هذه هي المرّة الثالثة التي نتناولُ فيها < من دونِ هضمٍ , وبعسرِ هضمٍ > موضوع الغارة الأمريكية لتحرير الرهائن المحتجزين في أحد سجون داعش .. وقبل الشروع والدخول في التداعيات والملابسات التي كانت وما برحت جزءاً رئيسياً من سيناريو هذه الغارة الفعلية , فنستميح العذر هنا لننحرف جانباً ” ولمسافةٍ قصيرةٍ ” لنقول ونسجّل أنَّ < هنالك عشرات التعاريف الأكاديمية لِ ” الخبر ” في كافة كلّيات الإعلام في دول العالم , لكنّ معظم التوصيفات الموضوعية لخبر الغارة الأمريكية مُغَيّبة وغير مطابقة لهذه التعاريف .! > , وَ وِفقَ ذلك , كان على الأمريكان أنْ يطابقوا ويزاوجوا ويساووا بين ما يعلنوه ويصرّحوا به وبين ما عرضوه في ذلك الفلم الوثائقي او التوثيقي – الفيديوي عن تحريرهم للرهائن المحتجزين بأيدي الدواعش .
إنّ معظم ما تناقلته وسائل الإعلام قد تركّز وتمحورَ على آراءٍ ومواقفٍ تراوحت بين النقد والتحفظ والتأييد لتلك الغارة بالإضافة الى تفاصيلٍ جزئية كان مصدرها الوحيد هو القيادة الامريكية , إنّما نرى أنّ إشباع رغبات ومطالب القرّاء بحاجةٍ الى اكثر من ذلك , وجرّاء ذلك نستبق الحديث هنا بالقول : – أنّ المكان المحددّ للسجن الداعشي يقع في قرية ” فضيخة ” وهي إحدى قرى الحويجة 55 كم جنوب كركوك , أمّا السجن الذي حجزت داعش الرهائن العراقيين فيه فهو بيت او منزل يعود لقاضي في محكمة الحويجة يقع في منطقة معزولة عن القرية < وهذا ما يدللّ على سهولة اقتحامه إذ مساحته وطبيعته ليست كالسجون التقليدية التي تتمتع بمواصفات أمنيّة مشددة > .
O – الأمريكان بدأوا بتصوير العملية منذ لحظة هبوط الطائرات المروحية التي أقلّتْ او حملت الكوماندوس الأمريكي ومقاتلي البيشمركه الأكراد , واستمرّت عملية تسجيل او تصوير هذا الفلم حتى الأنتهاء من العملية او صعود الرهائن الى المروحيات وثمّ إقلاعها , لكنَّ ما جرى عرضه في الفلم الفيديوي للعملية لم يتجاوز 4% او أقل ممّا جرى تصويره , حيث لم يجرِ عرض اللحظات الأولى للإقتحام , ولم يجر عرض صورة المنظر الخارجي للسجن < لماذا ذلك .؟ > وذلك له ما له من دلالاتٍ مُغيّبه ومبهمة وصعبة التفسير , وسهلةُ التشكيك .! > .
عملية إنزال الجنود الأمريكيين والكرد < والتي تمّت بمسافة بعيدة عن السجن وخارج مدى رؤية او نظر حرّاس السجن > شاركت فيها 3 مروحيات ” بلاك هوك ” و 3 مروحيات من نوع ” شينوك ” وتحميها مروحيتان ” اباتشي ” وفوقهما طائرة F 16 حسب المصادر الأمريكية .! وهذا العدد من الطائرات المروحية لا يتناسب مع عدد المقاتلين الذين نفّذوا الغارة ولا مع عدد الرهائن ال 69 الذين تم نقلهم بها بعد تحريرهم .
العملية استغرقت ساعة ونصف ” حيث بدأت في الثانية بعد منتصف الليل وانتهت في الثالثة والنصف ” , وهذا الوقت يعتبر طويلاً في حسابات عمليات الكوماندوس الخاطفة < ونشير هنا أنّ قوّة من الكوماندوس الأسرائيلي سبق وأغارت على مطار عنتيبة – اوغندا في عام 1976 وقامت بتحرير ركّاب طائرة مدنية من الأسرائيليين والأجانب بعد اشتباكهم مع الجنود الأوغنديين في المطار , واستغرقت تلك العملية 45 دقيقة فقط .! > .
O – إحدى النقاط الملفتة للنظر في الفلم الذي تمّ تصويره , أنه في اللحظات التي ” شاهدناها ” عن خروج عدد من الرهائن من الغرف المحتجزين فيها وكان يجري تفتيشهم , فقد ترافق ذلك مع اصوات إطلاق رصاص متقطّع و ” بالمفرد ” وليس صلياً , لكنّ هذا الرصاص كان من طرفٍ واحد ولم يقابله إطلاق نار من الطرف المقابل .! , ثمَّ أنَّ الوصول الى لحظة اخراج الرهائن وتجميعهم من غرفةٍ الى اخرى ” حسبما عرضه الفلم ” فذلك يعني أنّ عملية اقتحام السجن وقتل الحراس من الدواعش كانت قد انتهت , فماذا يعني صوت ذلك الرصاص بالمفرد .!
والى ذلك , فأنّ العناصر الرئيسية الأخرى في الفلم قد جرى حذفها عمداً قبل بثّه ” والذي تعمّد الأمريكان أن تبثّه شبكة روداوو الكردية اولاّ قبل غيرها من الفضائيات العالمية والأقليمية ! ” , ولعلّ واحداً من أهم تلكم العناصر أنّ المتحدث الرسمي بأسم البنتاغون ” بيتر كوك ” قد اعلن إثر الإنتهاء من العملية أنّ 5 من اعضاء تنظيم داعش قد جرى اعتقالهم اثناء الإغارة على السجن , فأين هؤلاء الآن ! ولماذا عدم عرض صورهم ؟ ولماذا لمْ يجرِ تسليمهم الى الحكومة العراقية .!؟ . العنصر المبهم الآخر و المقصود هو عدم ظهور اية صورة لجثث قتلى الدواعش الذين كانوا يتولون حراسة وحماية السجن .! بينما أنّ المصادر الأمنيّة العراقية كانت قد اعلنت عن قتل 80 فرداً من داعش اثناء تلك العملية , ونتساءل بدورنا ” في الإعلام ” هل جرى دفن جثث قتلى الدواعش هؤلاء ؟ مَثلاً .! , ومَنْ هو الطرف الذي تولّى دفنهم .! ! إذ وبعكس ذلك : اين تلاشت تلكُنَّ الجثث .؟ وهنا سوف لن نسأل لماذا لمْ يجرِ عرض اسلحة الدواعش الذين جرى قتلهم عند الشروع بأقتحام السجن .!
يوم امس الأول , صرّح رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أنّ عشرين عنصرا من قياديي داعش قد جرى نقلهم بالمروحيات الأمريكية في تلك الغارة , ولمْ يجر نقلهم بصيغة الإعتقال وانما بصيغة الإنقاذ , وإذ لا نؤكّد ولا ننفي دقّة وصحّة هذا التصريح , فقد انتشرت اخبارٌ ” غير موثّقة ” من هنا وهناك او عبر مواقعٍ اخبارية ووسائل تواصل اجتماعي أنّ الغارة الأمريكية قد جرى تنفيذها وعلى عجلٍ لتخليص كوادر او عملاء من داعش كانوا على وشك أن تحاصرهم القوات العراقية في هجوماتها على تلك المنطقة .
هنالك ايضاً تساؤلٌ آخرٌ قد يبدو في ظاهرهِ ثانوياً , إنّما نرى له اكثرَ منْ بُعدٍ , ومؤدّى هذا التساؤل هو لماذا قامت قوة الكوماندوس الأمريكي ” ومعها البيشمركه ” بتفخيخِ وتفجيرِ ذلك < البيت – السجن > قبل مغادرة المروحيات التي اقلعوا بها .! حيث من السهولةِ جدا على تنظيم داعش استخدام أيّ منزلٍ آخرٍ وتحويله الى سجنٍ في المناطق التي يسيطرون عليها , ثمّ أنه ليس من المنطق أنْ يقوم الدواعش بوضع رهائنٍ او سجناءٍ آخرين مستقبلاً في ذات هذا البيت – السجن بعدما انكشف أمره واقتحامه .! ثمّ كذلك , فأنّ اصوات الرصاص المتبادل اثناء الإغارة هو ليس بذات درجة الصوت في عملية التفخيخ والتفجير والتي هي بالطبع أشدّ تأثيراً وصدىً مما يلفت انظار اقرب قوة داعشية قريبة الى حدٍّ ما من تلك المنطقة , حيث أنّ ايّ ردّ فعلٍ مفترضٍ منها قد يُعرّض سلامة المروحيات الأمريكية الى الخطر قبل إقلاعها , وقد كان من الأصوب وفق المنطق الأمني والعسكري أن يجري قصف ذلك السجن من الجو بعد اقلاع المروحيات ” اذا ما كانت هنالك ضرورة ما للقصف ” .!
وَ , نترك الإجابة على هذه التساؤلات الى القرّاء , والى القارئات ايضا …