19 ديسمبر، 2024 12:46 ص

مكافحة التطرف المنبري

مكافحة التطرف المنبري

سنوات عشر صعاب مرَّت على العراقيين ، حزينة ودموية ، نمت فيها مفاهيم التطرف الديني وإقصاء الآخر المختلف بالرأي وانخفضت مقابل ذلك دعوات الاعتدال وقبول الرأي آلاخر ، معادلة غريبة دفعنا ثمنها غاليا ، وراح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء العزل طيلة السنوات الماضية .
من حقنا بعد هذه السنوات العشر ، أن نسال من صنع التطرف الديني؟ ، من غذاه؟ من حوله من تطرف نظري إلى تطرف عملي ، من جعل كثيرا من الشباب يهتمون بمشاكل الماضي أكثر من مشاكل الحاضر والمستقبل ؟

لاشك  أنَّ جزءاً  من الإجابة على تلك الاسئلة مرتبطة ببعض خطباء المنابر(من جميع المذاهب )؛  فلهم أثر واضح في  بروز التطرف بين الشباب .

وهو مايجعلنا أن نؤكد أهمية إعادة قراءة الثقافة المنبرية والتدقيق في المعلومات التأريخية التي تقدّم للمتلقي و تثير التفرقة والحقد والضغينة بين النفوس لتسهم في الاقتتال والتحارب ويجعلنا نقترب من حفرة حرب التطرف في الشوارع .

يمكن تعليل التوتر الأمني الخطير في بغداد والمحافظات هذه الأيام بان الخلايا الشبابية الإرهابية تجاوزت مرحلة تلقين التطرف وأبوابه وتجاوزت مرحلة التدريب لتدخل المعركة ضد المدنين العزل .

ولايخفى على المتابع أن التطرف الديني مشكلة حقيقية أمام السلم الأهلي المنشود في العراق ؛ لذلك على المؤسسة الدينية أن تطلق حملة فكرية معتدلة لتصفير التطرف ومكافحته وإقصاء مغذيه عن إمامة الجوامع والمساجد والحسينيات .

فعلى الرغم من ان تحليل قضية الإرهاب في العراق لها أوجه عدة منها: الإقليمي والسياسي، لكن جذورها لاتبتعد عن رجال الدين المتطرفين الذين ركزوا على المختلفات بين المذاهب لا المشتركات عبر فضائيات ومواقع الالكترونية وصحف وإذاعات لايعرف مصادر تمويلها .

لكن مالحل ؟،أو مالذي يفترض أن تقوم به المؤسسات الدينية لتعالج هذه المشكلة التي تعقدت و ستتعقد أكثر وقد تصل الأمور إلى مالا يحمد عقباه لاسامح الله وهو الاقتتال الطائفي بين المواطنين.

الحلول بسيطة وهي بالتأكيد ، لاتتعدى سوى إعادة قراءة الروايات التأريخية والأبتعاد عن تقديم مايسهم في ترسيخ الحقد بين الناس، ومن ثم تجرهم إلى الاقتتال الذي لارابح فيه .

حقيقة أن المؤسسة الدينية امام امتحان صعب ، فعليها الاتّساع والتطور لتفكر بكيفية تطوير الثقافة المنبرية وكيفية استغلال المتلقين لها من خلال ببث ثقافة التسامح والمحبة في المجتمع واحترام القانون ونبذ التطرف ودعم التطور والعمل في هذه البلاد.

لست معنيا هنا بطبيعة الحال بالكيفية التي تستخدمها المؤسسات الدينية لتخريج أئمة الجوامع والمساجد فهذا من شأنها الخاص وهي أدرى به من غيرها ، لكن ماهو يعنينا بوصفنا مواطنين أن تخرج هذه المؤسسة رجال دين يؤمنون بالحوار حلاً وحيداً لفض الخلافات بين المجتمعات والمذاهب والاثنيات والقوميات والمكونات والأحزاب والكتل السياسية لأنهاء مشاكلها.

ومعلوم أن البلاد لاتتطور اذا بقى أهلها يعيشون على الماضي ومشاكله ولايفكرون بالغد الأفضل عبر حل خلافاتهم عن طريق الحوار.

ولايكفي من الخطيب المنبري أن يذكرنا بخلافات السلف الصالح كما يقولون ، ومشاكلهم التي قد تنعكس على أمن المجتمع ويصبح عنصراً مساهماً في تهديد السلم الأهلي ، بل عليه أن يعمل بصدق على بث ثقافة الحوار والتفاهم .

هذه دعوة صادقة للخطباء وأئمة الجوامع والمنبرين لتزويدنا بمعلومات دينية سمحاء في رمضان المبارك والتأكيد على أن من يقدّم  رأيه المخالف ليس بزنديق أو خارج عن الملة ولايتوجب قتله .
دعونا نتفق أن الأختلاف في الرأي والمعتقد والتوجه السياسي والفكري والطائفي لايفسد في الودّ قضية مطلقاً. .