23 ديسمبر، 2024 10:20 ص

ملاحظات حول الاصلاحات التي قام بها السيد العبادي

ملاحظات حول الاصلاحات التي قام بها السيد العبادي

“لا خير في الصمت عن الحُكم كما انه لا خير في القول بالجهل “
قام فريق العبادي بتوزيع الاصلاحات على الوزراء الجالسين في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 9 اب 2015,

بعد ساعة من عدم احترامه لموعد الاجتماع حيث حضر ساعة متاخرا,وبدون أي اعتذار, وكأنه الأستاذ الذي يوزع أوراق الأمتحان على الطلاب, قام بتوزيع حزمة الاصلاحات (وسائل الاعلام كانت قد نشرتها قبل اجتماع مجلس الوزراء), تاركا الوزراء – شركائه في ادارة العراق تنفيذيا – بين مبهور وممتعض من هذه الطريقة التي لاتليق بمستوى مسؤول ورشة ميكانيك حين يلتقي بعماله, ولكني اذكرهم حين جلس قرب الرئيس اوباما وكاترين لاكارد ليشاركهم الحديث, فقاموا وتركاه وراءهم, فأحسن باهانة وكأنه أراد رد اعتباره ولن ضد اخوانه الوزراء الذين ساهموا بوصوله.

هناك نقاط كثيرة سأختصرها بأبداء بعض الملاحظات وسأتناول الشكل والجوهر.

من حيث الشكل

الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء, أي ستة أشخاص, فموظفيهم وحماياتهم ….الخ,سيتم توزيعهم على الوزارات,أي رواتبهم ومخصصاتهم باقية, نفس الشئ فيما يخص بتقليل الحمايات بواقع 90%, حيث أنهم سيوزعوا بين وزارتي الداخلية والدفاع, فرواتبهم ومخصصاتهم باقية, وأعدادهم تفوق أعداد متظاهري ساحة الحرية, فاذا خرجوا متظاهرين للمطالبة بحقوقهم, ماذا سيفعل القائد العام للقوات المسلحة؟وأي اصلاحات لهم سيقوم بها؟

أتخذ العبادي قرارات بشكل ارتجالي أي بدون تفكير (اذا أردنا ان نحسن الظن به والابتعاد عن فكرة الدكتاتورية والرجل الواحد) وبصورة فيها الكثير من عدم مراعاة الوحدة الوطنية, حيث لم يراع أي شخصية أو حزب او تيار, وكأنه الوحيد الذي يريد الاصلاح, وجميع الاحزاب والشخصيات الاخرى لايريدون الاصلاحات, وكأن العبادي وهو الشخص الثاني في حزب الدعوة لم يشارك المالكي في ايصال البلد لهذه الحال, فالعبادي كان حاضرا بجميع ملفات فساد المالكي وحكومته الكارثية, من تسليم الموصل لداعش, الى سرقات لاموال العراق التي فاقت بكثير سرقات الطاغية صدام حسين, حيث لم نسمع العبادي انذاك عندما كان برلمانيا أي استنكار حين أرسل المالكي قواته ضد متظاهري الانبار, أو حتى كتابة مقال ونشره ضد فساد وزارة الكهرباء كأضعف الايمان لقول الحق بعد الحلف بالله لخدمة الشعب الذي وكله لمدة اربع سنوات عندما اصبح برلمانيا, فهل ياترى اقتراح الاصلاحات- ولاأقول عملها- وقول الحق منوط بمركز رئيس وزراء أم أن الحق يقال بكل زمان ومكان؟

لاأريد أن أخوض بنقاش فكرة تحسين صورة حزب الدعوة الذي ينتمي اليه العبادي بعد سنوات الدمار والسرقة وايصال العراق الى حضيض دول العالم وفساد وعمولات الصفقات ومليارات الدولارات التي لاأحد يعلم أين ذهبت, والتفرد بالسلطة – بعد منطيها – وحكم الرجل الواحد وابعاد الشيعة عن أي مشاركة في القرارات وأصبح حكرا على حزب الدعوة, ونبذ السنة واستخدام القضاء المسيس وقانون اربعة ارهاب, ومعاداة الاكراد قولا وعملا, وتسليم العراق بعد حكم ثمان سنوات, بخزينة خاوية (850 مليار دولار مجموع أموال ميزانية العراق لثمان سنوات), وعراق نصفه محتل من قبل عصابة داعش, وبلد يصنف خامس أسوء بلد من حيث الفساد وفق منظمة الشفافية الدولية, هذه هي محصلة حكم حزب الدعوة وحكم المالكي, والعبادي جزء لايتجزأ من حزب الدعوة, فأفضل طريقة ينسينا به عبادي حزب الدعوة ما قام به مالكي حزب الدعوة, هي حزمة اصلاحات ادعائية وليس لها أي أي أثر حقيقي على واقع الحال في العراق, فقط مكاسب سياسية له, وذر الرماد في العيون, لكي يكسب مرة اخرى حزب الدعوة في الانتخابات القادمة.

المشكلة الأولى, العراق يعتمد بواقع 95% من ميزانيته على بيع النفط (ايران بلد نفطي مثل العراق – يعتمد على 40%), هذا الواقع اذا لم يتغير سيبقى العراقي ذليل راتب وتعيين.

المشكلة الثانية, هناك 3,4 مليون موظف, وأكثر من 3 مليون متقاعد, عدا أكثر من 2 مليون من أصحاب العقود.

بدون تغيير واقع المشكلتين فأن افق العراق سيبقى أسير كلام منمق وشعارات رنانة وادعاء حزم اصلاحات.

من حيث المضمون

1- كلمة حق يراد بها باطل, للأسف هذا ماستؤول اليه “الاصلاحات” من نتيجة, لأنها لاتمثل الا نسبة صغيرة مقارنة بالرواتب التي تثقل كاهل الدولة العراقية , فقط أمام الشعب والمرجعية والاعتصامات الفوضوية وخطب الجمعة, كلها حلول كالروزخونية في عاشوراء تستجدي ارضاء الناس بمشاعرهم ودموعهم بدلا من اظهار بطولة وتضحية الامام ونظرية الحق والباطل .

2- دفع البلاد الى الفوضى, حيث ممكن لأي متظاهريين أن يقطعوا الطرق ويحاصروا أي مبنى أو وزارة وحتى البيوت سوف لم تسلم منها, وستنتشر تصفية الحسابات, وسيشارك داعش بمجرميه في هذه التظاهرات غير المبنية على أساس وجود ممثلين منتخبين من وسط هذه الاعتصامات والمظاهرات والتي هي تبحث عن العدالة الاجتماعية والحقوق والخدمات, فتضيع هذه المطالب والحقوق بهذه الفوضى.

3- عمد العبادي على اتخاذ القرارات منفردا, ضاربا بالحائط النظام الداخلي لمجلس الوزراء والذي هو رئيسه والأولى به من الاخرين احترامه, -ولو كنت وزيرا- لطلبت من اخواني الوزراء أن نتظاهر مطالبين بحقوقنا, وضاربا بالحائط حكومة الوحدة الوطنية التي جائت به كمرشح تسوية على حساب المالكي رئيسه في الحكومة السابقة ورئيسه في حزب الدعوة, فالمالكي كان يتخذ القرارات بشكل فردي وتسلطي – بروليتاري باحسن الاحوال ودكتاتوري باقلها- وكل هذا كان باسم دولة القانون, واليوم العبادي يقوم بالشئ ذاته باسم الاصلاحات!

4- لم يحترم العبادي باصلاحاته الدستور العراقي, وتجاوز نقاط كثيرة فيه, والدستور في يومنا هو المشترك الوحيد الذي عليه اتفاق من قبل جميع الاطراف, فهل سنتجاوز الدستور باسم اصلاحات وتظاهرات وخطب جمعة, فالى اين ماضون, لتوقف العمل بالدستور والذهاب نحو الفوضى, وماهي حدود تلك الفوضى, وجميعها شعارات باسم الشعب والمرجعية والعدالة والاصلاح.

5- اشكالية اتخاذ القرار بشكل منفرد لها احتمالان, الأول قرار داخل حزب الدعوة فقط بمعزل عن بقية الاحزاب والتيارات الشيعية مثلما كانت الامور بعهد المالكي, أي سلطة مغصوبة مرة اخرى.

أما الاحتمال الثاني فهو اتخاذ القرار بشكل منفرد بدون حزب الدعوة, أي مابين شخص العبادي وكابينته, وهنا أطرح السؤال التالي هل “بروفايل” العبادي يستطيع عمل هذا الشئ, لا أعتقد, ولا أعتقد أحدا من كابينته قادر, فمن الذي يساعده؟

الثوابت هي أن العراق بلد متعدد, يحكم بطريقة وحدة وطنية ومشاركة حقيقية من الشيعة والسنة والكورد وبقية المكونات والأديان والطوائف, الدستور هو المتفق عليه من قبل الاكثرية ويمثل الثابت وسط متغيرات كثيرة, الاصلاحات ضرورة من أجل الخدمات والعدالة الاجتماعية والمواطنين المطالبين بها يمارسوا حقوقهم المشروعة ولكن ضمن قانون ودستور وواجبات عليهم.

شارك الشعب بانتخابات واسعة أفرزت حجم الكتل وفق ماحصلت عليه من أصوات, قامت الكتل الفائزة بطرح مرشحيها وتم التصويت عليهم, فاقصاء الجميع بقرار طرف واحد أو رجل واحد هو خيانة للشعب وأصواتهم وللعملية السياسية برمتها, فالاقصاء هو عزل لهم, والعزل هو تفرقة, وبلدنا محتل من قبل مجموعة من القتلة لبسوا قناع الدين وجعلهم المستفادين من هذه الفرقة, ولاتزال نسائنا المسيحيات والأزيديات سبايا بيد أعداء الانسانية, جيشنا وحشدنا يقاتل أعداء الله ويقدم خيرة شبابه قرابين للوطن المغصوب.

الاصلاح يبدأ بتقليص عدد الموظفين عن طريق خلق فرص عمل وبخطة اقتصادية مدروسة من قبل الأختصاصيين في الاقتصاد والتخطيط, وفتح ملف المشاريع الخاصة (9000 مشروع) التي توقفت بسبب الفساد والبيروقراطية والتي تمثل أكثر من 300 مليار دولار, والنهوض بواقع الانتاج الزراعي والصناعي, وتمكين الشعب من أبسط استحقاقاته من كهرباء وماء وبنى تحتية, بدون ذلك كل ما يقدم على أنه اصلاحات لايتجاوز كونه التخدير قبل العملية, حيث الألم سيعود بعد ذهاب التخدير والمرض باق والمريض ممدد وينتظر, وسيبقى شعبنا ممدد ينتظر, اصلاحات حقيقية وحلول دائمة وحكومة شراكة ومواطنة متساوية.

“لا تستح من إعطاء القليل فأن الحرمان اقل منه “