كل العرب مدينون- بحقل أو ميدان من ميادين او حقول المعرفة والفكر والثقافة- للمسيحيين بل ان العالم كله مدين للمسيحيين السريان والاشوريين والكلدان الذين وضعوا فلسفة وعلوم الحضارة الاغريقية بين يدي الغرب بعد ان ترجموها عن اللغة اليونانية، ومن اللغة العربية ترجمة الى اللغات العالمية الاخرى، ومنها وعليها شادت أوربا نهضتها الحديثة، حركات التحرر القومية والوطنية في لبنان وسوريا تأسست على ايديهم وابطالها خلدهم التاريخ العربي قديمه وحاضره، ومعظم التراجم الحديثة المتداولة، اساس الانطلاقة الصحفية والفنية في العراق والدول العربية صنع ايديهم وبنات افكارهم وثمرة جهودهم ومن ينكر روادها الافذاذ: يوسف غنيمة، وجبرا ابراهيم جبرا وروفائيل بطي واولاده وتوفيق سمعان وجبران ملكون، وغيرهم. اكثر الحرف والمهن الطبية والصناعية والتجارية يعود اساسها وممارستها لهم… اذن كيف تتخيلون صورة عالم عربي من دون مسيحيين، وما هو شكل عراق خال منهم؟!. الحملات الاخيرة بكل ما كشفت عنه من جرم وتأمر ضد المسيحيين افرحت الصهاينة واثارت شماتتهم وراح بعض ساستهم وقادتهم يصرحون علنا: الحمد لله أننا انقذنا اليهود من ايدي العرب والاّ لاّبادوهم كما يفعلون اليوم بالنصارى!.
ترى من يقف وراء المؤامرة الكببرى التي تسعى لافراغ العراق من مكونه الاصيل؟
وهل ستمتد اصابع وخيوط هذه المؤامرة لتشمل خارطة العالم العربي بطولها وعرضها؟
المنفذون شخصوا، والممولون حددوا، والداعمون عرفوا. والجميع لايجرؤون على تسمية الاشياء بمسمياتها. اكثر من خمسين كنيسة تعرضت للاعتداء تفجيراً او اقتحاما مسلحا في مناطق متفرقة من العراق واكثرها في الموصل وبغداد. اكثر من عشرين رجل دين مسيحي من مختلف الدرجات اغتيلوا او اختطفوا، اعداد كبيرة استشهدوا فرادى او جماعات خلال ادائهم الصلاة في الكنائس، ومئات العوائل هجرت وهاجرت خوفا او تحت تهديد السلاح الى دول الشتات او كردستان العراق.
لم تقف حدود الجريمة عند كنيسة سيدة النجاة، المسلسل مستمر وفي هذه المرة توجه التهديدات الى عوائل في بغداد والموصل خاصة الامر الذي دفع اكثر العوائل المسيحية الى الهجرة التي لا بديل عنها.ماجرى ويجري للمسيحيين في الموصل بعد دخول دواعش الاجرام اكبرمن ان يوصف .العجيب ان الدول الكبرى التي افتضح امر تأسيسها للقاعدة وداعش وتسليحها وتمويلها وارسالها للعراق وسوريا – وبدل ان تنقذ الموقف وتكف دعمها للارهاب – تدعوا المسيحيين للهجرة !.
لم يعد الشجب والتنديد والاستنكار مجدياً ولم تعد المؤتمرات الخطابية والتضامنية حلا. وحتى دعوات الترحيب من قبل بعض الدول الاوربية ليست علاجا. بعض الدعوات الاخيرة اقترحت اقامة محافظة خاصة بالمسيحيين ودعوات غيرها اقترحت انشاء محميات في اماكن متفرقة من العراق خاصة بالمسيحيين!. وانا العبد الفقير الى الله ارفض هذه وتلك وذلك وادعو الى تفجير واطلاق حملة عالمية جادة يشارك فيها الجميع: حكومة وحركات وهيئات ومؤسسات واحزاب وجمعيات حقوق الانسان ومنظمات مجتمع مدني ورجال دين ومساجد وحسينيات وكنائس ومعابد ووسائل اعلام وكل من موقعه وبطريقته واسلوبه، حملة جادة صادقة ملحة لغرض اعادة جميع المسيحيين العراقيين الى وطنهم الام واعادة حقوقهم المسلوبة ومساكنهم وممتلكاتهم وتهيئة ظروف العيش اللائق بهم، على ان تشمل هذه الدعوة والحقوق حتى من هاجر قبل الف عام، فبعودتهم يعيدون توازن وجودهم بما يضيفونه من اعداد جديدة تناقصت بفعل الهجرة الاخيرة حتى وصل العدد المتبقي بحدود”250مائتين وخمسين الف عائلة” الامر الذي ينذر بكارثة وطنية فضيعة اذا استمر نزوح وهجرة المسيحيين على هذه المتوالية.
واذا كان المسيحيون قد خسروا او سيخسرون ممتلكاتهم وجذور ابائهم واجدادهم مجبرين مرغمين منتزعين- فهناك من يحتضنهم ويقبل اياديهم المخلصة المنتجة المبدعة الخلاقة – فان العرب والعراقيين خاصة سيخسرون حاضرهم ومستقبلهم ويعودون القهقرى الى ظلام الكهوف راضين مختارين. وهذا هو الخسران المبين والضلال البعيد. واذا كان الارهابيون قد اعلنوها حربا ضروساً على المسيحيين- حسب ما اعلنته وتعلنه مواقعهم المشبوهة ونفذه برابرتهم المتوحشون – فأن الدفاع عن المسيحيين صار فرضاً شرعياً مقدساً قبل ان يكون واجباً وطنياً مقدساً.