ظهرت مقالتي التي تحمل هذا العنوان أمس الاول على صفحتي والصفحة العامة في فيسبوك كما نشرت على موقع كتابات يوم امس ، كما قام عدد غير قليل من الأصدقاء بمشاركتها على صفحاتهم ؛ بذلك يمكنني القول انها حظيت بقراءة جيدة ، ولذلك وردتني الكثير من الملاحظات بعضها من خلال الماسينجر . لقد أبدى البعض من الأصدقاء ملاحظات وفق مافهموه من المقالة ، ويبدو لي انني ربما لم اكن واضحاً او موقفاً بما يكفي لالغاء امكانية سوء فهم المحور الأساسي فيها . لذلك اود ابداء بعض الملاحظات التكميلية الموجزة حولها .
ما أردت قوله في مقالتي ان محور الموقف الحالي بين الولايات المتحدة وايران هو الوقت مع حرص الطرفان على عدم دفع الامور نحو مواجهة عسكرية محدودة او شاملة في هذه المرحلة على الاقل ، وايران تفهم ان الوقت ليس في صالحها وخياراتها تكاد تكون معدومة باستثناء امكانية لاستثمار بعض تعقيدات الموقف كما أراها .
يناور الامريكيون على الوقت باعتبار ان إداتهم الاساسية في هذه المرحلة هي أقصى مايمكن من الضغط على الجانب الايراني باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية الموجهة اليهم او الى اطراف ثالثة تتعامل معهم اقتصادياً ، ونفطياً بشكل خاص . هذا النوع من الضغط يزداد تأثيره مع مرور الوقت باعتبار انه قد تتوافر لدى ايران بعض الموارد الاحتياطية التي تمكنها من التعامل مع العقوبات وتخفيف اثارها الى حين ، ولكن يبدو ان وسائلها في ذلك محدودة ، والبديل الذي تلجأ اليه الدول عادة عندما تتعرض لوضع كهذا هو العمل العسكري او التهديد به والذي من شأنه ارباك المشهد وإيقاع خسائر في صفوف العدو تجعله يتراجع عن إجراءاته . هذا الخيار غير وارد في حالة ايران الراهنة اذا ما اخذنا بالاعتبار عقلانية الطرف الايراني وبراغماتيته التي أظهرها عبر تاريخه خاصة منذ قيام الجمهورية الاسلامية ، قادة ايران يدركون حجم فارق القوة ، كما يدركون انه مامن فرصة لكسب الحرب ، وسيكون مصير البلاد ومصير النظام في مهب الريح ، ولكن في ذات الوقت فان عدم المبادرة وجمود الموقف يعني موتاً بطيئاً وانهياراً تزداد احتماليته مع كل يوم يمر .
بقية الخيارات كالمناورة على عدم وحدة الصف الدولي ازاء الأزمة تبدو غير مجدية ، اذ رغم انفراد الولايات المتحدة في موقفها ازاء الصفقة النووية الا انها تجد آذاناً صاغية لدى اطراف دولية عديدة في بقية القضايا ، لكن تلك الاطراف ،رغم حرصها على عدم التطابق مع الموقف الامريكي فيما يتعلق بالصفقة النووية وتريد المحافظة عليها ، الا انها تبدو عاجزة عن او غير راغبة في تقديم العون لايران لاجتياز مرحلة العقوبات ، او حتى التخفيف منها ، وتبقى في يد ايران ورقة واحدة تمكنها من التعامل مع قضية الوقت ، او هكذا تعتقد ، وهي التأثير في أسعار النفط العالمية .
تتاثر أسعار النفط مباشرة بالأوضاع في منطقة الخليج العربي ، ويحرص الجانب الامريكي على تكرار موقفه بشأن العزوف عن خيار الحرب من اجل ابقاء سقف منخفض ومعقول لهذه الأسعار ، وهي تعتبر من أولويات ادارة ترامپ وتزداد اهميتها مع اقتراب اعلان ترامپ عزمه خوض الانتخابات لدورة رئاسية ثانية ؛ لقد فاخر كثيراً بقدرته على ابقاء أسعار النفط منخفضة من خلال قدرته على التأثير في قرارات قيادات دول الخليج العربي العربية وخاصة ازاء ” صديقه ” الملك سلمان بن عبدالعزيز . لكن قدراته على ابقاء أسعار النفط على وضعها الحالي قد تذهب ادراج الرياح اذا ماتعرضت الملاحة النفطية للتهديد . ويبدو من خلال استقراء معطيات الوضع الراهن ان ورقة أسعار النفط هي الورقة الوحيدة المتاحة لدى ايران ، وفي ذات الوقت فانها تدرك ان تهديد الملاحة النفطية يعتبر واحداً من الاسباب التي تعلنها الولايات المتحدة اسباباً لخوض حرب في المنطقة كجزء من نظرية آمنها القومي ، ومن هنا يتعذر على ايران القيام باي نشاط مكشوف او مباشر في هذا الاتجاه لانها تتجنب التورط في حرب مع الولايات المتحدة ، وذلك يقع في اعلى قائمة أولوياتها خلال ادارتها للازمة الراهنة وفي هذه المرحلة تحديداً . هي لاترغب في خوض حرب مصيرية خاسرة من حيث المبدأ ، كما لاترغب في خوض حرب قد تجد العالم كله في مواجهتها بسبب تهديدها لأمن الطاقة على المستوى الدولي ان تجرأت على الاخلال المتعمد المكشوف بحرية الملاحة النفطية .
يبدو ان ماهو متاح أمامها هو فقط مساحة رمادية ضيقة يوفرها مزيج من عدم شهية الولايات المتحدة لحرب لاتبدو مبررة بشكل قاطع اما الشعب الامريكي او العالم في هذه المرحلة ، ومن عدم توفر ادلة قاطعة على ضلوع ايران مباشرة في اعمال تخريب تستهدف شحنات موجهة لدول صديقة لها ،، هذا المزيج من عدم الرغبة في حرب وعدم اليقين بشأن المسؤوليات يوفر الجو المناسب لعمليات تخريب يلفها الغموض ، ويغيب فيها الفاعل عن مدى الرؤية ، ولكنها قد تؤدي الغرض وتدفع أسعار النفط في الاسواق العالمية للارتفاع ، كما تضفي جواً من عدم اليقين الذي قد يدفع اطرافاً دولية مؤثرة مثل اليابان والاتحاد الاوروپي وكوريا الجنوبية ومستهلكين اخرين لنفط الخليج العربي للضغط على الولايات المتحدة من اجل التراجع خطوة عن بعض شروطها التي وضعتها اطاراً وسقفاً للمفاوضات مع ايران .
فيما عدا ذلك فانه يبدو من الواضح ان خيارات ايران تبدو معدومة طالما انها تتجنب بشكل قاطع التوجه نحو حرب انتحارية مع الولايات المتحدة وحلفائها وتوابعها ، ومن هنا فان من جادل بان ايران ليست مستفيدة من اعمال التخريب التي تعرضت لها ناقلتي النفط في بحر عُمان ومن قبلها السفن الاربعة بالقرب من الفجيرة يكون قد جانبه الصواب ، ففي اجواء معقدة ومتشابكة كما هو الموقف حالياً فان اعمال كهذه تصب مباشرة في مصلحة ايران واختيار الوقت وهوية شحنات السفن قد تم انتقاؤها بعناية ودقة ليسا بعيدين عما ألفناه من اداء ايران في ظروف مماثلة .
تبقى الامور وتطوراتها رهينة بالوقت ، وفي تقديري انه العامل الحاسم في الموقف برمته ولن يعطل من أهميته سوى الحرب التي يبدو ان الطرفين يتجنبانها في هذه المرحلة .
ارجو ان أكون قد اوضحت ما قد لا أكون قد احسنت عرضه في مقالتي الأصلية .
تحياتي لكل من تابع المقالة وشكري لمن أبدى ملاحظاته معارضاً او مصححاً او موافقاً لانها جميعاً قد أفادتني وحسنت رؤيتي للموضوع ،،،