23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

يجب ان نطل على مجريات الاحداث في الانبار من ضفتين مختلفتين، ضفة الذين يرون ان تعاضد الجيش والحشد الشعبي ورجال العشائر ضروري لتحرير المحافظة من قبضة تنظيم داعش، وضفة الذين يرون ان ليس ثمة فرق بين تنظيم داعش وقوات الحشد الشعبي، بل ان بعض هذا البعض يرى ان خطر تنظيم داعش أقل وطأة من خطر الحشد الشعبي. مشهدان متناقضان، غير ان الاطلالة عليهما بمنتهى الاهمية، اذا اردنا، كعراقيين، ان نحسن قياس ما جرى لنا وما قد يجري.

ودون الدخول في محاكمة النوايا، علينا ان نتعامل مع الضفتين بجدية. الضفة الاولى التي تضفي صفة الملائكة على الحشد الشعبي، والضفة التي تضفي عليه صفة الشياطين. تعالوا لنتابع معا الفضائيات العربية والعراقية التي تغذي المواقف وفقا للمرجعيات السياسية الاقليمية التي ترتهن اليها الضفتان. القنوات الممولة من السعودية وقطر وتلك المدعومة من تركيا تظهر مقاتلي الحشد الشعبي، عبر أخبارها وتقاريرها، وكأنهم حفنة من القتلة واللصوص، فيما تظهرهم القنوات الممولة من ايران وتلك التابعة للاحزاب الشيعية وكأنهم ملائكة هبطوا من السماء. انه خطاب الاستقطاب الذي يلتزمه العراقيون من الضفتين علنا، أكثر من التزام الدول التي تتبنى هذا الخطاب وان كان سرا.

الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى عراقية أيضا، فيما الدول الاقليمية المنشغلة بالصراع على النفوذ بمنأى عن هذه الخسائر. مقاتلو الحشد ليسوا شياطين، لكنهم ليسوا ملائكة أيضا. دعونا نغادر التعميم نحو تفكيك التوصيفات. أكثر من خمسين فصيلا تحت خيمة الحشد الشعبي. بعضها مؤسسة على الانضباط والالتزام بتعليمات قياداتها العليا، وهذا البعض لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكن عشرات الفصائل التي ظهرت بعد اعلان تشكيل الحشد تكاد ان تكون دكاكين للمتاجرة باسم الحشد، إن على مستوى الرواتب والامتيازات، حيث تستشري هنا بشكل واضح ظاهرة المقاتلين “الفضائيين”، أو على مستوى أعمال النهب التي طالت بعض المناطق المحررة في صلاح الدين والتي تضخمت إعلاميا الى درجة عززت موقف الساعين الى “شيطنة” الحشد الشعبي من دون تمييز بين فصائله التي تقاتل دفاعا عن العراق، وتلك التي تقاتل للحصول على المغانم.

بالمقابل، هناك من لا يريد الاعتراف بتلك التجاوزات دون النظر الى الجهات التي قامت بها، وهي في مجملها بعيدة عن الفصائل الكبيرة. لست هنا بصدد تزكية هذه الفصائل أو الدفاع

عنها، لكنها أثبتت ومن خلال المتابعة الميدانية، انها على درجة من الانضباط ساعدتها في تحقيق الانتصارات بمواجهة تنظيم داعش.

ثمة حلول لهذا التناقض في الموقفين، وهو إدماج الفصائل المتناثرة في هيكلية الفصائل الكبيرة لتسهيل عملية متابعتها والسيطرة عليها تنظيميا وقتاليا، بالتزامن مع فتح حوار جاد مع المتحفظين على مشاركة الحشد في المعارك الدائرة بهدف طمأنتهم وقطع الطريق على المواقف الاقليمية التي تهدف الى إبقاء العراق في عين العاصمة الداعشية.

أيها السادة: العراق هو قلب الشرق الأوسط، الكبير منه أو الجديد، لكنه قلب يراد له ان يكف عن الخفقان طالما بقيت النخب السياسية مرتهنة الى مرجعياتها الاقليمية، وبكلام آخر، طالما استمر الاصرار على العطب في الدماغ السياسي الذي يقود البلد عبر مؤسساته المختلفة.

[email protected]