لا أحد يشك في ان الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي يمتلك قدرة فائقة في إدارة الحوارات التلفزيونية ، وفي إظهار برامج تحليلية تهتم بتشخيص المواقف السياسية من خلال مقابلات مع المسؤولين وصناع القرار ، يحاول استمالتهم في برنامجه / المنجز / من قناة البغدادية، وهو برنامج حواري ربما لم تألفه البرامج السياسية والاعلامية بهذه الطريقة الفريدة التي يظهر بها والاسلوب المستخدم في محاورة الضيف ومحاولة انتزاع مواقف منه، لغرض إطلاع الراي العام العراقي على رؤى وتوجهات هذه الشخصية او الجهة التي ينضوي اليها ، يعاونه ثلاثة شخصيات تهتم بتحليل وإستقراء شخصية الضيف خلال الحوار وتستقريء ما تضمنه الحوار من مؤشرات.
وبرغم ان البرنامج له طابع خاص يكاد يضفي الدكتور كاظم المقادي لمسته الشخصية عليه ، كونه استخدم طريقة غير مألوفة لدينا على الأقل في العراق في تقديم برنامج حواري من هذا النوع، الا ان هذا لايمنع من ذكر بعض الملاحظات الأعلامية الني يمكن ان تؤشر على هذا االبرنامج وكالآتي :
1. يحاول الدكتور كاظم المقدادي أن يستدرج الشخصية من خلال جملة أسئلة ومواقف للحصول على انتزاع ما هو أشبه بـ ( الاعترافات ) من تلك الشخصية التي يحاورها، لكنه يوجه لها مختلف الاتهامات التي لاتترك للشخصية احيانا الدفاع عن نفسها ، او لسوق التبريرات التي تكفي للضيف للدفاع عن وجهة نظره، ولا يتوقف الدكتور كاظم المقدادي عن ابراز دوره (الدكتاتوري)، ان صح التعبير لاظهار ان مقدم البرنامج هو الذي لديه الحق في السيطرة على ضيفه وتوجيه الاسئلة او تحديد الوقت او قطع الحوار ، وهو من حقه، احيانا ، لكن الضيف يبقى يشعر في كل مرة انه أمام “مهاجم اعلامي شرس” ليس لديه القدرة على مواجهته، وبالتالي قد ينزل الضيف حياء عند رغبة المقدادي بعدم إكمال وجهة نظره.
2. لاحظت ان الدكتور كاظم المقداري في اغلب محاوريه يدافع بحماسة عن مواقف رئيس الوزراء نوري المالكي ، في وقت كان يوجه له أعنف الانتقادات، في برامج أخرى ، وكأنما يوحي للمتتبع هكذا ان البرنامج ربما يكون بتوجيه من رئاسة الوزراء ، وبالمناسبة فأن الدكتور كاظم المقدادي يعمل في مركز بحثي قريب الى رئاسة الوزراء والى رئيس الوزراء نوري المالكي ، رغم ان الرجل يظهر كثيرا مواقف يختلف فيها عن المالكي، بل وفي برامج أخرى يصب جام غضبه على المالكي، لكن هذا البرنامج / المنجز / ، من خلال تحليل طبيعة مضامينه يرى المتتبع ان هناك دفاعا من نوع ما من قبل الدكتور كاظم المقداي عن المالكي، ما يبرز ربما تناقضا في مواقفه، رغم ان الرجل معروف بمواقفه وهو رجل اعلام وليس رجل سياسة ، وقد اتقن ادوات حواراته الاعلامية والسياسية ، ولكن طريقة الحاحه على الضيف تدل على ان هناك موقفا ما ربما يحاول المقدادي من خلاله ، تبرئة المالكي مما يتعرض له من انتقادات على مواقفه السياسية او يظهر البرنامج وكأنه، لصالح المالكي في نهاية المطاف، وهذا مالمسناه في حواره مع النائب حيدر الملا وشخصيات اخرى إستضافها الدكتور كاظم المقدادي خلال البرنامج..
3. منذ ان كنا طلبة في قسم الاعلام منتصف السبعينات كنا نتابع رسائل الاستاذ كاظم المقدادي الصحفية ، من باريس يوم كان يدرس الماجستير في فرنسا، ربما في رسائله شبه اليومية انذاك لجريدة الثورة مع الزميلة انعام كجه جي، وكنا حينها معجبين بالطريقة التي يقدم بها الاستاذ كاظم المقدادي رسائله الاعلامية وتقاريره وحوارته التي يجريها مع ضيوف لهم شأن في الثقافة أو يطلعنا على ما يجري في فرنسا من احداث ثقافية ، وظل الرجل يمارس ابداعه الاعلامي، وكان في نهجه على الدوام يلتزم الحيادية قدر الامكان، لكنه ملتزم بالوقوف الى جانب معاناة المواطن العراقي وقضايا الثقافة اكثر من دفاعه عن شخصيات سياسية او التطبيل لأحد، وهو نهج ثابت يحسب للدكتور كاظم المقدادي ولا يحسب عليه ، اللهم الا هذا البرنامج الذي يشم منه ( مسحة دعاية ) من نوع ما او استمالة لشخصية عراقية في أعلى السلطة، يلاحظ في مرات محددة يظهر بين ثنايا موقفه ما يشيد بها او لنقل يدافع عنها ويعطيها ربما التبرير عندما تتعرض مواقفها الى انتكاسة او انتقاد سياسي من اعلى المستويات، وهي ملاحظة ربما تصح او يرى فيها زميلنا وأستاذنا الدكتور كاظم المقدادي اننا قد تجنينا عليه ، رغم اننا لا نحمل له الا الود والأحترام والشهادة الكبيرة بان منزلته ومكانته وعلمه وطريقة تقديمه لاغبار عليها ، ولكن ان اظهرنا بعض الملاحظات فانها لاتفسد في الود قضية كما يقال، ونحن نكن كل الاحترام لمن سبقونا ببعض السنوات، في العلم ، ومنا لهم كل محبة واحترام ، بل اني على ثقة من ان قلب الاستاذ المقدادي الكبير يتحمل ما أثرناه من ملاحظات بشان برنامج نتمنى له النجاح ، وهو ناجح فعلا ولا يحتاج الى شهادة من أحد لكي يثبت نجاحه، كما ان ليس بمقدور أحد ان ينال من البرنامج او يظهر تحاملا عليه، الا من باب عدم موالاة البرنامج لوجهة نظر هذه الجهة السياسية أو تلك .
4. إن ما نريد ان نسوقه من ملاحظات يندرج في إطار تأكيدنا انه كلما التزم المحاور بالحيادية والموضوعية قدر الإمكان ، كان البرنامج اكثر نجاحا وأكثر مصداقية ، وكم تمنينا أن لايوجه الإتهام للمقابل لمجرد أنه أبدى وجهة نظر يفهم منها موقفا كذا من موضوع محدد، وإتهام هذا الشخص بأنه يؤيد أو يعارض هذا الموقف في تصريحات بعينها، ربما يشعر من تمت محاورته بأن هناك اتهاما فيه ربما تعمدا في الصاق تهمة أو موقف في غير محله، وهذا ما يفقد الحوار حياديته، وبخاصة ان الدكتور كاظم المقدادي يعرف أكثر منا معنى( الحيادية ) للإعلامي ، وان لايكون الإعلامي منساقا لطرف دون آخر، وهو ما لمسناه من بعض الحوارات ضمن برنامجه المثير للإنتباه / المنجز / الذي يعد بحق إطلالة تستحق التقدير والثناء، وملاحظاتنا عنه لاتقلل من شأن البرنامج ، بقدر ما يمكن ان تكون ملاحظات قد تصلح لأن تكون منطلقا في حلقات مقبلة ، لكي يبقى البرنامج يواصل نجاحه المتألق ، وهو متألق فعلا، ولكن أمنياتنا له بأن لايظهر من يقول ان هناك انحيازا من المقدم ضد ضيفه أو لشخصية سياسية محورية لايريد المقدادي ربما ان يوجه لها أصابع الإتهام.
5. وهناك ملاحظة يمكن تأشيرها كذلك وهي أن احد المحاورين الثلاثة ممن يشتركون في توجيه الأسئلة للضيف يبدو وكأنه متحامل على ضيفه أكثر من مرة، ولم يظهر أي حيادية في طرحه، بل ربما كان يضع المحاور الضيف دائما في موقع الاتهام والإحراج لينال منه، دونما مبرر، وبخاصة مع النائب حيدر الملا ، على وجه التحديد، وهذا ربما عكس المحاورين الاثنين الاخرين ، اللذين يقيمان الشخصية المحاورة، ويظهران قدرا أفضل من الموضوعية في طرح الأسئلة..
هذه هي أبرز ملاحظاتنا عن هذا البرنامج الشيق / المنجز / ، وامنياتنا له بالنجاح المضطرد، وعسى ان لاتدخل ملاحظاتنا هذه في باب النقد غير الموضوعي، وهو مانأمله من ملاحظاتنا هذه ان تكون متناسقة مع السياقات الصحفية الإصيلة وليس خروجا عنها.