22 ديسمبر، 2024 2:03 م

مكسيم غوركي— الام وكلمات اخرى

مكسيم غوركي— الام وكلمات اخرى

مكسيم غوركي

لاح اسمه لي حين كنت اطالع عناوين الكتب في مكتبة صديقي (ابو جلال) الذي تربطني به علاقة صداقة امتدت لعدة عقود من الزمان .

مكسيم غوركي …كاتب عرفته في صباي من خلال قراءتي لروايته (الام) كنت اذ ذاك مجرد طالب في المرحلة المتوسطة وقد اعجبت ايما اعجاب بتلك الرواية  لاسيما شخصية (الام بيلاجيا) تلك المرأة التي عاشت سنوات القهر والعوز والتعسف والحرمان والتي لم تحصل على ادنى مستوى من التعليم فهي امية لا تجيد القراءة والكتابة ولم تطلع على اي قانون وربما لا تعرف معنى  الدولة او المسؤولية او الحقوق او الواجبات والتي تحولت الى شخصية اخرى تحمل مسؤولية قضية اجتماعية وسياسية وعرضت نفسها لأشد الاخطار حين آمنت بأنها يمكن ان تساهم بما يحقق اهدافا ليست شخصية وانما اهدافا عامة ولمصلحة الطبقة التي تنتمي اليها معرضة نفسها الى ما لا تحمد عقباه من اعتقال او سجن وربما الحكم بالموت فما فعلته كان يعتبر جرما خطيرا في ذلك العهد.

لهذا ظل مكسيم غوركي كاتبا متميزا اتناول كتبه واقرأها بشغف.

نبذة عن الرواية

تدور احداث هذه الرواية عن بدايات شيوع  الفكر الاشتراكي في روسيا في الربع الاخير من القرن التاسع عشر لحماية الطبقة العاملة وتعتبر الرواية احدى اشهر اعمال الاديب الروسي مكسيم غوركي وكما ذكرت سابقا تتناول الرواية شخصية (الام بيلاجيا) وهي امرأة غير متعلمة ولهذا اعتبرت لاحقا كنموذج لرواية الواقعية الاشتراكية وهي عمل رائد للواقعية الاجتماعية الروسية وتستند بشكل بشكل فضفاض الى احداث عشية ثورة (1905)والشخصية الرئيسية في الرواية والتي هي ايضا عنوان  الرواية  هي شخصية(الام بيلاجيا) التي طالت معاناتها.

وبدأ التغيير بعد ان تعَّلم  ابنها( بافل )القراءة وأصبح رفيقا مخلصا للاشتراكية الثورية ليس هذا فحسب بل انه عمل على نشرها بين عمال المصانع في قريته .

قبل ذلك كانت الام بيلاجيا تعيش حياة بائسة وغير واعية مقهورة تحت سطوة الزوج القاسي وهنا غوركي يرمز للبروليتارياالمضطهدة وغير المتعلمة .

كان لصحوة ابنها (بافل) وتعلمه وارتباطه بالاشتراكية سببا لتغيير حياتهما كما ذكرت سابقا إذ اصبح كوخ الطبقة العاملة المستأجرة مركزا نشطا للنشاط الثورى .

ليس هذا فحسب بل ان الدائرة تتسع لتشمل ثوارا آخرين بما في ذلك (ناتاشا) و(ساشا)الذين يتركون خلفياتهم الميسورة للانضمام الى القضية .

من خلال الرواية نرى ان ناتاشا ترفض والدها الثري المكروه كما ان

(ساشا ) التي تقع في حب بافل تقضي وقتا في السجن وتدخل في اضراب عن الطعام احتجاجا على اهانة وجهها لها أحد الضباط يوصف والد( ساشا )ايضا بعبارات سلبية قائلا :أنه “لص”الفلاحين.

صديق بافل المقرب (اندريه ) والذي ستحبه الام وتعامله كأنه ولدها والذي تتم دعوته للعيش مع العائلة عندما يقرر المصنع فرض ضريبة كوبيك واحدة على العمال لتمويل تصريف المستنقع الذي ينتشر فيه البعوض بالمصنع .

يقود بافل احتجاج العمال ويسجن فيتقبل هذا الامر بصبر وجلد .

في هذه المرحلة تقوم (الام بيلاجيا) بتهريب المنشورات الاشتراكية الى المصنع بشحنات طعامها حتى لا تتوقف المنشورات  والتي كان يقع القاء اللوم على

(بافل )بنشرها وتوزيعها والتي بسببها تم القاءه بالسجن وهنا لا يجد المسؤولون بدا من اطلاق سراحه .

يقوم (بافل) بحمل اللافتة في مظاهرة عيد العمال وهو على رأس الثوار رغم تحفظ امه وساشا فيتم القاء القبض على بافل واندريه.

في هذا الوقت كان الثوار قد اغتالوا العديد من القياصرة  ومع ذلك تواصل الام عملها الثوري مع رفاق آخرين  بينما ابنها(بافل) ينتظر محاكمته

اثناء المحاكمة القى بافل خطابا حماسيا قال فيه: (ان الثورة البروليتاريه حتمية وأن رفاقه الاشتراكيين عداء لا هوادة فيها للقضاة والنظام الاجتماعي الحالي الذي يمثلونه  .

يقول بافل: انه لا يمكن المصالحة معهم .

لهذا تقرر المحكمة ارساله الى المنفى في سيبيريا.

هكذا تنتهي رواية الام

هكذا صور  مكسيم غوركي الام بيلاجيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في روسيا التي شهدت الثورة البلشفية ونهاية حكم القياصرة وبداية حكم البروليتاريا ( الطبقة العملة).

مواقف الامهات في كل زمان ومكان تجسد امثلة خالدة للتضحية والصبر والجلد والايثار بل والبطولة  فما زلت اذكر موقف جدتي التي تلقت نبأ استشهاد خالي وكذلك موقف والدتي حين سجن اخي وهناك المئات والالاف من الامهات وقفن بكل صلابة في وجه الجبروت والطغيان ولم تنحني تلك القامات الشامخة انحناءة ذل ولم تمد يد العطف او الاستعطاف لنيل عفو او صفح  عن عمل تعتبره الام مقدسا ويعتبره الجبروت اثما وجرما عظيم .  

قال لي يحدثني عن امه :

لقد كانت فترة عصيبة  سافرت فيها امي الى اهلها, الى بلد تعتبره الدولة بلد عدو وكانت الحرب قائمة على اشدها سافرت وتركتنا نحن صغار.

كانت سفرتها غير رسمية اي انها سافرت بطريقة (تهريب) وبهذا فهي كانت معرضة للموت في كل لحظة اثناء تلك السفرة ولكن الله سلم على كل حال  لكنها حين عادت الينا كانت تتوجس نهارها وليلها مخافة ان يكون احد ما قد عرف بالأمر واخبر عنه وهي كانت تجمعنا في فناء الدار وتقول :

لو دخلوا علي واردوا اصطحابي الى المحكمة فلا تخافوا ولا يظهر عليكم الحزن او البكاء بل قولوا لهم اننا لانعرف هذه المرأة  لقد دخلت علينا الدار ونحن لانعرفها!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

انها توصية مؤلمة مؤلمة جدا ان تطلب اما الى اطفالها ان ينكرونها  هي لم تفعل ذلك حبا بنفسها ولكن رغبتها الأكيدة ومطلبها الوحيد هو حماية الاطفال

اجل حماية الاطفال من سطوة الجبروت

الا لعنت الحرب في كل زمان ومكان

هنا اتوقف عن الكتابة وان شاء الله تعالى لنا لقاء آخر نتحدث فيه عن كاتب الرواية مكسيم غوركي.