ملابسات واشكاليات تسليم المعارض السياسي سلمان الخالدي للكويت ؟!

ملابسات واشكاليات تسليم المعارض السياسي سلمان الخالدي للكويت ؟!

ولد سلمان عبد الله فهد منشد تركي الخالدي عام 1999 في الكويت , واكمل دراسته الثانوية فيها , ثم انتقل الى قطر لدراسة العلوم السياسية في جامعة لوسيل.

وقد برز سلمان  الخالدي كطالب كويتي مهتم  بمناصرة القضية الفلسطينية، وإلقاء خطابات قوية في وقفات تضامنية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي … ؛ إلا أن التحول الرئيسي نحو السياسة، كان بعد اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده في إسطنبول التركية، حيث هاجم الخالدي السلطات السعودية … ؛ من خلال انتقاداته الحادة للسلطات الكويتية والسعودية في 25 مارس 2021، اذ  نشر تغريدات تنتقد دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي ؛ وإبان أزمة الخليج وحصار قطر، قال الخالدي : إن السلطات السعودية منعت دخوله بسبب تعاطفه مع القطريين، وهو ما دفعه أيضا لمهاجمتها بشدة ؛ و نتيجة لذلك مُنع من دخول السعودية لمدة 25 عامًا، ورفعت السفارة السعودية في الكويت دعوى ضده، مما أدى إلى صدور حكم غيابي بسجنه خمس سنوات مع الأشغال الشاقة في 6 يونيو 2022… ؛  وفي مايو 2022 غادر الخالدي إلى بريطانيا حيث تقدم بطلب لجوء سياسي ؛  ورغم العفوالسعودي الرسمي الصادر بحقه في 18 يناير 2023؛ استمرت الملاحقات القضائية ضده ؛ و في 15 مايو 2023 أُعيد الحكم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة نشر “شائعات كاذبة” حول الأوضاع الداخلية للكويت عبر حسابه على منصة “إكس” ؛ وفي 9 أبريل 2024 صدر مرسوم أميري بسحب الجنسية الكويتية من المواطن سلمان الخالدي، مما أثار جدلاً واسعًا وانتقادات من منظمات حقوقية اعتبرت القرار غير دستوري ومخالفًا للقانون الدولي … ؛ لاسيما وان الخالدي ينتمي الى اسرة ومشيخة تتدعي سيطرتها على منطقة الكويت  التابعة للعراق قبل مجيء ال الصباح ؛ – وقد بين ذلك الناشط سلمان الخالدي واعترف بعائدية الكويت التاريخية للعراق وطالما اثنى على العراق والعراقيين وانتقد الهجمات الاعلامية والتطاول على العراق والعراقيين من قبل الكويتيين –  بل وطالب باسترجاع الكويت وعودتها الى الوطن الام – العراق –  ؛ وندد بالإجراءات والتحركات الكويتية التي تهدف الى الحاق الضرر بالموانئ والاراضي والمياه والمصالح العراقية , وشجب تطاول الاعلام الكويتي على العراق والعراقيين …  ؛ وقال  الخالدي في وقت سابق :  إن آل صباح ليسوا حكاما شرعيين للكويت، وأنه يريد استعادة حكم جده “ابن عريعر”، في إشارة إلى ماجد بن عريعر الذي ينتمي إلى قبيلة “بنو خالد” ، وكان حاكما للأحساء شرق السعودية حاليا ؛ وذكر الخالدي روايات تاريخية  موثقة، تتحدث عن أن “جده” بحسب قوله : (ابن عريعر) هو من عين آل صباح حكاما في الكويت او كوت بن عريعر  … ؛ ومن ثم واصل  الخالدي نشاطه السياسي من منفاه في بريطانيا بعد حصوله على اللجوء السياسي  ؛ وصار الخالدي يشارك في جل التجمعات المعارضة في بريطانيا ضد كافة الأنظمة العربية والغربية، بما فيها المظاهرات الرافضة للملكية في بريطانيا نفسها… ؛ و اشتهر الخالدي بملاحقته للمسؤولين الكويتيين في العاصمة البريطانية لندن، حيث اتهمهم علناً بالفساد والقمع  ، فضلا عن انه  يدير قناة  شهيرة على اليوتيوب وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، مسلطًا الضوء فيها  على قضايا حقوق الإنسان والفساد في الكويت … ؛ ووثق الخالدي مجموعة فيديوهات له وهو يلاحق مسؤولين كويتيين في بريطانيا، ويقذفهم بالبيض، ويكيل لهم الشتائم ؛ وكعادة الكويتيين في التخبط والادعاءات المتناقضة ادعى البعض انه ليس كويتيا بل عراقيا بصريا , بينما ادعى البعض الاخر خيانته وتملقه للعراقيين , وقال البعض الثالث : ان  نسبه  يعود لابن عريعر الخالدي الذي عين صباح الاول حاكم على الكويت وكانت تحت حكمه وهو في الإحساء  ؛ لذلك  يدعي سلمان الخالدي ان الكويت ترجع للخوالد وليست لآل الصباح ؛ فهو حفيد لأحد حكام الكويت السابقين من قبيلة  الخوالد … ؛ والى هذه اللحظة لا يعرف معيار السلطات الكويتية في اعطاء الجنسية  للمواطنين او سحبها  منهم ؛ فكل يوم هم في شأن ؛ وقد اسقطت الكويت الجنسية عن 20 ألف  مواطن من الخوالد بحجة ترحيبهم او تعاونهم مع السلطات العراقية عام 1990  ؟!

وفي الشهور الاخيرة ارتفعت وتيرة مطالبات الخالدي السياسية ؛ فبعد اليأس من تحقيق المطالب وتنفيذ الاصلاحات السياسية ؛ اذ طالب بالمواجهة المسلحة ودعا الى مقاتلة النظام الكويتي واسقاطه  ؛ ورغم رفعه علم الكويت في كل المناسبات، إلا أن الخالدي نشر فيديو وهو يحرق العلم، بحجة أنه لا يعترف به لأنه يمثل النظام ؛ ولم يتوقف سلمان الخالدي عند هذا الحد، إذ توجه مؤخرا إلى العراق، وبدأ بالحديث عن تحضيره لمعركة مسلحة ضد الجيش الكويتي ؛ ونشر الخالدي عدة فيديوهات قرب الحدود الكويتية، وتوعد بدخولها عبر قوة مسلحة قريبا.

وقبل ايام جاء الخالدي الى العراق , ودخل مطار بغداد الدولي وحصل على الفيزا وبأوراق رسمية وجواز سفر بريطاني , وكعادة العراقيين الاصلاء واهل الجنوب الكرماء استقبلوه بحسن الضيافة واكرموا مثواه ورحبوا به , وفتحوا له قلوبهم قبل ابواب دورهم ومضايفهم العامرة , وقيل ان سبب سفر الخالدي الى العراق ؛ هو زيارة العتبات الدينية المقدسة , وقيل للسياحة والاستجمام , وقيل غير ذلك ؛ وبعد ان تجول في مدن الجنوب وبغداد وشعر بالراحة والسعادة والامن والامان , والتقى بالعراقيين الطيبين وقضى معهم امتع الاوقات وقام بمختلف الجولات السياحية من دون حرج او مضايقات ؛ حدثت المفاجأة ؛ ففي يوم الاربعاء المصادف 1/1/ 2025 تم القاء القبض عليه في مطار بغداد من قبل الاجهزة الامنية العراقية ؛ عندما كان يريد السفر الى بريطانيا في احدى الرحلات الجوية , وفي نفس اليوم نقل في احدى الطائرات المتوجهة الى مطار البصرة وكان باستقباله محافظ البصرة السيد اسعد العيداني وتم تسليمه الى الجانب الكويتي بسرعة البرق عبر منفذ العبدلي وكان بانتظاره وزير الداخلية الكويتي ؛ وقامت الشرطة الكويتية بإلقائه على الارض وبصورة مهينة , وظهر في الصور  وقد بدت عليه ملامح الإرهاق والتعب والقلق  …؟!

انتشر خبر اعتقال المعارض السياسي الخالدي المؤلم انتشار النار في الهشيم ؛ في كافة وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ؛ وتفاعل الجمهور معه , وصدم العراقيون واحرار العالم العربي والدولي بهذا الخبر الذي أثار جدلاً واسعاً حول قضايا حرية التعبير وإسقاط الجنسيات , وهي خطوة أثارت تساؤلات قانونية وإنسانية حول أبعادها ومدى توافقها مع الالتزامات الدولية ؛ فضلا عن سخط الجمهور العراقي المعروف بكرمه ونخوته وغيرته واخلاقه وقيمه ؛ بينما فرح البعض من المحسوبين على النظام الكويتي وكذلك ابتهج الطائفيون والتكفيريون وابدوا شماتة بالخالدي وتشفي بما ال اليه حاله , وربطوا بين زيارته للمراقد الدينية الشيعية وبين اعتقاله … .

وتضاربت تصريحات الجانب الكويتي والجانب العراقي فيما يخص ملابسات الاعتقال ؛ ومن الواضح ان الجانب الكويتي لا يخطئ قرارات السلطات الكويتية ابدا وبغض النظر عن كونها موافقة للحق او القوانين الدولية او القيم الانسانية او مبادئ حسن الجوار ؛ اذ قالت الداخلية الكويتية في بيان نشرته مرفقا بصورة للخالدي في الكويت : “في إنجازٍ أمنيٍّ يعكس قوة التعاون الدولي وتنسيق الجهود بين الدول الشقيقة، تمكَّن قطاع الأمن الجنائي بوزارة الداخلية، ممثَّلًا بإدارة الإنتربول، من ضبط المتهم الهارب خارج الكويت سلمان الخالدي، الصادر بحقه 11 حكمًا بالحبس واجب النفاذ، والمُعمَّم عنه عربيًا ودوليًا اعتبارًا من تاريخ 4/12/2023 بناءً على ذمة أحكامٍ قضائية، كما تم إرسال التعميم إلى جميع الدول لضبطه وتسليمه إلى الكويت”.

وتابعت: “بدأت الواقعة برصد المتهم داخل العراق الشقيق، حيث شُكِّل على الفور فريقٌ أمنيٌّ متخصصٌ من إدارة الشرطة الجنائية العربية والدولية (الإنتربول) للتنسيق مع السلطات العراقية والسفارة الكويتية في العراق، وبفضل التعاون الوثيق بين الجانبين، تم ضبط المتهم سلمان الخالدي قبل تمكُّنه من الهروب، وتسليمه إلى الكويت لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه.. وتتقدم وزارة الداخلية بخالص الشكر والتقدير لوزير الداخلية في العراق الشقيق عبد الأمير الشمري، ومحافظ البصرة أسعد العيداني والسلطات الأمنية في وزارة الداخلية والجهاز القضائي في العراق الشقيق على التعاون المثمر والاستجابة السريعة التي أسفرت عن نجاح هذه العملية الأمنية، حيث يعكس هذا التعاون عمق العلاقات الأخوية والحرص المشترك على تحقيق العدالة والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة”.

وأضافت: “تؤكد وزارة الداخلية أنها مستمرة في ملاحقة وضبط كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطنين سواء في الداخل أو الخارج، مشددةً على أن القانون سيُطبق بحزم على كل من ينتهك القانون”... ؛ وكذلك أعلنت السلطات الكويتية، تسلمها المطلوب سلمان الخالدي من السلطات العراقية بعد فراره إلى بغداد ووضع اسمه بقائمة المطلوبين في “الإنتربول”.

بينما أكد محافظ البصرة أسعد العيداني أن دور “المحافظة” في تسليم المتهم سلمان الخالدي إلى الكويت كان مجرد توفير الحماية لعملية النقل دون التدخل بالتفاصيل، مشيرا إلى أن تواجده أثناء عملية الترحيل مرتبط يروتوكوليا بتواجد وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف إذ تعذّر حينها تواجد وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري ؛ وأضاف في تصريح نقلته وسائل إعلام عراقية أن ما حصل أنه تم إلقاء القبض على الشخص المتهم الساعة الثامنة صباحا في مطار بغداد الدولي ،ووصلت طائرته إلى مطار البصرة بعد 11 ساعة ؛ ومنه تم ترحيله إلى منفذ سفوان ؛  وأشار إلى أن تسليم المتهم كان من قبل شرطة الانتربول العراقية إلى شرطة الانتربول الكويتية دون أي معرفة بطبيعة إجراءات التسليم كونه كان منقولا بمركبات شرطة الانتربول.

وفي تسجيل صوتي لمحافظ البصرة السيد اسعد العيداني قال فيه : (( …  المعارض الكويتي سلمان الخالدي واحد مخبل لا أكثر ولا أقل … واني ما شفت الشخص ولا اعرفه ولا همني منو , ومنو هذا فد واحد مخبل …  )) .

وقد قامت الجيوش الالكترونية والصفحات المسيسة , بالدفاع عن اجراءات الحكومة العراقية والسلطات الكويتية ؛ وتعذرت بالأعذار الواهية والحجج السطحية , وقد فندها المراقبون والمحللون والمتابعون .

ومن أهم ما تعذرت به الجهات العراقية ولاسيما محافظ البصرة و وزارة الداخلية ؛ فضلا عن السلطات الكويتية ؛ ان الخالدي مطلوبا من قبل الانتربول الدولي وهو مشمول بقوانين واجراءات الشرطة الدولية ؛ ورد هذا الاشكال القانوني ممكن لأبسط مواطن اطلع على القانون الدولي وقرأ مواد وفقرات قوانين الانتربول الدولي قراءة خاطفة ؛ فالإنتربول يعتبر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية وهي منظمة حكومية دولية فيها 194 بلداً عضواً، مهمتها أن تساعد أجهزة الشرطة في جميع هذه الدول على العمل معاً لجعل العالم مكاناً أكثر أماناً، ولهذا فهي تمكن البلدان من تبادل البيانات المتعلقة بالجرائم والمجرمين والوصول إليهم، وتقدم الدعم الفني والميداني ؛ اذ ان مجال عمل الانتربول الدولي جميع الجرائم الجنائية والأمنية مثل جرائم الاتجار بالبشر وجرائم العرض والنفس وجرائم غسل الأموال وجرائم الإرهاب والجرائم المعلوماتية وجرائم الأمن السيبراني وغيرها ؛ فالمناط في عمل الشرطة الدولية الجريمة الجنائية فحسب ؛ حتى ان كلمة ( الانتربول ) تعني : المنظمة الدولية للشرطة الجنائية .

والاشخاص المطلوبون للإنتربول هم المجرمون الفارون من قبضة العدالة والذين صدرت بحقكم احكاما قضائية تدينهم وتؤكد ارتكابهم للجرائم الجنائية في هذا البلد او ذاك , وللعلم ان الصين وروسيا وغيرهما لا تسلم المجرمين الهاربين الى الولايات المتحدة الامريكية وغيرها , فمهمة الانتربول الدولي ملاحقة الجرائم العابرة للحدود كالإتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات والفساد … الخ ؛  والقاصي والداني يعلم علم اليقين بان المظلوم سلمان الخالدي لم يرتكب اية جريمة جنائية لا في الكويت ولا في غيرها , وكل الاحكام القضائية التي صدرت بحقه تتعلق بحرية الرأي والتعبير والمعارضة السياسية ؛ وعليه يعتبر اعتقال الخالدي مخالفا لقوانين الانتربول الدولي والتي تنص على  ان دوره محصورا في القضايا الجنائية ولا شأن له بالقضايا السياسية وحقوق الانسان وحرية التعبير , بل ان الانتربول الدولي لا يسمح باستخدام أنظمته لتعقب أو تسليم الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد السياسي … ؛  فالشرطة الدولية – الإنتربول – لا تقوم  بتسليم المطلوبين بقضايا حرية التعبير عن الرأي والمعارضين السياسيين الى بلدانهم ؛ فالمادة ٣ من القانون الاساسي لمنظمة الشرطة الدولية ( الانتربول) يحظر على المنظمة حظرا تاما ان تتدخل بالشؤون ذات الطابع السياسي والعسكري او الديني والعنصري ؛ ومهمتها فقط ملاحقة المتهمين بقضايا جنائية مثل القتل والاغتصاب وتجارة البشر والفساد المالي وما شابه كما مر عليكم انفا  … ؛ واغلب المتابعين العراقيين والعرب يعرفون أمر الخالدي الا محافظ البصرة الذي يدعي انه لا يعرف عنه شيئا ويستهين بشخصه ؛ ومع ذلك يسلمه بنفسه الى الجانب الكويتي وبمعيته وفدا حكوميا محليا ؛ ويلتقطون الصور مع الكويتيين وهم فرحون مبتسمون والمحافظ البصري يرتدي بدلة عسكرية وكأنهم حرروا القدس او حققوا انجازا وطنيا عظيما او خلصوا البصرة من الامراض السرطانية  والبطالة ومظاهر الفقر والعشوائيات …!!

وقد صرح سلمان الخالدي وعبر قناة الحوار الفضائية قبل سنتين :  (( ان الحكومة البريطانية توفر لي الحماية  , والحكومة البريطانية تقدم لي كافة الحمايات ولا تسلم اللاجئين من اصحاب الراي … ))  ؛ لاسيما وان الكويت مرتبطة بمعاهدة مع بريطانيا ؛ اذ ان معاهدة تسليم المطلوبين بين حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية وحكومة دولة الكويت ؛ تنص على حماية حقوق الإنسان ورفض التسليم لأسباب سياسية … ؛ وعليه وضعت الكويت نفسها في موضع يتقاطع مع الاتفاقيات الدولية ؛ فهذا الاجراء التعسفي بحق الخالدي لا يتماشى مع الالتزامات الدولية … ؛ فهذه الخطوة تسبب أزمة بين بريطانيا والكويت ؛ فضلا عن نظرة المجتمع الدولي ؛ وكأنما السلطات في الكويت ارسلت رسائل مبطنة للعالم تقول فيها ان عام 2025 هو عام اختطاف المعارضين السياسيين  واللاجئين والتنكيل بهم ؛ وذكر مغردون كويتيون أن تسليم الخالدي من قبل العراق، وتصويره من قبل السلطات الكويتية بهذه الطريقة المهينة قد يضع الحكومة الكويتية أمام ضغط دولي، لا سيما أن الخالدي حاصل على وثيقة لجوء في بريطانيا … ؛ هذا فيما يخص الجانب الكويتي , اما فيما يخص الجانب العراقي فهنالك عدة خروقات وملاحظات ومنها : ان الخالدي قدم من بريطانيا وبجواز سفر بريطاني واوراق ثبوتية تؤكد بانه لاجئ سياسي ؛ فالمفروض من العراق عدم استقباله اصلا او ارجاعه الى الجهة التي جاء منها ؛ وليس لأي دولة تتدعي صدور احكام قضائية بحقه ؛ وبهذا الاجراء يكون الانتربول العراقي قد جنب نفسه تبعات تسليم المعارض السياسي وردود الفعل الشعبية والعربية والعالمية وخرج من هذا المأزق وهذه الاشكالية القانونية والانسانية  … ؛ فضلا عن ان هذا التصرف المشين  قد خالف  المادة ٤ من قانون اللاجئين السياسيين رقم ٥١ لسنة ١٩٧١ فقرة ١ و ٣ التي منعت التسليم مطلقاً ؛ بدوره قال الخبير القانوني علي العبادي :  إن “الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية في قضية تسليم سلمان الخالدي تثير جدلاً كبيراً حول مدى توافقها مع القانون الدولي الإنساني ، إذ أن العراق كان يمكنه رفض هذا التسليم استناداً إلى قوانين الشرطة الدولية (الإنتربول) ؛ والدليل على ذلك هو موقف روسيا من رفضها تسليم بشار الأسد رغم الضغوط”… ؛ وأضاف العبادي في تصريح لـ”جريدة”، أن “تسليم الخالدي يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة ضمن صفقة سياسية أو نتيجة مجاملة للكويت، وهو ما يثير قلق المدافعين عن حقوق الإنسان ويضع العراق أمام علامات استفهام كثيرة”… ؛ وأشار العبادي إلى أن “تسليم الخالدي بهذه الطريقة يعد تسليماً إلى المجهول، وندعو كافة المنظمات الحقوقية والصحفيين إلى الوقوف ضد هذا الإجراء الذي يعرض حياة الخالدي للخطر”… ؛ بينما علق المستشار القانوني محمد الحمداني قائلا : ((التصرف من وجهة نظرنا حصل نتيجة عطية مالية كويتية مجزية تشبه ما أعطيت للوفد العراقي سابقاً برئاسة وزير النقل أو الجهل القانوني المطبق عند سلطة القرار  )) ؛ وقد جاء في الدستور العراقي / الباب الثاني / الحقوق والحريات / الفرع الاول:ـ الحقوق المدنية والسياسية / المادة (٢١) :

اولاً: يحظر تسليم العراقي إلى الجهات والسلطات الاجنبية .

ثانياً: ينظم حق اللجوء السياسي إلى العراق بقانون ، ولا يجوز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهةٍ اجنبية، أو إعادته قسراً إلى البلد الذي فرّ منه ؛  فقد منع قانون أصول المحاكمات الجزائية (المادة 358)  تسليم المطلوب بتهم سياسية  … ؛ علما ان العراق قد وقع على المعاهدات  الدولية لحماية اللاجئين ؛ وتعرّف المادة الأولى من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين ، بصيغتها المعدلة في بروتوكول عام 1967، اللاجئ على النحو التالي :«كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد.» وهذا التعريف ينطبق على المظلوم المضطهد سلمان الخالدي تمام الانطباق ؛ وتعتبر الدول التي صادقت على اتفاقية اللاجئين مجبرة على حماية اللاجئين المتواجدين على أراضيها … ؛ اذ يتعين على الدول المتعاقدة ألا تعيد اللاجئين بالقوة أو «قسرًا» إلى البلد الذي فروا منه … ؛ ويجمع الكثيرون على نطاق واسع أن حظر العودة القسرية هو جزء من القانون الدولي العرفي، ما يعني أن حتى الدول التي ليست طرفًا في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين مجبرة على احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية ؛  وبالتالي، يتعين على الدول بموجب الاتفاقية والقانون الدولي العرفي أن تحترم مبدأ عدم الإعادة القسرية ؛ وفي حال أو متى انتهك هذا المبدأ، يحق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تستجيب عبر التدخل مع السلطات المختصة، وإن اقتضت الحاجة أن تُعلم الشعب … ؛ ولو كان الخالدي مطلوبا للإنتربول الدولي كما يدعون لتم القاء القبض عليه في اوربا او بريطانيا , والجميع يعرف ان الخالدي كان يتظاهر دائما امام السفارة الكويتية في لندن ؛ وبريطانيا عضو مهم في الانتربول ولو كان الخالدي مطلوبا للإنتربول لبادرت بريطانيا للامساك به وتسليمه للإنتربول الدولي  ؛ ولو كانت الحكومة العراقية مهتمة بالإنتربول الدولي وتعمل على الالتزام بقوانينه والتنسيق معه ؛ فلماذا لا زال الالاف من الارهابيين والمجرمين والفاسدين والمخربين يسرحون ويمرحون في اوربا ودول العالم من دون حسيب ولا رقيب ؛ ويعيشون حياة البذخ والترف والانحلال ومع كل ذلك لا تطبق عليهم القوانين الوطنية او الدولية ؛ وهذا التصرف  سوف يعكس صورة سلبية عن الحكومة العراقية ومدى التزامها بالمقررات الدولية التي تخص حقوق الانسان وحرية التعبير ويعطي إنطباعا سيئا عن العراق فيما يتعلق  بتعامله مع الملفات الدولية ؛ ومن خلال ما تقدم تعرف زيف هذا الادعاء .

وهذه الاشكالية وملابسات القضية تدل على امرين لا ثالث لهما ؛ اما كذب تلك الجهات وتدليسها وتضليلها للرأي العام ؛ او جهلها الفاضح بقوانين ومهام الانتربول الدولي  .

وبعد انكشف زيف التبرير انف الذكر ؛ وتعرض تلك الجهات الكويتية والعراقية ولاسيما محافظ البصرة ؛ الى سيل عارم من الانتقادات الحادة والتعليقات المستنكرة ؛ لجأت تلك الجهات المزبورة الى الاحتجاج بالعذر الثاني الا وهو اتفاقيات الانتربول العربي والذي هو أوهى من العذر الاول  ؛ ومن الواضح ان اتفاقيات وزراء الداخلية العرب لا علاقة لها بالاتفاقيات الدولية ان لم تكن مختلفة معها اختلافا جوهريا , فالجميع يعلم ان الإنتربول العربي (الشرطة العربية) مؤسسة قمعية من صنيعة الدكتاتوريات العربية ولا علاقة لها بالإنتربول الدولي ؛ بالإضافة الى ان  العراق لم يعقد اتفاقية تسليم المجرمين مع الكويت بلحاظ ان الكويت لم تسلم لنا مجرمي الاختلاس و الفساد وهدر المال العام ومروجي الحراك الطائفي وغيرهم ؛ ولو كان هنالك اتفاقيات جدية ومعاهدات حقيقية بين الانتربول العراقي والعربي كما يزعمون ؛ لبانت اثار تلك الاتفاقيات على الواقع العراقي ؛ فالدول العربية تؤوي الاف العناصر الارهابية والاجرامية من المحسوبين على النظام الصدامي البائد والحركات الطائفية والتنظيمات التكفيرية ؛ فضلا عن وجود مئات الاشخاص المطلوبين للقضاء العراقي بتهم الاتجار بالمخدرات والفساد والتزوير والتهريب والجرائم الجنائية الاخرى ؛ بالإضافة الى رموز النظام البائد والشخصيات الطائفية والمعارضة والمتهمة بالإرهاب ؛ ومع كل تلك الحقائق الدامغة لم تسلم الدول العربية والخليجية مطلوبا واحدا للعراق بمحض ارادتها ؛ بل عملت تلك الانظمة على دعم الارهاب والارهابيين ونشر الاجرام وتشجيع المجرمين , والحث على التخريب والتعاون مع المخربين , وطالما دفعت الاموال الطائلة والرشى الكثيرة لإخراج الارهابيين والمجرمين ورموز النظام البائد من السجون العراقية ؛ والاحتفاء بهم فيما بعد وتشجيعهم على التمرد والمعارضة السياسية … .   

وهل التزمت الدول العربية وغيرها يوما  بالمواثيق والمعاهدات الدولية لاسيما اذا تعلق الامر بالعراق والعراقيين الاصلاء ؟ ؛ اما انها تحتال على تلك القوانين بألف طريقة وطريقة ولا تلتزم بها وتتهرب منها بشتى الطرق الملتوية والحيل القانونية والسياسية ؛ فالسياسة عندهم تعني الدهاء والمكر والغدر وتحقيق المصالح والمكاسب ولو على حساب الاخرين … ؟!

وهذه الاشكالية تدل على ان البعض من المحسوبين على الساسة والسياسة مجرد امعات وادوات لا يفقهون شيئا من السياسة ؛و يفتقرون للحنكة والدهاء السياسي ولا يفرقون بين التنظير والتطبيق والواقع والشعارات والادعاءات ؛ فهم دائما  يبادرون و يعطون ويتنازلون مقابل لا شيء …؟!

وبسبب هذا التصرف الشنيع والفعل الرذيل والاجراء التعسفي ؛ شتم البعض العراق والعراقيين والحكومة العراقية والحكومة المحلية البصرية ؛ واطلقوا علينا مختلف الاوصاف القبيحة والشتائم الصريحة والالقاب المنكوسة ؛ اذ امتلأت صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي بآلاف التعليقات والتغريدات التي تشجب هذا الاجراء ؛ فقد وصفوا العراقيين بانهم : (( غدارة لا امان لهم , فقد وشوا بال البيت وقتلوا الحسين سابقا ؛ وان الوشاية ديدنهم والغدر نهجهم ؛ والعراق بلاد الشقاق والنفاق ؛ ومسؤولي العراق عبارة عن مقاولات و شركات ومافيات وعصابات خالية من الامانة و الصدق و الضمير والنخوة والغيرة والاخلاق ؛ والبصرة بكل ادارتها ودوائرها ورجالها تابعة للكويت ؛ وان العراقيين والبصريين سلموه مقابل حفنة من المال السحت والرشوة الحرام وليس من اجل تطبيق القانون الدولي وان الاحرى بمحافظ البصرة تطبيق القانون بحق نسيبه الذي ارتكب جريمة قتل وفي وضح النهار ومتابعة اجراءات القضاء والعدالة , وان هذا التصرف معيب ولا يليق بالعراق والعراقيين والبصرة والبصريين ؛ شوهتم سمعة العراقيين والاعراف والعادات المجتمعية العريقة ؛  دونية ما بعدها دونية .. لا يوجد موقف سياسي واضح لهذا النظام .. نظام هش تنقصه القوة والشجاعة ليثبت على موقف ؛ شعليكم انتو تعتقلوه وتسلموه  ؟هي الكويت تحبكم ؟  شنو هل الانبطاح والواگه والدونيه  ؟ نسيتو الكويت شسوت بالعراق ؟ ؛  وچمالة يسموه الشيخ اسعد العيداني وين اكو شيخ يسلم دخيلة حتى شيخ غليص دواس الضلمة ماسواها ؟!ّ ؛ متى نصبح دولة بمعنى الكلمة تفرض احترامها على الجميع , مو عقلية زعامات وعشائر ؟! ؛ دگة ناقصة من الحكومة العراقية ؛  صارله ايام  بالعراق ليش هسه سلمتوه او الاصح بعتوه؟ ))

عرف العراقيون الاصلاء والجنوبيون الكرماء بإيواء الدخيل والطريد ؛ وسمي العراق ببلد حامي الدخيل وحامي الحمى – الامام علي – ؛ فضلا عن تشبع المجتمع العراقي بقيم واخلاق العروبة العراقية الاصيلة ؛ فالعراقي الشهير والفارس المغوار المثنى بن حارثة الشيباني رفض تسليم نساء و ودائع  النعمان الى كسرى ؛ وبسبب هذه الحمية العربية والغيرة العراقية اندلعت معركة ذي قار بين الفرس والعراقيين العرب قبل الاسلام ؛ والتاريخ الاسلامي والعربي والفلكور الشعبي ولاسيما الجنوبي مليء بمئات القصص التي تمجد خلق ايواء الدخيل وحماية الطريد ؛ ومن يخرج عن هذه المنظومة الاخلاقية العريقة يتهمه العراقيون بالحقارة والنذالة والانحطاط والجبن والعار ؛ وبالأصل اللئيم والخلق الذميم .

ومما جاء في التراث العربي ؛ ان بعض الصيادين طاردوا ضبعة , وقد دخلت في احدى الخيام ؛ فخرج صاحب الخيمة الاعرابي شاهرا سيفه  ؛ وقال للصيادين المحتشدين : هي الان دخيلة لدي ولا اسلم لكم الدخيلة ؛ وحاولوا اقناعه بانها حيوان مفترس وهي تمثل خطرا على حياته ؛ الا انه رفض ذلك ؛ فذهبوا وتركوا الاعرابي والضبعة معا , وكان العرب يطلقون على انثى الضبع  أم عامر، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدّم لها الحليب، فشربت حتى ارتدّت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة ؛ وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحاً بما فعل للضبع من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه، وبعدها تركته وسارت … ؛ وانشد الشاعر قائلا :

ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله  **** يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عامر

وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على الاصالة والنخوة العربية , وعندما ثار أهل المدينة على يزيد بعد مجزرة كربلاء، وأرادوا قتل الوالي ورجال الدولة من بني أمية، أخذ رجالهم بالهرب من المدينة، وبحثوا عمن يأوي نساءهم وأطفالهم، فآواهم الإمام زين العابدين وأطعمهم وسقاهم كعائلته، وحماهم حتى بلغهم مأمنهم ؛ لاسيما وان سلمان الخالدي قد جاء زائرا لمرقد الامام علي والامام الحسين والامام الكاظم وهذه العتبات لها قدسية في نفوس ملايين العراقيين والمسلمين من اتباع ال البيت وغيرهم  , ودخل العراق بفيزا زيارة العتبات المقدسة , وهذه العتبات كانت ولا زالت مكانا امنا للطريد والمشرد والمطارد واللاجئ والزائر والسائح والدخيل وابن السبيل ؛ ولهذا السبب جاءت ردة فعل العراقيين الاصلاء واتباع ال البيت حادة وقوية , بينما سخر اعداء التشيع من هذه الزيارة وتهكموا على الخالدي , وعلقوا قائلين : (( خلي مراقد الشرك تفيدك , خلي الهسين يحميك , هم غدروا بالحسين تريدهم ما يغدروا بك ؛ هسه عرفتوا منو غدر باهل البيت رضي الله عنهم ؟  … الخ )) وهذا الاجراء شبيه بالإجراء التعسفي السابق ؛ حيث سلمت الحكومة العراقية احد المعارضين السياسيين من اتباع ال البيت البحرينيين الى سلطات البحرين , وكان المواطن الشيعي البحريني معارضا سياسيا وجاء الى زيارة العتبات المقدسة , علما ان الاجهزة القمعية والامنية في البحرين معروفة بإجرامها وعدائها للشيعة ؛ حتى ان البعض من مجرمي البعث وجلادي الاجهزة القمعية الصدامية ذهبوا الى البحرين للمشاركة بحفلات تعذيب الشيعة البحرينيين …!!

نعم هذه العادات والتقاليد والقيم الاخلاقية تكون مقبولة فيما اذا وافقت الحق والعدل والقانون والوجدان الانساني ؛ اما فيما اذا ادت الى مخالفة القوانين ونصرة الباطل فلا خير فيها ؛ فليس من المعقول ولا المقبول ايواء السفاحين والذباحين والجلادين او حماية الارهابيين والمجرمين ؛ نعم ايواء الطريد المظلوم وحماية الدخيل المضطهد يعد من مكارم الاخلاق ومن القيم الانسانية النبيلة .

و حاول البعض تصويب هذا الاجراء قائلا : (( هذه اتفاقيات دولية وليست عادات عشائر او تقاليد قبائل ؛ حتى نحمي الضيف …  ؛ مسالة الزيارة الدينية غطاء من اجل دخول العراق , كافي عواطف سخيفة ؛ مصلحة العراق وسياسته الخارجية اولوية قصوى … ؛ ادخل العراق بشرط عدم اثارة البلبلة وذلك من خلال شتم بلدك الاصلي …   ))

وللإجابة على ما تقدم , نقول : من قال لكم ان العادات والقيم والتقاليد والاعراف الوطنية يجب ان تتقاطع مع القوانين الوضعية المحلية ؛ فالأصل في تشريع القوانين ملاءمتها لأوضاع واحوال المواطن  وتحقيقها لمصالحه واسعاده وليس العكس , و لأهمية ثقافة الشعوب راعت القوانين والدساتير عقيدة هذه الاغلبية او ثقافة ذاك الشعب ؛ وبسبب تلك الثقافات والعادات والاعراف طالبت النخب والجماهير في هذا البلد او ذاك بجعل الاسلام دين الدولة , او اقرار قوانين تتماشى مع فتاوى المذاهب الاسلامية … الخ ؛ علما ان الانتربول الدولي يراعي في تحركاته واجراءاته القوانين المحلية والدستور الوطني لهذا البلد او تلك الدولة ولا يتدخل فيها ؛ وبما ان الدولة العراقية المعاصرة قائمة على اسس الحياة المدنية وحقوق الانسان والقيم الديمقراطية , والتي تسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم السياسية والثقافية ؛ وتعتبر تلك السلوكيات والتصرفات من الحقوق الانسانية والحريات العامة التي كفلها الدستور ؛ يجب ان لا تتعارض القوانين الاتحادية والمحلية والاجراءات الحكومية مع ما سبق ؛ بل تشرع القوانين واللوائح التي تعزز من حقوق الانسان وتضمن الحريات العامة والخاصة ؛ وتعمل بالإجراءات القانونية التي تحارب الدكتاتورية والتعصب والطائفية وتروج للأجواء المدنية والديمقراطية  .

ولعل سائل يسأل اين تكمن مصلحة العراق والعراقيين في تسليم شخصية سياسية اعلامية مؤثرة  تطالب برجوع الكويت الى العراق وتشجب التمدد الكويتي على الاراضي والمياه العراقية , وتستنكر التطاول الكويتي على العراقيين , ولمن تسلمه للكويت التي عرفت بمواقفها العدائية تجاه العراق والاغلبية والامة العراقية منذ نشأتها واقتطاعها من العراق وعلى ايدي الخبثاء الانكليز ؛ هل ستقوم الكويت مقابل تلك التنازلات العراقية بإيقاف ميناء مبارك او العودة الى حدودها القديمة او تسليمها المطلوبين للقضاء العراقي … الخ ؛ كل شيء من ذلك لا يحصل ؛ والمهزلة الكبرى ان الكويت مستمرة بالترويج الاعلامي الحاقد والذي يستهدف العراق والعراقيين والعملية السياسية ورموزها ؛ ومن هذه الحالات الكثيرة , سأذكر لكم حالة واحدة فقط , اذ أقامت الحكومة العراقية، دعوى قضائية بحق الإعلامية الكويتية فجر السعيد، بعد اتهامات باطلة سوقتها ضد العراق ورئيس الوزراء العراقي ؛ علما ان هذه المنكوسة معروفة بتصريحاتها ومواقفها المعادية للعراق والاغلبية والامة العراقية , وقبل ايام معدودة عزفت في بيتها الاناشيد البعثية والصدامية في مغازلة منها لمعارضي العملية السياسية في العراق من ايتام البعث وازلام النظام ؛ وردت المدعوة فجر السعيد على هذه الدعوى القضائية مستهزئة : ((ا أعلم إذا السيد السوداني سيبقى في منصبه أم سيغادره قبل أن تنتهي القضية اللي رافعها علي ما بين نيابة وتحقيقات ثم تحول للمحكمة وتحدد جلسة درجة أولى ثم يليها جلسة استئناف ثم يليه جلسة تمييز … ؛ معالي الرئيس ما يضايقك من صوت خارج نطاق دولتك اذا استقبل معارضين لسياستك … ؛ لسياسي الواثق من نفسه يفتح الحريات في بلده مو يحاول يصادرها خارج بلده … ))

بينما جرى تسليم المعارض السياسي سلمان الخالدي خلال ساعات معدودة , ومن دون تواصل الانتربول العراقي مع الانتربول الدولي ؛ فالانتربول  العراقي توجد لديه مكاتب ومراسلات خاصة وتسليم المتهمين يتم بطرق محددة , علما ان السيد السوداني وفي وقت سابق أمربفتح مكاتب للانتربول في جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، حيث تتواجد هذه المكاتب في جميع المطارات العراقية والعمل فيها الكتروني من خلال تدقيق كافة الجوازات داخل العراق او في الخارج بالتنسيق مع جهاز المخابرات … ؛ وكذلك لم يتم مفاتحة وزارة الخارجية او السفارة البريطانية في بغداد , والعجيب في الامر تخبط محافظ البصرة , فما علاقة محافظ محلي بهذه الشؤون الخارجية , واين كان رئيس الانتربول العراقي , ومتى اصدر القضاء العراقي أمرا بإلقاء القبض على الخالدي , ولماذا لم يتم القاء القبض عليه حين دخل مطار بغداد عندما جاء من بريطانيا ان كان على لائحة المطلوبين الدوليين , وهل تسليم المجرمين الى الدول الاخرى يشترط فيه حضور وزير الداخلية او الخارجية او محافظ البصرة , واذا كان المطلوب مجنونا كما يدعي محافظ البصرة فلماذا كل هذه الحمايات من مجلس محافظة البصرة ؛ هل الانتربول العراقي عاجز عن حماية مجنون , ولماذا تذهب انت وبأية صفة وظيفية تخصصية وتسلمه لوزير الداخلية الكويتي وتلتقط الصور معه وتضيف تلك الصور الى قائمة انجازاتك الوطنية والانسانية ؛ لأول مرة ارى مجنونا تافها ينتظره وزير الداخلية بنفسه  ومن ابناء العائلة الحاكمة …؟!

مما لاشك فيه ان هذا الاجراء والاجراءات المماثلة السابقة الاخرى ؛ تعمل على اضعاف السياحة وابعاد السياح عن العراق بعد انتعاشها في الاونة الاخيرة , وترسل رسائل سلبية للعالم , حيث ان دول العالم المتحضرة تتباهى بكونها امنة ويأمن فيها السياح  والاجانب والزوار ولا احد منهم يتعرض للأذى او الضرر  بسبب آرائه السياسية او معتقداته الدينية ؛ بينما تقوم الحكومة العراقية والتي تنتهج النهج الديمقراطي وتؤمن بالحريات , واغلب عناصرها من الذين قارعوا السلطة الدكتاتورية ورفضوا سياسات تكميم الافواه وخنق الاصوات والتضييق على الحريات , وجابوا البلدان كمعارضة ولم تقم الدول التي لجئوا اليها بتسليمهم لنظام صدام ؛ بتسليم المعارضين السياسيين للأنظمة العربية الحاقدة والسلطات القمعية ؟!

يمثل هذا الاجراء التعسفي خطأ فادح ارتكب بحق العراق قبل ان يرتكب بحق هذا الشاب المسكين ؛ وتعد هذه الخطوة الساذجة سقطة كبيرة وقعت فيها الحكومة العراقية و لا يمكن تلافيها مستقبلا ، فالعراق الان بلد غير آمن سياحيا خاصة للذين لديهم مشاكل سياسية في بلدانهم ؛ وستبقى صورة تسليم الخالدي ومن قبله المواطن الشيعي البحريني صورة سيئة وعالقة في الأذهان ولفترة طويلة ؛ وبعد الذي جرى من يا ترى من المعارضين السياسيين والشخصيات الحرة تستطيع التقدم بطلب اللجوء الى العراق ومن يحميها من بطش السلطات القمعية والبوليسية والمافيات الفاسدة …؟

‏الى متى تستمر ظاهرة التملق السياسي للخليج ولاسيما الكويت ؛ من قبل بعض الامعات والدونية والمنكوسين والفاسدين والمشبوهين والمهجنين ومجهولي الاصل والهوية وفاقدي الشرف والانتماء ؛ والى متى تستمر ظاهرة تداخل الادوار وتعدد الصلاحيات وعدم الالتزام الحرفي بالحدود والمهام الوظيفية للساسة والمسؤولين العراقيين ؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات