“التاريخ يعيد نفسه”. مقولة خالدة. وحكمة بالغة. عند أهل الفطنة والبصيرة النافذة. يرسمون بها الخطوات. ويختصرون بها المسافات. لتعيش امّم وشعوب. وترفع مظالم وخطوب طالما اهانت كرامة الانسان. وجعلته اقل دركا من الحيوان. يعيش في وطن. ليس بينه وبينه صلة. وينتسب لبلد يابى ان يحمل اسمه.
ذلك. حال السنة في العراق. بلدهم الذي كانوا اول من وضع اساسات الدولة الحديثة فيه مطلع القرن العشرين.
اذ شهد التاريخ الحديث . في العراق صراعا جدليا. إبان تشكيل الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. كان طرفاه. القيادة السياسية والنخب المثقفة آنذاك. التي تبنت انشاء عملية سياسية برعاية بريطانية لتأسيس الدولة. وبين مرجعية دينية كان مقرها النجف وكربلاء. عارضت بشدة أية عملية سياسية في ظل الوجود البريطاني. ونجحت لحد ما في عرقلة مرحلة التاسيس لكن الحكمة السياسية آنذاك عملت وبأسلوب بعيد عن القمع والتنكيل. على استبعاد وإخراج كل من لا يحمل الجنسية العراقية الى خارج البلاد. وفعلا استقرت الامور وتأسست الدولة. التي استمرت بخيرها وشرها. نيفا على الثمانين. ورغم اننا لسنا في معرض التأييد او الرفض. لأفعال الحكومات المتعاقبة. لكن ما يعنينا فعلا. هو نظرية التاسيس وفلسفة التعامل. وفي مطلع القرن الحالي. تعرضت الدولة العراقية الى تدخل امريكي سببه نظام البعث. فانقسم العراقيون ايضا في التعامل مع الواقع الجديد الى فريق يؤيد التعامل السياسي مع الوضع والقوى القادمة القائمة. وفريق رافض ومعارض للوضع بل ومقاوم مقاتل. لكن مع تبادل الأدوار. حيث تبنت مرجعية النجف التعامل السياسي مع الوضع مستفيدة من دروس التاريخ. لتبني دولة وحكومة توفر لها الحماية والاستقرار. وحكم البلاد وبسط النفوذ. وتبنى السنة بغالبهم الرفض والمقاومة. فكان الاستبعاد والعنف والتهجير. مصيرهم. وتلك سنة الحياة فيمن لايستفيدمن حركة التاريخ.
بعض الحركات السنية ادركت الوضع مبكرا. فحاولت ان لا تقع في الفخ. كالحركة الاسلامية في العراق متمثلة بالحزب الاسلامي. وانبرت للعمل السياسي كمن يسبح ضد التيار. فحققت بعض النجاحات. ووقعت بإخفاقات. لا وقت للأخذ والرد فيها الان. وهي طبيعية. في الحقل السياسي.
لكن الأحداث بطبعها تتجدد وتتبدل باستمرار ولابد للمتصدر ان يلاحظ ذلك. ويبني مواقفه على تلك المخرجات.
الوضع العراقي اليوم يمر بانقلاب خطير. قد تتبدل فيه الأدوار ويتبادل فيه الفرقاء اماكنهم. فمن بنى الدولة قبل سنوات في ظل الوجود الامريكي يعارض اليوم نفوذهم. ومن قاتلهم وعارضهم يترقب عودتهم وسيطرتهم على الأوضاع لانه وببساطة فقد كل شيء وخسر كل شيء.
الحزب الاسلامي العراقي. كفصيل مؤيد للعمل السياسي ومنذ التواجد الامريكي في 2003 تبدو فرصته جيدة من الناحية النظرية فهو يمتلك مشاركة متواصلة وشغل أعضاءه مواقع مهمة على تعاقب الحكومات. والمفترض ان يعيد رسم سياسته وخطواته على ضوء هذه المتغيرات ويهيء الهيكلية والسياسات المناسبة لاستقبال الوضع الجديد. ليكون الحليف المقبول والقوي للوجود الامريكي بهيئته الجديدة الذي يبحث فعلا. عن محور سني منظم يأخذ دوره في ترتيب أوراق السنة اولا. ويساهم في استقرار الوضع في عموم العراق.
ثانيا وايضا لابد للحزب ان يعالج بعض المخاوف والإشكالات الموجودة في عقول الساسة الأمريكان وصناع القرار هناك من الارتباط بحركة الاخوان المسلمين. او العلاقة مع الفصائل التي حملت السلاح. او الدعوة لتطبيق الشريعة. او الحكم بالإسلام وغيرها من الأسئلة التي تحتاج الى اجوبة مقنعة وصياغة مقبولة. وتطبيقات عملية واقعية في الميدان.
فكان من المنتظر ان يبادر الحزب بما يمتلكه من بعد سياسي وتنظيمي وفي إطار التهيئة لذلك ان يستثمر فرصة الانتخابات الداخلية له التي جرت مؤخرا. ليظهر بحلة جديدة تؤهله للعب ذلك الدور مستفيدا من حركة التاريخ.
ويحاول ان يحسّن وضعه ويغير صورته النمطية التقليدية. ويجيب عمليا عن كل الاشكالات المتراكمة حول ماهيته وقياداته القديمة والارتباطات المتعددة. ويبرهن على انه حزب محلي عراقي بقيادة جديدة ومقبولة تقف مع جماهيرها وتطلعاتهم في الخروج من ألازمات التي يمرون بها والتي تهدد وجودهم وكيانهم مستفيدين من الدعم الدولي وخصوصا عودة النفوذ الامريكي الى الساحة العراقية لاسيما والحزب يمتلك موقع رئاسة البرلمان اعلى المواقع الرئاسية الثلاثة في العراق.
لكن تتكرر ماساة من لا يدرك ان “التاريخ يعيد نفسه ” ويقف الحزب لأسباب مجهولة حاليا. في موقف من يريد ان يسبح عكس التيار. ويواجه المشاكل. فيعيد اختيار القيادات مثار الجدل. ويترك الساحة السياسية لآخرين.!!!
فعلا ضاعت فرصة لن تتكرر قريبا
سيظهر اثرها على الوجود السني في العراق.
ان المكاسب التي سيجنيها الحزب بصورته الحالية لن تصل قطعا الى الجمهور السني بل لن تتعدى الداخل الحزبي الذي سيبقى مغلقا. ومحدودا. وسيشهد خلافات عديدة. وقد يعود الحزب لممارسة العمل الدعوي والتربوي ويترك تدريجيا العمل السياسي. ويحاول دفع بعض افراده لتشكيل احزاب وجبهات تُمارس العمل السياسي. لان القيادة الحالية له بشخص السامرائي لا يمكن ان تكون مقبولة جماهيريا على مستوى الداخل العراقي. السني او الشيعي او الكردي. ولن تكون مطلقا مقبولة على مستوى الخارج وخصوصا القوى الفاعلة الدولية او في آلاقليم المحيط بالعراق.كدول الخليج او تركيا. او الاْردن. باستثناء ربما ايران التي تبحث عن حلفاء في الوسط السني. وستحاول الدخول الى قيادات الحزب عن طريق الاسلاموية. لكن لن تحقق للحزب سوى مزيد من العرقلة وتعزيز الصورة القديمة له من الوقوف بوجه العلمانية والغرب عموما.
التاريخ. أعاد نفسه وفق منهجية ثابته شكلت فرصة حقيقية لكثيرين. وقد أدى ما عليه. لكن من كان في سدة الامر اضاع الفرصة ولم ينجح باختبار التاريخ.