18 ديسمبر، 2024 7:19 م

مكمن العدالة ضمير الإنسان في كل ميدان

مكمن العدالة ضمير الإنسان في كل ميدان

أذكر أنني نشرت في منتصف التسعينيات مقالاً طرحت فيه تساؤلاً حول إمكان إحلال الآلة محل الإنسان في كل مجال أو عدم إمكان ذلك ، وضربت مثالاً عن مدى إمكان حلول الحاسوب محل القاضي في تحديد القرار المناسب في المنازعة القضائية بعد تغذية هذا الحاسوب بالمعلومات الضرورية من وقائع وأدلة إثبات ودفوع ونصوص قانونية، وذلك عبر برنامج ألكتروني يتم تصميمه لهذا الغرض ؛ وخلصت إلى استحالة تحقيق ذلك رغم ما يفترض في الآلة من الحياد وغياب الميل والتعاطف مع طرف ما لهذا السبب أو ذاك ، لأن العدالة حس إنساني لا ينبض إلا في ضمير يحمل الإيمان والنبل والنزاهة وحب الخير ويرفض الباطل والظلم .
اليوم يعود بي التفكير في هذا الموضوع ولكن في ميدان الرياضة بعد أن صار قانون لعبة كرة القدم يجيز لقاضي المباراة ( الحكم ) الإستعانة بما يعرف بتقنية الفار (VAR) بالرجوع إلى تسجيل صوري لحدث يقع في المباراة كالتأكد من ارتكاب خطأ يحتمل أن يكون سبباً لمنح ضربة جزاء أو التحقق من سلوك لاعب أو تحديد صحة هدف أو عدم صحته ، هذه التقنية التي نشهد توسّعاً في استخدامها، حيث صرنا نجد حكام غرفة الفار يتصلون بالحكم للفت انتباهه إلى هذا الأمرأو ذاك على نحوٍ كثيراً ما يؤثر في قراره، معتمدين على ما يظهر لهم على شاشة الفار ؛كما صرنا نشهد جدلاً واسعاً بشأن نتائج بعض المباريات، فنجد البعض يطعن في استنتاج الحكم المبني على تفسير ما يشاهده على الشاشة أو إغراقه في العودة إلى الفار أو إحجامه عن العودة إليه في حالات تكون فيها هذه العودة ضرورية ؛ وكل هذا يشير إلى أن هذه التقنية المتطورة لم تأتِ بحل سحري يتفادى أخطاء الحكّام ، لا بل إننا أخذنا نجد أصواتاً تنسب أخطاءً جسيمة في النتائج سببها الفار والمشرفون عليه، متهمة بعض الحكام بعدم الحياد وانحيازهم إلى فريق دون آخر وتبرير هذا الإنحياز بادعاء كون الفار أساساً لقراراتهم الخاطئة !.
في ظل هذا تتأكد حقيقة أن العدالة حس إنساني قبل كل شئ ؛ فسواء استمرت الإستعانة بمعطيات العلم الحديث عند التحكيم أو لم تستمر فإن الضمانة الأساسية لها تظل أولاً وأخيراً في الضمير الإنساني وأن الإعداد العلمي والمهني والأخلاقي لحكام المباريات هو الأساس مثلما هو الأساس في إعداد قضاة المحاكم على اختلاف اختصاصاتها ودرجاتها