18 ديسمبر، 2024 8:02 م

عندما تشعر بوجود عرقلة مقصودة خلال مراجعة لدائرة حكومية، يهمس في إذنك أحد المتبرعين بفعل ” الخير” ويقول : إدفع، وحتى لا يذهب بالك الى تهدئة النفس وترويضها على الصبر وعدم الإنفعال بردود تؤزم الموقف بناءً على الخزين الفكري ” إدفع بالتي هي أحسن”، فإنه يردفها بعبارة معاصرة مثل ” ورّق”، و” إدهن السير”، و ” حرك اللي بجيبك”، ولعله يدلك على مسالك هذا الطريق لإنجاز معاملتك الأصولية في وقت مختصر ومن دون ” مذلة”.وهكذا يبدو أمامك طريقان، الدفع أو الإنتظار، ونتيجة لذلك ستكون مخيراً بين مسالك مفتوحة، أو إجراءات روتينية رتيبة، لكنها تفرض عليك بإسم القانون، والضوابط والتعليمات، حتى تغلق بوجهك أية محاولة للإعتراض أو الإنتفاض السلمي إزاء تأخر إنجاز معاملتك لأسابيع وشهور عدة.لاشك أن بعض الإجراءات الإدارية لم تزل تخضع لقوانين تحتاج الى تعديل أو تبديل، لكن لايمكن أن نحمل القانون كل السلبيات التي ترافق العمل الإداري، حتى ظهر الفساد في المؤسسات الحكومية واستشرى الى حد أن يقول قائلهم : إشتري راحتك !! .. وهو يعني بذلك إستخدم الوسائل المتاحة لصالحك مقابل ثمن.التعميم ليس صحيحاً على الدوام، إنصافاً للموظف النزيه، لكن سلطة الفساد الموجودة في كل مؤسسة، قادرة على تحجيم هذا الموظف والإضرار به، لأننا في مواجهة غير متكافئة بالمرة، بعد أن رسخ المفسدون أقدامهم وأصبح لديهم اليد الطولى في مؤسساتهم، ومن هنا أمام الموظف النزيه خياران إما السكوت، وإما الرضوخ والإنغماس مع المفسدين وتقاسم حصته معهم.من غير المنطقي ولا المعقول أن أعلن الحرب على المفسدين، من دون أن أعيد النظر بجميع الإجراءات الإدارية التي تعد السبب في تفشي الفساد، وبالتالي لابد من ثورة إدارية على الروتين والرتابة والبيروقراطية وجميع الإجراءات التي من شأنها ان تلحق الضرر بالمواطن، إن لم نصفها بالتعسفية.الفساد في العراق متعدد الأوجه، ولا بد من تشكيل غرف عمليات لملاحقته، لكن بعد سد كل الثغرات التي ينفذ من خلالها المفسدون.