يتصاعد الحديث عن الفساد المالي المتفشي في مفاصل الدولة العراقية في مناسبة او غير مناسبة في داخل العراق اوخارجه ويتبارى كتاب المقالات ومتحاورو الفضائيات حول حجم هذا الفساد عارضين أرقاما فلكية تصل الى مليارات الدولارات يتهم بسرقتها أشخاص معروفون أو وهميون وأحزاب مشاركه بالعملية السياسية قد يكون أحد أهم شعاراتها مكافحة الفساد، وبالرغم من ان هناك شي من التوثيق فيما يخص هذه الآفة من قبل منظمة الشفافية الدولية الثي دأبت على وضع العراق منذ تغيير النظام ولحد الآن في أسفل القائمة من حيث التصنيف ازاء الفشل في مكافحة الفساد متنافسا مع دولة او دولتين من دول العالم الثالث يعانيان من فقر وفساد مزمنين، الا ان ردود الجهات الرقابية في العراق لم تكن بالمستوى المطلوب بقليل ما تقدمه من بيانات والتي ان قدمت فيها الكثير من الاستخفاف بذكاء المواطن، حيث تعلن هيئة النزاهة بين الفينة والأخرى عن أرقام هزيلة لا تتناسب مع ما يقال وما ينشر حول هذا الامر وتتبجح بأجراءات قانونية شكلية فيها الكثير من المبالغة بحق بعض المرتشين والسراق الصغار الذين لا تشكل أرقام سرقاتهم عشر معشار ما يتم الحديث عنه وترويجه في أجهزة الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي تاركين الحيتان الكبيرة والقطط السمينة تسرح وتمرح دون أي محاسبة مما يفقد ثقة المواطن بمصداقية هيئة النزاهة والجهات الرقابية الأخرى ويفتح المجال على مصراعيه لأعداء العملية الديمقراطية لأستغلال هذا الضعف الواضح من خلال اطلاق العنان لسيل من الادعاءاث والتقولات الثي يختلط فيها الحابل بالنابل مما يجعل تفنيدها أمر في غاية الصعوبة وخصوصا أنه لا يمكن اغفال الدوافع السياسية والغير مهنية لبعض من هذه المنظمات الدولية التي تعمل تحت ضغط لوبيات عديدة تشكلت في بعض العواصم العربية والغربية هدفها تشويه الحالة الجديدة في العراق وايصال المواطن العراقي الى الوضع الذي يجعله يترحم على النظام السابق.
وعندما يتم الحديث عن الفساد في العراق من المفيد ادراك أن مرحلة ما بعد الدكتاتورية أو ما يصطلح عليها المرحلة الانتقالية الثي يمر بها العراق بكل ما تحمله من أضطراب وتعثر في الأداء العام فضلا عن جسامة التهديد الوجودي الذي يتعرض له العراق من قبل داعش وما يتطلبة ذلك من تركيز الاهتمام وتسخير كل الامكانيات لألحاق الهزيمة النهائيه بهذا التنظيم مما قد يوفر البيئة المناسبة لأنتشار ظاهرة الفساد، كذلك ضعف الهوية الوطنية والتخندق المكوناتي كلها عوامل ساهمت وتساهم في عرقلة استكمال بناء مؤسسات الدولة ومن ضمنها المؤسسات الرقابية على أسس صلبة ومتينة بعيدة عن المحسوبية وقادرة على مواجهة آفات عديدة أصابت المجتمع العراقي وطفت على السطح منذ التغيير ومن ضمنها آفة الفساد، وعلى الرغم من كون الفساد جريمة من الناحية القانونية بما تتضمنه من اعتداء على المال العام ناهيك عن عدم وجود أي مبرر أخلاقي يمكن أن يقوم عليه هذا المسلك الشاذ الا أنه فيما يبدو لا زال يشكل مع آفة الارهاب عنصري تهديد لكيان الدولة العراقية، وربما لا يختلف اثنان ان أحد أهم العوامل التي ساعدت على استفحال وتجذر ظاهرة الفساد المالي هوغياب الارادة والحزم من قبل المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين في مواجهة وكشف الفاسدين وتطبيق القانون بعيدا عن التأثيرات الحزبية آخذين بنظر الاعتبار حجم التحديات التي قد تعترض طريق المتصدين لمعالجة هذا الؤباء.
ومن الاجراءات التي تساعد على خلق بيئة طاردة للفساد هو تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية على كافة الأصعدة وبالخصوص في مؤسسات الدولة بحيث يشعر المواطنون من كافة الخلفيات والانتماءات انهم متساوون أمام القانون كما اكد الدستورعلى ذلك والارتقاء بكفاءة المؤسسات الرقابية والاستفادة من تجارب وخبرات دول مرت بمراحل انتقالية مشابهة أضافة الى مضاعفة الجهود لأقرار التشريعات الهادفة للقضاء على الفساد المقنن الذي شكل رافدا مهما من روافد هدر وتبذير المال العام والذي ظهر بشكل صارخ ومنافي لكل القيم والاعراف الدولية وخاصة في المراحل الاولى لتشكيل النظام الجديد وفي زمن الحكومة السابقة من خلال الاغداق غيرالمحدود على المسؤولين الكبارفي الدولة والبرلمانيين برواتب ومخصصات خيالية فاقت كل التصورات ولاقت أستهجانا وسخرية تخطت حدود العراق وأصبحت تشكل مادة دسمة يتناولها محرروالصحف والكتاب في وسائل الأعلام المحلية والأجنبية بالنقد اللاذع، كل هذا العطاء السخي للمسؤولين الكبار في الدولة في وقت يعاني الكثير من المواطنين من فقر الحال وشظف العيش، الا أن ما اعلن عنه في زمن الحكومة الحالية من تخفيضات في مرتبات المسؤولين ان تم ذلك فعلا من الناحية التنفيذية يجب ألا يكون كرد فعل على انخفاض ايرادات الدولة بسبب انهيار أسعار النفط والمجهود الحربي وانما قبولا والتزاما بمبادئ الانصاف والعدالة وعدم محاباة أية جهة سياسية كما هو الحال في دول العالم المتحضر.