في حقبة البعث السوداء، إبان حرب 2003، كانت مقولة” ألا أنطي العراق تراب” ترتسم على وجوهنِا هالات من الكآبة، بعد إن أعلن الظلام عتمته الطويلة، وخيم الدخان الأسود سماء الوطن، وأخذ الموت يتربص لنا، ونحن تحت سقوفٍ، قد تقع على رؤوسنا في أيِ لحظة؛ لا تغيب عن أفواهنا؛ تمتمات أدعية تؤمنا في مواقف الخوف من المجهول، وتكون ملجأً للنفوس حتى تهدأ.
إطمأنت القلوب بعد زوال كابوس البعث الأسود، ولم نعد نسمع تلك المقولة، رغم الحُطام الذي خلفته الحرب، ولوحنا لوداعنا الأخير للأحبة الذين فارقوا الحياة، ليحزنوا علينا تحت التراب، ونحن أحياء، بعد إن فُتحت علينا أبواب جهنم الحمراء، والعراق تراب..!
لسخرية القدر؛ توارثنا شظف العيش من أجدادنا، يوم كانوا يحملون الصخور على أكتافهم، لتشييد برج بابل، دون شفقةٍ من سياط نمرود، لينتهي مطاف العذاب، ونحن في نار جهنم، بعد إن فتح أبوابها الرئيس، وحرق الأخضر واليابس.
منذ فجر الخليقة، وأبواب جهنم مفتوحة على مصراعيها، لإستبدادية الحُكام، وتشبثهم بالسلطة، حتى البعض منهم، جعل من نفسه إلهاً يُعبد، ومن عصاه، فمصيره النار، لِتتلاحق مأساة الحكام المزيفين، ويبقى أحفاد البابليون في صنع الألهة، لتنقلب عليهم فيما بعد.
في كل صناعة إله، لطالما يدفع” المكَاريد” الثمن، فتجدهم قرابين أبديين لشهوة القائد الإله؛ فلا أحد يتجرأ، أن يزحزحه عن كرسيه الأبدي في الحكم، وإن فعل، ستحرق الأرض، ويموت كل من فيها، وتأتي الساعة، لتفتح أبواب جهنم على المتآمرين الذين زحزحوا الإله عن حكمه..!
لازلنا في عبودية الأشخاص، فربما كلمة واحدة تدلي بنا بزحلوفة النسيان الى قاع النفي، والديقراطية الجديدة، واالدخيلة على مجتمعنا؛ لم تعد سوى مفهوم على ورق، ولعبة السلطة؛ تتطلب شراء الذمم، وسفك الدماء، حتى يُعبد الحاكم؛ فأي حقٍ دستوري، وعن أي إستحقاق، وكل شي قد أُبيع بثمن، ونصب وإحتيال، ومن لم يخضع؛ فجهنم تتوعد بحرقِ جسده!
بين وعد ذلك الصنم” ألا أنطي العراق تراب” والوعد الجديد” ستُفتح أبواب جهنم” لايوجد إختلاف قيد شعرة بينهما، مناسبة كلا منهما واحدة؛ شعورٌ بِفقدان السلطة، والأخيرة الحياة بالنسبةِ لهم، وها نحن نعيش الوعدين، في التراب، وجهنم ما حولنا..!