأعلى الشيعي والتيار الصدري الشيعي) الذي يمثلون المشروع السياسي الشيعي في العراق و(الحزب السني) الذي يمثل المشروع السياسي السني في العراق كما هو واقع لحال ريثما يتغير الحال . وللحديث بقية

[email protected]

أحدث المقالات