هناك جملة ملاحظات يمكن الاستدلال اليها عند النظر في تقييم انتخابات مجالس المحافظات العراقية التي جرت في العشرين من نيسان الحالي، يمكن ان نوجزها كما يلي :
1. ان المواطن العراقي يتحمل القسط الأوفر من عدم مشاركة قطاعات واسعة من الشعب العراقي في انتخابات مجالس المحافظات ، رغم ان مفوضية الانتخابات والقوى السياسية التي رشحت نفسها، تتحمل قسطا آخر من هذه المسؤولية، كونها قد عزلت نفسها عن جمهور واسع من العراقيين، ولم تكن مفوضية الانتخابات ايجابية في التعامل مع المواطنين لإدلائهم على مواقع انتخابهم ، وحرمت ربما الملايين من التصويت لهذا السبب، أما كسل القوى السياسية في التواصل مع المواطن العراقي فواضح هو الآخر، إذ لم يتم عقد اية ندوات سبقت العملية الانتخابية، ولم تتحرك على مناطقها قبل الانتخابات ، ولم تعلن شخصيات هذه القوى أو كياناتها السياسية عن برامجها الانتخابية، وبقي المواطن العراقي في حيرة من أمره في كيف يمكن ان يستدل على من ينتخبه، وكاد يظن ان نفس الاصوات هي التي تفوز في كل انتخابات وهذا خطأ في التقييم، ووقع المواطن العراقي ضحية تقييم كان هو السبب في تكريس مفهومه بين الكثيرين.
2. عدم وجود أسماء العديد من المواطنين في مراكز الاقتراع، لعدم سعي المواطن قبل أيام من الانتخابات لمعرفة مكان انتخابه، وهي ظاهرة اتسع نطاقها في الانتخابات التي جرت في العشرين من نيسان، 2013 ، ولم تألفها حتى الانتخابات السابقة من حيث اتساع نطاق هذه الظاهرة ، وهو مؤشر سلبي، لايساعد على توسيع النطاق الانتخابي ليشمل أكبر الشرائح العراقية في ميادين المشاركة في الانتخابات، وهو تقصير تتحمل مفوضية الانتخابات جزءا لايستهان به من المسؤولية.
3. من خلال مشاركتي في الانتخابات وجدت ظاهرة ايجابية هي عدم وجود ضغوط على أي ناخب، والعملية مشت بسلاسة في مناطق كثيرة من بغداد دونما عراقيل، غير ان حمل بعض المواطنين لموبايلاتهم حرم الكثيرين منهم من الانتخاب، لأن الاجهزة الامنية لم تهيء نفسها لاستلام الموبايلات ، واضطر الكثيرون للعودة الى بيوتهم ولم يعودا مرة أخرى للمشاركة في الانتخاب، أي ان التقصير يقع على عاتق المفوضية والاجهزة الامنية والمواطن في انها لم تبلغ قبل فترة المواطنين بعدم حمل الموبايلات أثناء العملية الانتخابية، كما ان المواطن ينبغي أن يعرف ان هناك عدم تحمل لمسؤولية وضع مصير أجهزة موبايل لالاف المواطنين.
4. يعتقد الكثير من المواطنين أن أغلب الاسماء وضعت في أماكن بعيدة عنها ، رغم وجود مدارس قريبة من أماكن سكنهم ، ماحرم الكثير من العراقيين في أحياء بغداد وأطرافها من المشاركة في الانتخابات، كما ان أطراف بغداد والمحافظات كانت شكاواهم واسعة من هذه الظاهرة، إذ ان المواطن يريد مركزا انتخابيا قريبا منه، ليتسنى له المشاركة، وما حصل ان حرم الكثيرون بسبب بعد المراكز الانتخابية عن أماكن سكن المواطنين.
5. هناك طامة كبرى متمثلة بالمهجرين من أحياء بغداد، والذين هم شريحة واسعة تعد بمئآت الالاف، حرمت من المشاركة في الانتخابات لعدم قدرتها على الاستدلال على مراكز انتخابها، أو أن أسماءها بقيت في اماكن هجرت منها أصلا، ولم يعد بمقدورها الوصول الى مناطقها السابقة للمشاركة في الانتخابات.
6. تقصير آخر تتحمله الكيانات السياسية التي لم تضع ارقاما لمرشحيها ورشحت على اساس كتلة واحدة ، ولم يعرف المواطن من هو المرشح الاكفأ ، لغياب أسماء هذه الكتل، وبقي رقم الكيان السياسي هو الدليل ، ما افقد المواطن ثقته في هذا الكيان، فهو ربما يريد ترشيح شخص معين من هذا الكيان ، لا ان يذهب ترشيحه لكيان ككل، ويذهب جهد المواطن هباء في ان يعرف من هو النزيه او الأكفأ للترشيح، وهو يعتقد ان ترشيح كتلة بكامها دون أسماء محددة حرمه من فرصة ان يظهر كيانها ويبرز في هذه الانتخابات.
7. اغلاق صناديق الاقترع في الساعة الخامسة عصرا وعدم تمديد الفترة كما كان يجري في الانتخابات السابقة حرم ملايين العراقيين من المشاركة في الانتخابات، وكان الكثيرون يظنون انه سيكون بأمكانهم التصويت عصرا، ولم يهيئوا امورهم العائلية ، وما ان وصلوا الى مركز الاقتراع حتى وجدوها مغلقة، ما حرم الالاف منهم من المشاركة، وهو تقصير يتحمل المواطن جزءا منه، رغم ان مفوضية الانتخابات تتحمل قسطا من هذه المسؤولية، ولا يدري الاف المواطنين لماذا لم يتم تمديد وقت الاقتراع كما كان يجري في السابق، وبخاصة ان الوقت صيف ويمكن تمديد وقت التصويت لأن حرارة الجو لاتسمح لبعض العوائل في الخروج ظهرا الى الانتخابات.
8. شكاوى حدثت من قيام مجاميع مسلحة في اطراف بغداد وبعض اطراف المحافظات من استيلاء جماعات مسلحة والعبث بمحتوياتها او حرقها، ما شكل ( مثلبة ) على سير الانتخابات رغم انها ظاهرة محدودة ولا تشكل رقما مهما في المعادلة الانتخابية.
9. ان حرمان محافظتي الانبار ونينوى كان خطأ فادحا ، فقد كان العراقيون يأملون أن تكون مشاركتهم في يوم واحد، ولكن المواقف السياسية طغت على طابع العملية الانتخابية، وبقي مصير هاتين المحافظتين مجهولا، وينذر بمخاطر كبيرة، على المستقبل العراقي، لما لهما من ثقل مؤثر في مجريات الاوضاع في العراق، وبدونهما، لاتتشكل المعادلة العراقية او تتوازن ، كونهما ( بيضة القبان ) اللتان تعيدان التوازن الى المعادلة العراقية ، التي اختلت كثيرا بعد حرمانهما من المشاركة بسبب تأجيل هذه المشاركة بدون وجود ( مبررات منطقية ) ، وهو ما شكل هو الآخر ( مثلبة ) لدى إجراء هذه الانتخابات، ما كان أن يحدث، لولا توجهات سياسية وأغراض كيدية، وعدتا ( عقابا ) لهما بسبب مشاركتهما الواسعة في التظاهرات المناهضة للحكومة، وهما اللذان أشعلا شرارتها لتشمل المحافظات الأخرى، وهذا امر واضح يلمسه حتى الطفل الصغير .
10. الخاتمة : مما يستدل يمكن الاشارة الى ان رأي أغلب العراقيين يسير بإتجاه ان لافائدة من المشاركة أو التعبير عن الرأي ، لأن الحكومة أغلقت أبواب الحوار، وراحت تتوعد كل من يخالفها الرؤية ، ما اوصل ملايين العراقيين الى نتيجة مؤداها ، ان نتيجة الانتخابات معروفة سلفا، وهو ما حرم الملايين منهم من المشاركة، وهو موقف سلبي كان العراق هو الخاسر الوحيد مما وصلت اليه الاوضاع في العراق ، من مصير، وكان يفترض أن يشارك كل العراقيين في الانتخابات، حتى لايتركوا للآخرين فرصة ان يتلاعبوا بالاصوات على هواهم، وهو ما ينبغي تجنبه في الانتخابات المقبلة، عام 2014 ، الخاصة بمستقبل رئاسات الوزراء والحكومة والبرلمان، وشكل كيان الدولة المستقبلي، وأسلوب نظام الحكم الذي يسير عليه العراقيون، وكيف يقررون مصيرهم بأيديهم، من خلال مشاركتهم الواسعة في الانتخابات المقبلة.