في مدينة بغداد وفي مستشفى للولادة، جاء الى الحياة طفلان، وضعا في الخدج، الطبيب المناوب بمفرده، وهي العادة التي درجت عليها المستشفيات في الآونة الاخيرة، النساء موضوعات في قاعات بوضعية مزرية، وجهاز التنفس بمفرده يدور على الردهات، من الصدفة ان الطفلان يحتاجان اليه، اي جهاز التنفس، وكانت عملية مناوبته بينهما عملية صعبة ومرهقة، وكان على الطبيب ان يحكم على احد الطفلين بالحياة، ويحكم على الآخر بالموت، هذه حياة الصدفة في العراق، وموت الصدفة فيه، كم من المرات فقدنا احبة بالصدفة العمياء، كان جهاز التنفس لايعمل، ونحن وضعناه على انف وفم المريض، ولم يكن اي طبيب في الجوار، هي صدفة ايضا من صدف الموت والحياة، نموت صدفة ونحيا صدفة، طالبان وقفا معا لشرب العصير، مات احدهما في الانفجار وعاش الآخر، شاعران اختطا الطريق معا منذ اول قصيدة، اثرى احدهما وافتقر الآخر.
هذا فقط في العراق يحدث، الموت بالصدفة والحياة بالصدفة، لم يكن من اصحاب الشهادات الدنيا ولا العليا، لكنه اصبح نائبا بالصدفة، وسيصبح رئيس وزراء بالصدفة ايضا، اختلف الكرد على شخصية رئيس الجمهورية، فاصبح معصوم رئيسا بالصدفة، واختلف الشيعة على شخصية رئيس الوزراء، فصار العبادي رئيس وزراء بالصدفة، فالاصوات لاتؤهله لهذا المنصب، واختلف السنة فصار الجبوري رئيسا للبرلمان بالصدفة، رئيس الجمهورية يتصرف وكأنه رئيس الوزراء، حيث يحرك القطعات ويأمر فلان بتدريب جيش لتحرير الموصل، ورئيس الوزراء يفتت الجيش بحجة الفضائيين، وسيفتت جميع الوزارات بحسب خطة مرسومة، يريد ان يعيد عقارب الوقت الى 2003، وهذا من المستحيلات، اما رئيس البرلمان فهو يدور في فلك المحافظات السنية، وكانه جاء لهم فقط.
كل هذا يجري بالصدفة، لم يكن يدور بخلد اميركا انها تطيح بصدام بتلك السرعة، ولكن صدام وقع بالصدفة، لان الجيش العراقي هرب من المواجهة، الجيش العقائدي الذي يتحدث عنه البعض باعتزاز، كانت اميركا تريد ان تضرب صدام ( سطره بسيطة)، لكن الجيش قلب موازين الامور وهرب، ووجدت اميركا نفسها امام خيار واحد وهو الاحتلال، واستقبلت الشيعة القادمين من ايران على مضض،بعد ان لمست ان غيرهم غير متحمس للحكم، وهو مشغول بقضية ازاحة صدام، ويتأمل
عودته بطريقة ما، وينتظر البيانات العسكرية والخطب التي يبعثها صدام بين آونة واخرى، وهذا الغير مشغول بالصدفة العمياء التي جعلت اميركا تفعل فعل 2003 والتي امتنعت عنه في 1991، كل هذا ونتيجة للتضحيات الكبيرة، صار للشيعة القدح المعلى في تلك المرحلة، فنفشت ريشهم المفاجأة، بعضهم لم يحمل الامر على محمل الجد، فابتعد وعاد الى ايران، او سواها، والبعض الآخر غاص في وحل التجربة، وهو يعلم ان اميركا كانت تريد اتجاها آخر.
كل شيء يجري بالصدفة والبخت، ومكرود يلمالك بخت، حتى ان احد الشعراء اجلس هذا الذي لايمتلك ( بخت) على التخت، ربما اضطرته الصدفة او القافية ، حيث قال: (عيش ابخت، وامشي ابّخت… واحجي ابّخت، مكرود يلمالك بختْ، تركض وتتعب عالولف، تاليها تكعد علتختْ)، هذا البخت هو كل ماجرى ابان سقوط صدام، وليس سواه، لم يكن لدينا ولاجيفارا واحد، كانت اضغاث احلام، ادعى بعدها المدعون، وظهر لنا اناس لم نسمع بهم من قبل، كان فؤاد سالم يسمعنا صوته، ويذم صدام ونظامه، ومع هذا لم يكن لهذا المطرب بخت، حيث عاش غريبا ومات غريبا، ومكرود يلمالك بختْ.