23 ديسمبر، 2024 5:20 ص

مقومات النجاح لدى الحكومة العراقية الجديدة

مقومات النجاح لدى الحكومة العراقية الجديدة

الحكومات المتعاقبة بعد 2003 خلّفت لبعضها تبعات وفرص وتحديات تسبب في نجاحها أو فشلها. ودائماً ما كان رئيس الحكومة الجديد في كل مرة يصارع ليس من أجل البقاء فحسب بل ومن أجل صنع فرصة جديدة لنيل ولاية أخرى.
وهذا ما حدث مع تحدّي 2007 الذي اضطر المالكي لخوض صولة الفرسان في البصرة– برغم تحذيرات الأصدقاء المحليين والدوليين من مخاطر ذلك- وبعدها بشائر الخير في الأنبار والمحافظات الجنوبية، ما أكسبه مقاعد أكثر في حكومة البصرة المحلية وهذا بدوره هيّأ له فرصة نيل ولايته الثانية.
كذلك ما حدث مع العبادي حيث شكل انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستويات وسقوط ثلاث محافظات بيد داعش تحدّياً كبيراً.
لكن ثمة فرصاً جاءت فيما بعد، حيث أن التظاهرات الرافضة لسياسة المحاصصة التي اجتاحت عموم البلاد دعمت مسيرة الإصلاح التي نادى بها العبادي، فضلاً عن دعم المرجعية لتلك الإصلاحات المزعومة.
كذلك فقد جاءت أحداث استعادة الحكومة المركزية للسلطة في كركوك – بدعم أيراني أمريكي- لتزيد من فرص العبادي في تحقيق الفوز المؤزر بولاية ثانية. وإن تحرير الموصل ودحر داعش هيأ أفضل الأجواء لخوض غمار الإصلاح والبدء بمرحلة جديدة لتحسين الأوضاع في البلاد، لكن العبادي لم يكن يمتلك الشجاعة والجرأة الكافية لقيادة هذه المسيرة بعد إعادة نوّاب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء إلى أماكنهم وتسليمهم رواتبهم بالكامل وبأثر رجعي.
ثم جاءت تظاهرات البصرة الغاضبة مصحوبة بشحّة المياه وتلوثها وكارثة التسمم الجماعي الذي أصاب أكثر من 70 ألف مواطن لتجهز على حلم الولاية الثانية للسيد العبادي.
ما خلّفه العبادي عند تركه (صولجان) الولاية إلى من بعده ربما كان ثقيلاً وذا تحدّيات كثيرة مع غضب شعبي ويأس جماهيري بانت ملامحه في تدنّي نسب المشاركة بانتخابات 2018 إلى مستوى لم تشهد له السنين السابقة مثيلاً. كما أن تحدّيات شحّة المياه في عموم العراق وتلوثها في البصرة وبقاء الوضع الصحي المتردي على ما هو عليه، فضلاً عن تصحّر مزارع الطماطم والخضار في الزبير والتي كانت تغذي العراق بمحاصيلها الموسمية، واستمرار تجريف الأراضي الزراعية في قضائي أبي الخصيب وشط العرب بالبصرة بعد زحف المياه البحرية وارتفاع نسبة الملوحة في نهر شط العرب، فضلاً عن ارتفاع نسب البطالة والتلوث البيئي في المناطق النفطية وسيطرة الأحزاب والشركات النفطية والفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة. كل ذلك يزيد من تحديات الحكومة المقبلة وإن العقوبات الأمريكية على إيران وضع الأخيرة في موقف حرج اضطرت معه لخفض صادراتها من الفواكه والخضار والحبوب إلى العراق مما رفع أسعار الخضار إلى أضعاف تسعيرتها السابقة قبل الأزمة.
لكننا إذا ما دققنا وأمعنا النظر نجد الكثير من فرص النجاح للحكومة المقبلة، فأسعار النفط شهدت ارتفاعاً كبيراً وصل أكثر (80$) للبرميل الواحد قُبيل تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة.
إن هذه الفرصة لم تكن متاحة للعبادي الذي استلم الحكومة بعد انتخابات عام 2014 مع انخفاض حاد في أسعار النفط دنى من (20$) للبرميل.
إن ارتفاع أسعار النفط تعطي متنفساً لإعادة النظر في ملف الزراعة والري والموارد المائية فضلاً عن فتح ملفات البنى التحتية والمصانع الحكومية وغيرها. وإن وضع العراق إقليمياً يشجع كثيراً المضي قدماً في ثورة لتحسين الوضع الاقتصادي للبلد من شأنها أن تحسّن من أداء الحكومة وتجعلها تحظى بمقبولية الشعب.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار النفط لن ينفع عبد المهدي في تحسين أداء حكومته المرتقبة مالم يعدّل في موازنة 2019 لأنها كتبت بطريقة (العبادي) إن صح التعبير، فلم يخصص فيها جزء للإعمال المنشود ولا لتطوير القطاع الزراعي والصناعي ولم تخصص حصّة البصرة التي تبلغ أكثر من 4 مليارات، فقد خصصت مسوّدة الموازنة المقترحة 1 مليار للمحافظات فقط. وهذا سيقيد مشاريع عبد المهدي ويجعله تحت رحمة قانون الموازنة، وإذا ما أراد الخلاص من هذه الموازنة المجحفة فعليه إيقاف التصويت عليها وإجراء تعديلات بما يتناسب والسعر الحقيقي لبيع برميل النفط الخام فقد تم تحديد سعر البرميل في الموازنة 54$ مما يسبب عجزاً ويحمّل العراق ديوناً جديدة تقدّر بـ(17.053 ترليون دينار عراقي) في الوقت الذي سيكون للعراق فائض نقدي عن بيع النفط وهو ليس بحاجة إلى الاقتراض.
إن إعادة التفاوض حول الحصص المائية للعراق والانفتاح على البلدان الإقليمية للاستفادة من خبراتها في مجالات الصناعة والتعليم من شأنه أن يعزز من موقف الحكومة المقبلة. فالعراق اليوم يمرّ بمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية والدولية تمكّن الحكومة من الانطلاق بمشاريع عملاقة ربما يعدّها الكثير محظ وهم وطموح لا يرقى إلى مستوى الإنجاز على أرض الواقع.
ملف العلاقات الإقليمية والدولية بدا في أفضل أحواله منذ حرب الخليج الأولى ولغاية هذه اللحظة. وأن بإمكان الحكومة المقبلة إدارة الملف الخارجي بما يتيح الكثير من الفرص ويساعد على استقرار الوضع الأمني للعراق ويفتح المجال لدخول الاستثمار وفتح ملفات اقتصادية وتجارية ومالية وعلمية واسعة تساعد في دفع عجلة التطور في البلاد بشكل كبير، وتخرج الحكومة من عنق الزجاجة.
الوضع الداخلي للبلاد يشهد توافقاً كبيراً لم يشهد له مثيل في الأعوام السابقة، فقد تم الاتفاق كلياً على دعم الحكومة وعدم مزاحمتها أو فرض قيود عليها. وإن الانشقاقات بين الكتل توسعت بشكل كبير ساعد في إضعاف سطوتها حتى بات الصراع شيعياً شيعياً، وسنياً سنياً، وكردياً كردياً، وبالتالي فإن ذلك يوفر فرصة للضرب بيد من حديد لدعم القانون ومحاربة الفساد وفرض سلطة وهيبة الدولة وبدعم الكتل نفسها، فالكتل تحاول جاهدة استعادة ثقة الشعب الذي حاربها بعزوفه عن المشاركة في الانتخابات وخسارة الكثير من القادة وكتلهم للامتيازات والمقاعد البرلمانية التي كان لهم فيها حصة الأسد.
الحكومة تمتلك فرصة لانتقاء الكفوئين من المستقلين والمهنيين والمختصين بعيداً عن ضغوط الكتل ومحاصصتها المقيتة، كما أنها تستطيع التلويح بورقة دعم المرجعية وتظاهرات الجماهير الرافضة للمحاصصة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة. وهذه الفرصة لم تحظ بها أي حكومة سابقة فموقف عبد المهدي الزاهد في الحكم والمهدد بالانسحاب والاستقالة يمكن أن يشكّل ورقة رابحة إن تم استغلاله بطريقة ذكية تفوّت الفرصة على الكتل وتدعم موقف الحكومة في اختيار الشعب وترجيح بناء العراق على مصلحة الكتل المتناحرة.
لكن هذه الورقة يمكنها أن تكون الأكثر خسارة إن اعتمدت الكتل اللعب عليها من خلال تقديم عبد المهدي قربان فداء لاجتياز المرحلة الحرجة للعبور به لبر الأمان ثم يتم سحب البساط من تحت قدميه وأزاحته عن الطريق. وهذا احتمال وارد إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الشروط المتبادلة بين المكلّف والأطراف السياسية والتي تضمّنت قيام المكلّف باختيار شخوص الحكومة وصياغة برنامج حكومته بنفسه وهو أمر رضخت له الكتل على مضض وأنه وضع المحافظة على شروطه في كفة وبقائه في منصبه بالكفة الأخرى وهذا يعني أن الكتل ستعينه حتى تصل به إلى مستوى يقويها ويجعلها على استعداد للتخلي عنه من خلال الإخلال بالشروط التي يعد الإخلال بها سبباً في تنازل المكلّف واستقالته من منصبه كرئيس للحكومة المقبلة.