تزامنا مع التغيير الذي جرى في نيسان 2003 تصاعد الصراخ (محليا وإقليميا ودوليا) حول طبيعة العلاقة (الإيرمقولة “تبعية شيعة العراق لإيران”
إشكالية المفهوم والدلالة
تزامنا مع التغيير الذي جرى في نيسان 2003 تصاعد الصراخ (محليا وإقليميا ودوليا) حول طبيعة العلاقة (الإيرانية- العراقية) وتحديدا مع شيعة العراق ،وحجم التدخل أو النفوذ الإيراني في العراق (بحسبهم) ومدى تأثير هذا النفوذ في حاضر ومستقبل العراق ،وصلته الجوهرية بمجمل الخلافات والتحديات الكبرى التي تعصف بالعراق منذ ذلك التأريخ ولد الآن بما فيها أزمات الصراع الداخلي (القومي والمذهبي)،وإشكالية العلاقة مع الإرهاب، وموقع هذا التدخل في أزمة العلاقات العراقية – العربية، ومكانته ضمن محددات المنظور الأمريكي والأوربي بل العالمي للوضع العراقي.
ولأن هذه الإشكالية في حياة العراق والعراقيين السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية الأهم والأكثر تأثيرا والأبلغ تداعيات، لذا وجب أن تعالج بطريقة وافية وعميقة تبتعد عن الانخراط في معارك (المع والضد) وتتجاوز الأحكام الجاهزة والمقولات المستهلكة، مستعينة بخليط من التاريخ والسيسيولوجيا والسياسية والأمن وأدوات أخرى، آخذة على عاتقها بيان الكثير من المناطق المظلمة في هذا الموضوع الشائك.
يتكون العراق من (18) محافظة تتوزع التقسيمات السكانية فيها من حيث القومية إلى :(القومية العربية ثم الكردية فالتركمانية ثم بقية الأقليات)، ومن حيث الدين إلى: (المسلمين، المسيحيون الصابئة والأيزيدين وبقية الديانات الأخرى).
يشكل المسلمون أغلبية السكان العراقي وينقسمون إلى (شيعة وسنة) وتختلف التقديرات بشأن الحجم الحقيقي لكل من الطائفتين ولذلك يتجنب النص الخوض في أي جدليات رقمية ويتحدث عن توصيف مسحي يندر الاختلاف حوله.
يسود الأكراد في محافظات (أربيل-السليمانية- دهوك) ومعظم السكان هناك يصنفون مذهبيا (سنة) على الرغم من تغليب الأكراد للقومية على الدين وأن المعظم أقرب إلى العلمانية منهم إلى التدين، ويوجد خلاف حول نسبة الأكراد في كركوك، ويشكلون أقلية في ديالى والموصل، وهم بنفس التقسيم المذهبي المشار إليه أول الفقرة.
يشكل السنة أغلبية في محافظات (الموصل-صلاح الدين- الأنبار)، ويوجد جدل حوله نسبتهم في بغداد وديالى إلا أن المؤكد إن مركز بغداد أي العاصمة ذو أغلبية شيعية وأما محيط بغداد فذو أغلبية سنية، وأما ديالى فالراجح زيادة نسبة الشيعة على السنة فيها، كما أن هناك نسبة للسنة في محافظة بابل خصوصا الجزء الشمالي منها، وكذلك في البصرة وذي قار وواسط، ولا تخلو معظم المحافظات الأخرى من أعداد بسيطة لهم.
يعد الشيعة المكون المذهبي الأكبر في العراق فهم يشغلون محافظات (البصرة –ميسان-ذي قار-المثنى-الديوانية-واسط-النجف –كربلاء-بابل)، كما أنهم أغلبية في مركز بغداد فلهم الضواحي الكبرى في العاصمة مثل (مدينة الصدر-الشعلة-بغداد الجديدة- البياع- الكاظمية)، ويتوزعون في الأحياء الأخرى بنسب عالية باستثناء بعض أحياء الكرخ ذات النسب السكانية المنخفضة مثل (اليرموك-القادسية-الخضراء- الجامعة- العدل)، كما أن نسبتهم قليلة في أطراف بغداد ومحيطها باستثناء (الزعفرانية وجسر ديالى) فهي ذات أغلبية شيعية.
كما أن للشيعة وجود في محافظة صلاح الدين في قضائي بلد وسامراء وكذلك لهم نسبة قليلة في الأنبار ولهم وجود في الموصل بنسبة جيدة خصوصا في قضاء تلعفر وفي كركوك تفوق نسبتهم ثلث السكان وفي ديالى تشير الكثير من الإحصائيات إلى غالبيتهم.
ولأن النص معقود بالدرجة الأساس للحديث عن الشيعة فسوف أفصل القول في شأنهم أكثر، فعند النظر إلى الانتساب العرقي لهذه الكتلة البشرية الكبيرة نجدها متوزعة على أمهات القبائل العربية المعروفة مثل (طي، تميم، عبادة، أسد، ربيعة، هوازن، مضر، ساعدة، هاشم، قريش شمر، ……الخ)، ويعرف المختصون أن معظم الشيعة ينتسبون إلى ألقاب تعود لقبائل وعشائر عربية واضحة ومعروفة، وقلما تجد من ينسب نفسه منهم إلى ألقاب تعود إلى بيوت أو مهن أو مناطق إلا القليل منهم في محافظات النجف وكربلاء ومناطق في بغداد وسوف أفصل القول بهذا أيضا.
القومية الأساس لغالبية الشيعة هي القومية العربية، وهناك الكرد الفيلية والذين يجري النزاع حول حقيقتهم الديمغرافية، هل هم جزء من الأكراد أم أنهم مكون مختلف يسمى بالفيلية، وينطبق نفس الحديث على الشبك، كما أن التركمان ينقسمون تقريبا بالمناصفة إلى سنة وشيعة.
يصنف معظم الشيعة على أنهم فراتيون لمرور نهر الفرات بمحافظات (بابل-كربلاء-النجف-الديوانية-المثنى-ذي قار- البصرة) الشيعية، ويتميز معظمهم بأشكال سومرية عربية عراقية فراتية ذات سمرة وشعر أسود وعيون سوداء وملامح عربية واضحة، وقلما تجد فيهم البشرة الشقراء والعيون الخضراء إلا في مناطق مرور نهر دجلة ونسبة نادرة في المناطق الفراتية.
يتحدث معظم المختصون بعلم السكان والأنساب على أن معظم الشيعة العراقيين ينحدرون أما من قبائل جاءت من الحجاز والجزيرة واليمن والبحرين أو أنهم من أبناء العراق القديم ويعود تواجدهم إلى الحضارات السومرية والبابلية، وهم بهذا التوصيف لا يخرجون من كونهم إما عرب من الجزيرة والحجاز واليمن أو من البقايا السومرية العراقية القديمة التي هي بالأساس جذور أرض أوراك أو بلاد الرافدين أو بلاد السواد أو غيرها من أسماء هذه الأرض المقدسة.
بعيدا عن الجدل حول جذور (الفيلية والشبك) فإن ما يمكن أن ينسب إلى جذور إيرانية من شيعة العراق هم أعداد نادرة جدا استوطنت في النجف وكربلاء والكاظمية، وقد قصدت هذه البيوتات مناطق المراقد المقدسة في هذه المدن، وينقسم هؤلاء إلى قسمين: إما طلبة يدرسون العلوم الدينية في حوزات النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية أو منخرطين في الأعمال الحرة كالتجارة، وقد مضى على وجود الكثير منهم مئات السنين في العراق.
ولأن هذا النص منشغل بالعراق الحديث، فبعيدا عن العود إلى التاريخ القديم فإن الدولة العراقية الحديثة التي تشكلت عام 1921 عقيب الاحتلالين العثماني والبريطاني تم حكمها بملوك ورؤساء وحكومات ذات أغلبية سنية منذ تأسيس العراق الجديد وحتى عام 2003، ففيصل الأول والثاني وغازي وعبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف وعبد الإله عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين جميعهم من الطائفة السنية، وهكذا الحال بالنسبة لمعظم الوزراء على طول هذا التاريخ، ومع ذلك كان الشيعة مادة السياسية والجند والاقتصاد والتنمية والعلم والأدب والفن والرياضة على طول هذا التاريخ.
ومع كل تلك المعطيات التفصيلية عن شيعة العراق فإن نبزا بـ (الفارسية أو الإيرانية) قديم جديد، تمثل في النظر بريبة لبعض من العائلات الشيعية التي لها جذور إيرانية، وتصاعد الموقف مع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام 1963 حيث تصاعدت النبرة القومجية التي كانت تعتبر ضمنا أن (العروبة تساوي التسنن لا غير)، وفي هذا الإطار صدرت كتابات من شخصيات بعثية متطرفة تجعل شيعة العراق كلهم إيرانيون أو هنود أو منحدرين من سلالات مهجنة ،وتجلت هذه النزعة بشكل واضح في حملات التهجير التي بدأت في أول السبعينات حتى بداية الثمانينات ،حيث تم تسفير معظم الكرد الفيلية والشبك وعدد كبير من العوائل الشيعية في مركز النجف وكربلاء والكاظمية وأعداد قليلة من مناطق أخرى ،وكل ذلك جرى تحت عنوان “التبعية الفارسية “،كما أن موجة أخرى من الهجرة العراقية تجاه إيران جرت في نهاية السبعينات وخلال الثمانينات وبعد أحداث عام 1991كانت لأسباب سياسية وأمنية.
ينتقل النص إلى منطقة مجهولة لدى الكثير ممن يردد مقولة العنوان والتي تتعلق بـ “العراقيين في إيران” وهي حلقة مهمة تساهم بشكل دقيق في توضيح الصورة الحقيقية لهذا الالتباس المفهومي والدلالي.
لم يستقر معظم الكرد الفيلية في إيران بل غادروها إلى الدول الأوربية وبقوا هناك حتى هذه اللحظة ومنهم من عاد في نيسان عام 2003 أو خلال السنوات الماضية والحال نفسه بالنسبة للشبك وكذلك التركمان الشيعة ممن هجر أو هاجر خارج العراق.
أستقر معظم المهجرين خلال حملات التسفير من محافظات كربلاء والنجف في ضاحية صغيرة في جنوب طهران تسمى (دولة آباد) وهي منطقة فقيرة ذات بيوت صغيرة وأجواء رطبة وأسعار منخفضة وتكاد تكون معزولة عن المجتمع الطهراني ذي الصبغة المدنية العلمانية والعيش المترف، ولا يسكن في تلك الضاحية من الإيرانيين إلا بعض ذوي الأصول العربية أو الفقراء والمهمشين ،ولم يندمج مجتمع (دولة آباد) مع المجتمع الطهراني ،كما أن هناك جزء آخر أستوطن مدينة (قم) وهي مدينة تقع على بعد (100) كم من طهران وتتميز بجوها الحار ومائها المالح وبيئتها التي لا تشابه البيئة الإيرانية ،ويوجد فيها ضريح السيدة معصومة أخت الأمام علي بن موسى الرضا(ع) كمأ انها تعد مقر الحوزة العلمية في إيران إلى جانب حوزات أخرى في شيراز وأصفهان ومشهد ،وسكن البعض من المهجرين في مشهد ومدن الاحواز والمحمرة وعبادان وبعض المحافظات الكردية وشيراز إلا أن منطقة التركز السكاني تمثلت في دولة آباد وقم.
هذا بخصوص المسفرين أما المهاجرين لأسباب سياسية فقد سكن معظمهم في مدينة قم والمدن ذات الأغلبية العربية ومشهد وطهران وبعض مراكز المدن بشكل أفراد ومجموعات بسيطة.
تعد إيران من تراث الجغرافية القديمة، فهي دولة كبيرة لها حضارات متصلة وتراكم مستمر تلمسه في ثقافة وسلوك معظم الإيرانيين، امتلكت مصادر القوة والنفوذ واحتلت أراضي ودول خارج جغرافيتها في أزمان مختلفة حكمتها أسر وملوك، امتد حكم البعض منهم لمئات السنين وكان آخرها قبل أن تصبح جمهورية إيران (آل الشاه) والذين كان ولائهم للغرب وأمريكا بحيث كانت إيران تسمى “شرطي أمريكا في الخليج”، وقد وقفت هذه الأسرة بوجه الحراكين الشيوعي و الإسلامي وأجهضت الكثير من الثورات والانتفاضات وقضت على الحركات السياسية والشخصيات المعارضة من خلال القبضة الأمنية المحكمة وعمليات الإعدام التي كانت تجريها دون أي محاكمات وبشكل جماعي ،وكل ذلك يجري بمباركة الغرب وأمريكا ومساندتها ،كما أنها أقامت علاقات جيدة مع إسرائيل ،وكانت عنصرية التعامل مع العرب الإيرانيين ،فقد عاش أقليم خوزستان أسوء مراحل حياته في ظل حكم الشاه الذي وصل إلى منع ارتداء العقال العربي أو أي مظهر عربي في المدن الإيرانية فضلا عن الخدمات السيئة وسوء المعاملة للعرب في كل مناحي الدولة الإيرانية.
سقط الشاه على يد السيد روح الله الخميني والثائرين معه بعد مرحلة نضال طويلة ،كان الخميني فيها مهاجرا من الكويت إلى العراق حيث قضى عدة سنوات في النجف الأشرف في حوزتها إلا أن علاقته لم تكن طيبة مع معظم مراجعها ومنهم السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي وكل الذين يسمونهم بالحوزة التقليدية ،وكانت علاقته طيبة مع السيد محمد باقر الصدر وطلابه لتقارب أفكارهم حول التغيير والإسلام والثورة ،وقد هاجر بعد ذلك إلى فرنسا التي كانت محطته الأخيرة قبل عودته إلى إيران كقائد أعلى للثورة الإسلامية في إيران ولتصبح إيران جمهورية إيران الإسلامية.
قامت رؤية السيد الخميني السياسية على أساس نظرية الولي الفقيه والتي تعد الولي الفقيه خليفة للمعصوم يملك صلاحياته إلا ما خرج منها بدليل خاص، وبقي أسم الثورة الإسلامية قائما، حيث تحول الثوار إلى مؤسسة الحرس الثوري التي تعد أهم المؤسسات في إيران اليوم وأقواها، وتبنى بعض مفكري الثورة نظرية إيران “أم القرى” التي تعني أن إيران مركز الأمة الإسلامية ومحورها ويجب على كل المسلمين “شرعا” الدفاع عنها ،كما صارت إيران داعمة لكل الحركات الإسلامية في العالم الأمر الذي جعل الآخرين يتهمونها بالرغبة في تصدير الثورة الإسلامية إلى البلاد الأخرى وإسقاط الأنظمة الموالية للغرب والعلمانية ،وتمثل هذه القضية نقطة الجدل حول “أسباب الحرب العراقية-الإيرانية” التي امتدت لثمان سنوت من (1980-1988) والتي خسر الطرفان فيها أكثر من مليون قتيل وجريح وأسير ومفقود وأنفقت عليها مليارات الدولارات ،إذ يعدها النظام العراقي وقتها دفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي لمنع تمدد ثورة إيران إلى العراق والخليج ،بينما يراها الإيرانيون حربا مفروضة قام بها نظام صدام نيابة عن الخليج وأمريكا هدفها إسقاط الثورة في إيران ومحاصرتها والتي أسقطت حليفهم الشاه وحماية لأمن إسرائيل التي كان السيد الخميني يهددها بالزوال منذ أول لحظات وصوله للحكم ومن خلال خطاباته الأولى.
على الرغم من أن الاسم الجديد لإيران هو “جمهورية إيران الإسلامية” وإن الدستور الإيراني قائم على الدين كأساس له وأن القوانين كلها متوافقة معه، وأن النخبة السياسية تنتمي إلى الثورة وأدبياتها، وأن وسائل الأعلام موجهة للثقافة الدينية، وأن الحجاب هو المظهر العام في إيران، وأن الملاهي والمراقص ممنوعة في إيران إلا أن المجتمع الإيراني مدني الطباع، تجاري المنحى علماني في داخله، يقدم انتمائه القومي على انتمائه الديني ،ينظر للعرب بازدراء ويصنفهم متخلفين لا يعتنون بالنظافة وطرق الحياة المدنية همهم الجنس والطعام ،ولا يقارن نفسه بالمجتمعات العربية بل يرى نفسه قرينا للمجتمعات الغربية وخصوصا الألمان ،وأن الإيرانيين ليس لديهم نزعة مذهبية واضحة على الرغم من أن معظمهم شيعة ،فالتشيع عند معظمهم مختزل بالحسين(ع) وزيارته ويجهلون ما بقي ،ليس لدى معظمهم أي تصورات واضحة عن العراق والعراقيين وليسوا محلا لاهتمامهم ،ويفضلون علاقات مع مجتمعات الغرب وأمريكا وحتى بعض آسيا على علاقاتهم مع العرب والعراقيين تحديدا، وقد تصاعدت الروح العلمانية في إيران تدريجيا مع حكم الاصلاحيين وتحقق متسع الحريات التي توفرت في تلك الفترة ، فضلا عن التخلي عن الكثير من القضايا التي كانت معهودة أيام السيد الخميني.
يرى معظم الإيرانيين على أنه لا بد أن تكون إيران وخيراتها للإيرانيين وهم ضد فكرة تمدد إيران إلى خارج حدودها، ولا يرون مبررا لتقديم خيرات الشعب الإيراني لأي جماعات أو مجموعات غير إيرانية، ويتطرف البعض في ضرورة ترحيل كل الجماعات الموجودة على أرض إيران لأهداف سياسية وأنهم لا يرون مسوغا في موقف الحكومة من الغرب وأمريكا بل حتى من إسرائيل.
ينقل الكثير ممن عاش في إيران من المسفرين أن الحكومة والشعب يفضلون “مسفري كربلاء” على مسفري المناطق الأخرى، حيث حصل البعض منهم على فرص وظيفية أو دعم مالي، وفي كل حال فإن معظم المسفرين إلى إيران كانوا ولا يزالوا يقدمون الجنسية العراقية على غيرها، ويقدمون الولاء إلى العراق على انتمائهم لإيران، ولم يكن لهم اندماج في المجتمع الإيراني، ولم تكن لهم حظوة في المناصب الحكومية، وفضلوا العمل التجاري والحياة الاعتيادية على الاقتراب من السياسية، وسارع معظمهم للعودة إلى العراق بمجرد سقوط نظام صدام.
أما بعض الأسر الدينية التي كانت في العراق ثم تم تهجيرها إلى إيران ضمن حملة التهجير ومن أهمها آل الشيرازي الذين كانوا ينشطون في كربلاء فإنهم لم يلتئموا مع نظام ولاية الفقيه وكانوا على خلاف مع السيد الخميني ووضع محمد الشيرازي تحت الإقامة الجبرية ومعظمهم سافر إلى الخليج وأوربا وعادوا إلى العراق بعد التغيير مباشرة وهم يقدمون الولاء لكربلاء تحديدا على كل ولاء وحاولوا الاندماج والمشاركة في النظام السياسي الجديد في العراق.
هرب جمع من الشباب الذي انخرطوا في تنظيمات سياسية دينية خصوصا حزب الدعوة الإسلامية إلى إيران بعد نجاح الثورة فيها، وكانت أفكار معظمهم التي تربت على أدبيات السيد محمد باقر الصدر ومحمد حسين فضل الله وجماعة الإسلام الحركي تتناغم مع أفكار السيد الخميني وحاكمية الإسلام، كما هاجر البعض بدواعي مختلفة كلها تنجمع في جامع مشترك يتمثل في الهرب من السطوة الأمنية لنظام صدام، وقد كانت مدينة قم وجهة الأغلب منهم حيث أنخرط بعضهم في الدروس الدينية بينما بقي الآخرون مهتمون في العمل السياسي والعسكري، وقد سعت الحكومة الإيرانية إلى تنظيم نشاط المعارضة العراقية ووضعه في قالب رسمي تحت إشراف الحكومة الإيرانية تمثل في “المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق” وهو إطار تنظيمي جمعت فيه أحزاب المعارضة العراقية وشخصياتها ذات التوجه الديني والتي تؤمن بفكرة الثورة الإسلامية وإلى جانبه تم تأسيس “فيلق بدر” الجناح العسكري للمعارضة ،وكان الجميع بارتباط تنسيقي وثيق مع الحرس الثوري وشارك فيلق بدر في بعض معارك الحرب العراقية –الإيرانية وقتل بعضهم في تلك المعارك ،كما أن بعض الأسرى العراقيين خرج من السجون الإيرانية والتحق بالمعارضة العراقية ضمن ما يسمى بـ “التوابين”.
لم يكن حزب الدعوة منسجما مع رؤية إيران الإسلامية ولم تروق لهم آلية التعامل، وكانت شخصية السيد محمد باقر الصدر عندهم مقدمة على شخصية السيد الخميني مما أدى بهم للهجرة التدريجية من إيران حيث قصد بعضهم سوريا والبعض الآخر إلى بلدان أوربا، وزادت الفجوة مع تبنيهم لأفكار السيد محمد حسين فضل الله حيث يراهم بعض رجال الحرس كالبعثيين أو أشد خطرا على الثورة ،كما أن الشيرازيين كانوا معارضة واضحة لرؤية السيد الخميني ،وتفكك المجلس الأعلى تدريجيا وبقي متمحورا حول شخصية السيد محمد باقر الحكيم ومن حوله وما بقي من فيلق بدر وأستمر على هذا الحال لحين العودة إلى العراق في 2003.
هاجرت مجموعة أخرى من العراقيين بعد فشل انتفاضة شعبان عام 1991إلى إيران وكانت محطة ترانزيت لمعظمهم حيث سافروا بعدها إلى دول أوربا وأستراليا وأمريكا وبقي القليل منهم في قم وبعض مدن إيران، وتوزعوا ما بين نشاط علمي دراسي وبين نشاط سياسي ضمن الأحزاب والحركات المعروفة سابقا ،فضلا عن وجود تيار جديد أرتبط بظهور السيد محمد صادق الصدر ،ولم تكن كل تلك التقسيمات ذات ولاء وحميمية مع إيران ،بل أن المعظم كان مضطرا بسبب الظروف القاهرة للعيش هناك أو لإقامة علاقة مع الدولة ،وفشلت معظم زيجات العراقيين من إيرانيات ،كما يندر أن تتزوج عراقية بإيراني ،ولم يتعلم معظم العراقيين الفارسية بشكل جيد وقليلون هم الذين يحسنونها وحتى مع تفضيل البعض لإيران كمسكن ذي خدمات جيدة فإن ذلك لا يرفعها كولاء مقدم على ولائهم العراقي ولم ينجح العراقيون بكل توجهاتهم في الاندماج مع المجتمع الإيراني أو لعب دور مهم في الحياة السياسية والعامة الإيرانية.
كان معظم العراقيون المسفرون أو المهجرون أو المهاجرون إلى إيران ولأسباب مختلفة، يقلدون مرجعيات السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر والسيد علي السيستاني والسيد محمد الصدر، ويندر أن تجد من بينهم ممن يقلد السيد الخميني أو السيد علي الخامنائي، والأمر أوضح بالنسبة لشيعة العراق الذين لم يكونوا في إيران.
خلال التحضيرات لأسقاط نظام صدام في عام 2003 شجعت الحكومة الإيرانية جميع الفصائل والأحزاب الشيعية وغيرها ممن لها علاقة بهم بالمشاركة في عملية التغيير والمشهد السياسي الجديد رغم أن أمريكا هي المشرف على المشهد والتي صنفت إيران جزءَ من محور الشر الذي تعاديه، بل تراها رأس هذا المحور وقد توعدت بإسقاط النظام فيها.
تزامنا مع المشهد الجديد في العراق وتأسيس مجلس الحكم حاولت إيران أن تكون قريبة من ترتيبات المشهد السياسي الجديد من خلال علاقتها المباشرة مع القوى السياسية التي قدمت بعد التغيير من إيران مباشرة أو التي احتفظت معها بعلاقات طيبة مع وجودها خارج إيران، بالإضافة إلى القوى الجديدة الصاعدة والتي سعت إيران إلى تكوين علاقة وثيقة معها.
كان الأمريكان يعلنون صراحة عداوتهم للنظام في إيران ونيتهم في تغييره، وربما تكون التجربة العراقية الجديدة منطلقا لمثل هذا التغيير، كما أن البعثيين وبقايا النظام السابق كان وجودهم ملحوظا ونشاطهم باقيا، يضاف إلى ذلك وجهات نظر معظم القوى السنية والعلمانية واليسارية وبعض القوى الكردية السلبية تجاه إيران، كل ذلك مثل هاجسا للقلق والخوف الإيراني من القادم الجديد ،كما أن طموح إيران لأن تكون اللاعب الأساس في الترتيبات السياسية والأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وتقف في الموضع الآمن من أي تحركات أمريكية مباشرة أو بالواسطة ومتطلبات الأمن القومي الإيراني دفعها بشكل قوي لأن تجد لنفسها موطئ قدم في المشهد العراقي عبر تمظهرات متعددة.
لقد ساهمت الإدارة الأمريكية السيئة لملف التغيير العراقي مضافا إلى الموقف العربي السلبي وموجة الإرهاب التي ضربت العراق، والمشهد السياسي المضطرب وطبيعة القوى السياسية والتجمعات المدنية الهشة والمعتمدة بالدرجة الأساس على المساعدات الخارجية وموقف القوى السنية من حالة التغيير ومحاولة التمترس ضد صعود الشيعة للحكم، كلها مثلت بيئة خصبة سمحت للرغبة الإيرانية أن تتحقق في التواجد بشكل ينافس الوجود الأمريكي أو يفوقه.
لقد أنفقت إيران ملايين الدولارات والجهود على مؤسسات وقوى سياسية وتجمعات مدنية عسكرية وثقافية من كل مكونات العراق، كما أنفق المسؤولون الإيرانيون آلاف الساعات من الاجتماعات والأحاديث من أجل أن يكون المشهد في العراق آمننا للأمن القومي الإيراني، وقد كانت أحد الأدوات المهمة لتحقيق ذلك، أن يكون شيعة العراق على رأس السلطة التنفيذية وبيدهم القرار الأهم مما يضمن عدم استعمال العراق بشكل مباشر أو غير مباشر لتهديد المصالح الإيرانية.
إن إصرار المعظم في الداخل والخارج العراقي على “مقولة تبعية شيعة العراق لإيران” الباطلة مفهوما ودلالة يساعد بشكل كبير على إبقاء الأسباب التي أشرت لها والتي سهلت لإيران أن تتواجد بالكيفية التي تتناسب مع أمنها، كما أن من حق إيران أن تسمع بشكل واضح وعلني من كل الأطراف (داخل العراق وخارجه) أن العراق لم ولن يكون جزء من عدوان على إيران أو قاعدة لتهديد أمنها.
كان شيعة العراق على طول تاريخ العراق والحديث منه على وجه الخصوص وطنيين حد النخاع، متيمين بالعراق وحبه، عروبيين حد الإشباع بالعروبة لكن ليس على فصال التنظيمات القومجية، مدنيي التوجه، مولعين بالسيادة والاستقلالية، يكرهون أي انتساب خارج العراق ويفتخرون بأصولهم وجذورهم إليه، ويؤمنون بعراق حر كريم يحفظ الجميع ويعيش فيه الجميع بأمن واطمئنان.
يتضح بشكل جلي من خلال هذا السرد التفصيلي الطويل لكل شؤون شيعة العراق وعلاقاتهم مع إيران، وحقيقة العلاقة الإيرانية مع العراق الجديد وأسبابها، أن هذه المقولة الزائفة هي جزء من بروباغاندا عدوانية مصنعة بعناية في دوائر استعمارية وحلقات كراهية مذهبية وطائفية تستهدف تحطيم وحدة العراق وكسر لحمته الاجتماعية وإدخال المكونات الإسلامية في صراعات مذهبية وطائفية تصب نتائجها في جيوب الأعداء والنفعيين.
وان الذين يصرون على الحاق شيعة العراق بإيران أشخاص يعانون من قلق في نسبتهم العراقية او انتمائهم او في هويتهم ويحاولون افراغ ذلك في مثل هذه التهم الزائفة، وان استمرار هذا الصراخ لن يبني عراقا ولن يصنع سلاما وإن جحود الحقائق الواضحة كوضوح الشمس لا يغير من الواقع في شيء.
ختاما إن العلاقة بالأوطان ليست “مانشيتات” للاستهلاك والدعاية وإنما هي مسؤولية قانونية وأخلاقية وروحية قبل كل شيء لابد أن يتم ترجمتها في حب يتبدى في سلوك جاد من الأخلاص والولاء والعمل للوطن وأهله من أجل أن يعم الأمن والاستقرار وتسود روح المحبة ليعيش “الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم” تحت عنوان المواطنة، وأن الآخرين لن يكفوا عن التدخل مازالت أبواب الوطن مشرعة ولا يعدمون أن يجدوا ألف حيلة وحيلة من أجل أن يتسللوا إلى بيوتنا.
انية- العراقية) وتحديدا مع شيعة العراق ،وحجم التدخل أو النفوذ الإيراني في العراق (بحسبهم) ومدى تأثير هذا النفوذ في حاضر ومستقبل العراق ،وصلته الجوهرية بمجمل الخلافات والتحديات الكبرى التي تعصف بالعراق منذ ذلك التأريخ ولد الآن بما فيها أزمات الصراع الداخلي (القومي والمذهبي)،وإشكالية العلاقة مع الإرهاب، وموقع هذا التدخل في أزمة العلاقات العراقية – العربية، ومكانته ضمن محددات المنظور الأمريكي والأوربي بل العالمي للوضع العراقي.
ولأن هذه الإشكالية في حياة العراق والعراقيين السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية الأهم والأكثر تأثيرا والأبلغ تداعيات، لذا وجب أن تعالج بطريقة وافية وعميقة تبتعد عن الانخراط في معارك (المع والضد) وتتجاوز الأحكام الجاهزة والمقولات المستهلكة، مستعينة بخليط من التاريخ والسيسيولوجيا والسياسية والأمن وأدوات أخرى، آخذة على عاتقها بيان الكثير من المناطق المظلمة في هذا الموضوع الشائك.
يتكون العراق من (18) محافظة تتوزع التقسيمات السكانية فيها من حيث القومية إلى :(القومية العربية ثم الكردية فالتركمانية ثم بقية الأقليات)، ومن حيث الدين إلى: (المسلمين، المسيحيون الصابئة والأيزيدين وبقية الديانات الأخرى).
يشكل المسلمون أغلبية السكان العراقي وينقسمون إلى (شيعة وسنة) وتختلف التقديرات بشأن الحجم الحقيقي لكل من الطائفتين ولذلك يتجنب النص الخوض في أي جدليات رقمية ويتحدث عن توصيف مسحي يندر الاختلاف حوله.
يسود الأكراد في محافظات (أربيل-السليمانية- دهوك) ومعظم السكان هناك يصنفون مذهبيا (سنة) على الرغم من تغليب الأكراد للقومية على الدين وأن المعظم أقرب إلى العلمانية منهم إلى التدين، ويوجد خلاف حول نسبة الأكراد في كركوك، ويشكلون أقلية في ديالى والموصل، وهم بنفس التقسيم المذهبي المشار إليه أول الفقرة.
يشكل السنة أغلبية في محافظات (الموصل-صلاح الدين- الأنبار)، ويوجد جدل حوله نسبتهم في بغداد وديالى إلا أن المؤكد إن مركز بغداد أي العاصمة ذو أغلبية شيعية وأما محيط بغداد فذو أغلبية سنية، وأما ديالى فالراجح زيادة نسبة الشيعة على السنة فيها، كما أن هناك نسبة للسنة في محافظة بابل خصوصا الجزء الشمالي منها، وكذلك في البصرة وذي قار وواسط، ولا تخلو معظم المحافظات الأخرى من أعداد بسيطة لهم.
يعد الشيعة المكون المذهبي الأكبر في العراق فهم يشغلون محافظات (البصرة –ميسان-ذي قار-المثنى-الديوانية-واسط-النجف –كربلاء-بابل)، كما أنهم أغلبية في مركز بغداد فلهم الضواحي الكبرى في العاصمة مثل (مدينة الصدر-الشعلة-بغداد الجديدة- البياع- الكاظمية)، ويتوزعون في الأحياء الأخرى بنسب عالية باستثناء بعض أحياء الكرخ ذات النسب السكانية المنخفضة مثل (اليرموك-القادسية-الخضراء- الجامعة- العدل)، كما أن نسبتهم قليلة في أطراف بغداد ومحيطها باستثناء (الزعفرانية وجسر ديالى) فهي ذات أغلبية شيعية.
كما أن للشيعة وجود في محافظة صلاح الدين في قضائي بلد وسامراء وكذلك لهم نسبة قليلة في الأنبار ولهم وجود في الموصل بنسبة جيدة خصوصا في قضاء تلعفر وفي كركوك تفوق نسبتهم ثلث السكان وفي ديالى تشير الكثير من الإحصائيات إلى غالبيتهم.
ولأن النص معقود بالدرجة الأساس للحديث عن الشيعة فسوف أفصل القول في شأنهم أكثر، فعند النظر إلى الانتساب العرقي لهذه الكتلة البشرية الكبيرة نجدها متوزعة على أمهات القبائل العربية المعروفة مثل (طي، تميم، عبادة، أسد، ربيعة، هوازن، مضر، ساعدة، هاشم، قريش شمر، ……الخ)، ويعرف المختصون أن معظم الشيعة ينتسبون إلى ألقاب تعود لقبائل وعشائر عربية واضحة ومعروفة، وقلما تجد من ينسب نفسه منهم إلى ألقاب تعود إلى بيوت أو مهن أو مناطق إلا القليل منهم في محافظات النجف وكربلاء ومناطق في بغداد وسوف أفصل القول بهذا أيضا.
القومية الأساس لغالبية الشيعة هي القومية العربية، وهناك الكرد الفيلية والذين يجري النزاع حول حقيقتهم الديمغرافية، هل هم جزء من الأكراد أم أنهم مكون مختلف يسمى بالفيلية، وينطبق نفس الحديث على الشبك، كما أن التركمان ينقسمون تقريبا بالمناصفة إلى سنة وشيعة.
يصنف معظم الشيعة على أنهم فراتيون لمرور نهر الفرات بمحافظات (بابل-كربلاء-النجف-الديوانية-المثنى-ذي قار- البصرة) الشيعية، ويتميز معظمهم بأشكال سومرية عربية عراقية فراتية ذات سمرة وشعر أسود وعيون سوداء وملامح عربية واضحة، وقلما تجد فيهم البشرة الشقراء والعيون الخضراء إلا في مناطق مرور نهر دجلة ونسبة نادرة في المناطق الفراتية.
يتحدث معظم المختصون بعلم السكان والأنساب على أن معظم الشيعة العراقيين ينحدرون أما من قبائل جاءت من الحجاز والجزيرة واليمن والبحرين أو أنهم من أبناء العراق القديم ويعود تواجدهم إلى الحضارات السومرية والبابلية، وهم بهذا التوصيف لا يخرجون من كونهم إما عرب من الجزيرة والحجاز واليمن أو من البقايا السومرية العراقية القديمة التي هي بالأساس جذور أرض أوراك أو بلاد الرافدين أو بلاد السواد أو غيرها من أسماء هذه الأرض المقدسة.
بعيدا عن الجدل حول جذور (الفيلية والشبك) فإن ما يمكن أن ينسب إلى جذور إيرانية من شيعة العراق هم أعداد نادرة جدا استوطنت في النجف وكربلاء والكاظمية، وقد قصدت هذه البيوتات مناطق المراقد المقدسة في هذه المدن، وينقسم هؤلاء إلى قسمين: إما طلبة يدرسون العلوم الدينية في حوزات النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية أو منخرطين في الأعمال الحرة كالتجارة، وقد مضى على وجود الكثير منهم مئات السنين في العراق.
ولأن هذا النص منشغل بالعراق الحديث، فبعيدا عن العود إلى التاريخ القديم فإن الدولة العراقية الحديثة التي تشكلت عام 1921 عقيب الاحتلالين العثماني والبريطاني تم حكمها بملوك ورؤساء وحكومات ذات أغلبية سنية منذ تأسيس العراق الجديد وحتى عام 2003، ففيصل الأول والثاني وغازي وعبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف وعبد الإله عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين جميعهم من الطائفة السنية، وهكذا الحال بالنسبة لمعظم الوزراء على طول هذا التاريخ، ومع ذلك كان الشيعة مادة السياسية والجند والاقتصاد والتنمية والعلم والأدب والفن والرياضة على طول هذا التاريخ.
ومع كل تلك المعطيات التفصيلية عن شيعة العراق فإن نبزا بـ (الفارسية أو الإيرانية) قديم جديد، تمثل في النظر بريبة لبعض من العائلات الشيعية التي لها جذور إيرانية، وتصاعد الموقف مع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام 1963 حيث تصاعدت النبرة القومجية التي كانت تعتبر ضمنا أن (العروبة تساوي التسنن لا غير)، وفي هذا الإطار صدرت كتابات من شخصيات بعثية متطرفة تجعل شيعة العراق كلهم إيرانيون أو هنود أو منحدرين من سلالات مهجنة ،وتجلت هذه النزعة بشكل واضح في حملات التهجير التي بدأت في أول السبعينات حتى بداية الثمانينات ،حيث تم تسفير معظم الكرد الفيلية والشبك وعدد كبير من العوائل الشيعية في مركز النجف وكربلاء والكاظمية وأعداد قليلة من مناطق أخرى ،وكل ذلك جرى تحت عنوان “التبعية الفارسية “،كما أن موجة أخرى من الهجرة العراقية تجاه إيران جرت في نهاية السبعينات وخلال الثمانينات وبعد أحداث عام 1991كانت لأسباب سياسية وأمنية.
ينتقل النص إلى منطقة مجهولة لدى الكثير ممن يردد مقولة العنوان والتي تتعلق بـ “العراقيين في إيران” وهي حلقة مهمة تساهم بشكل دقيق في توضيح الصورة الحقيقية لهذا الالتباس المفهومي والدلالي.
لم يستقر معظم الكرد الفيلية في إيران بل غادروها إلى الدول الأوربية وبقوا هناك حتى هذه اللحظة ومنهم من عاد في نيسان عام 2003 أو خلال السنوات الماضية والحال نفسه بالنسبة للشبك وكذلك التركمان الشيعة ممن هجر أو هاجر خارج العراق.
أستقر معظم المهجرين خلال حملات التسفير من محافظات كربلاء والنجف في ضاحية صغيرة في جنوب طهران تسمى (دولة آباد) وهي منطقة فقيرة ذات بيوت صغيرة وأجواء رطبة وأسعار منخفضة وتكاد تكون معزولة عن المجتمع الطهراني ذي الصبغة المدنية العلمانية والعيش المترف، ولا يسكن في تلك الضاحية من الإيرانيين إلا بعض ذوي الأصول العربية أو الفقراء والمهمشين ،ولم يندمج مجتمع (دولة آباد) مع المجتمع الطهراني ،كما أن هناك جزء آخر أستوطن مدينة (قم) وهي مدينة تقع على بعد (100) كم من طهران وتتميز بجوها الحار ومائها المالح وبيئتها التي لا تشابه البيئة الإيرانية ،ويوجد فيها ضريح السيدة معصومة أخت الأمام علي بن موسى الرضا(ع) كمأ انها تعد مقر الحوزة العلمية في إيران إلى جانب حوزات أخرى في شيراز وأصفهان ومشهد ،وسكن البعض من المهجرين في مشهد ومدن الاحواز والمحمرة وعبادان وبعض المحافظات الكردية وشيراز إلا أن منطقة التركز السكاني تمثلت في دولة آباد وقم.
هذا بخصوص المسفرين أما المهاجرين لأسباب سياسية فقد سكن معظمهم في مدينة قم والمدن ذات الأغلبية العربية ومشهد وطهران وبعض مراكز المدن بشكل أفراد ومجموعات بسيطة.
تعد إيران من تراث الجغرافية القديمة، فهي دولة كبيرة لها حضارات متصلة وتراكم مستمر تلمسه في ثقافة وسلوك معظم الإيرانيين، امتلكت مصادر القوة والنفوذ واحتلت أراضي ودول خارج جغرافيتها في أزمان مختلفة حكمتها أسر وملوك، امتد حكم البعض منهم لمئات السنين وكان آخرها قبل أن تصبح جمهورية إيران (آل الشاه) والذين كان ولائهم للغرب وأمريكا بحيث كانت إيران تسمى “شرطي أمريكا في الخليج”، وقد وقفت هذه الأسرة بوجه الحراكين الشيوعي و الإسلامي وأجهضت الكثير من الثورات والانتفاضات وقضت على الحركات السياسية والشخصيات المعارضة من خلال القبضة الأمنية المحكمة وعمليات الإعدام التي كانت تجريها دون أي محاكمات وبشكل جماعي ،وكل ذلك يجري بمباركة الغرب وأمريكا ومساندتها ،كما أنها أقامت علاقات جيدة مع إسرائيل ،وكانت عنصرية التعامل مع العرب الإيرانيين ،فقد عاش أقليم خوزستان أسوء مراحل حياته في ظل حكم الشاه الذي وصل إلى منع ارتداء العقال العربي أو أي مظهر عربي في المدن الإيرانية فضلا عن الخدمات السيئة وسوء المعاملة للعرب في كل مناحي الدولة الإيرانية.
سقط الشاه على يد السيد روح الله الخميني والثائرين معه بعد مرحلة نضال طويلة ،كان الخميني فيها مهاجرا من الكويت إلى العراق حيث قضى عدة سنوات في النجف الأشرف في حوزتها إلا أن علاقته لم تكن طيبة مع معظم مراجعها ومنهم السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي وكل الذين يسمونهم بالحوزة التقليدية ،وكانت علاقته طيبة مع السيد محمد باقر الصدر وطلابه لتقارب أفكارهم حول التغيير والإسلام والثورة ،وقد هاجر بعد ذلك إلى فرنسا التي كانت محطته الأخيرة قبل عودته إلى إيران كقائد أعلى للثورة الإسلامية في إيران ولتصبح إيران جمهورية إيران الإسلامية.
قامت رؤية السيد الخميني السياسية على أساس نظرية الولي الفقيه والتي تعد الولي الفقيه خليفة للمعصوم يملك صلاحياته إلا ما خرج منها بدليل خاص، وبقي أسم الثورة الإسلامية قائما، حيث تحول الثوار إلى مؤسسة الحرس الثوري التي تعد أهم المؤسسات في إيران اليوم وأقواها، وتبنى بعض مفكري الثورة نظرية إيران “أم القرى” التي تعني أن إيران مركز الأمة الإسلامية ومحورها ويجب على كل المسلمين “شرعا” الدفاع عنها ،كما صارت إيران داعمة لكل الحركات الإسلامية في العالم الأمر الذي جعل الآخرين يتهمونها بالرغبة في تصدير الثورة الإسلامية إلى البلاد الأخرى وإسقاط الأنظمة الموالية للغرب والعلمانية ،وتمثل هذه القضية نقطة الجدل حول “أسباب الحرب العراقية-الإيرانية” التي امتدت لثمان سنوت من (1980-1988) والتي خسر الطرفان فيها أكثر من مليون قتيل وجريح وأسير ومفقود وأنفقت عليها مليارات الدولارات ،إذ يعدها النظام العراقي وقتها دفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي لمنع تمدد ثورة إيران إلى العراق والخليج ،بينما يراها الإيرانيون حربا مفروضة قام بها نظام صدام نيابة عن الخليج وأمريكا هدفها إسقاط الثورة في إيران ومحاصرتها والتي أسقطت حليفهم الشاه وحماية لأمن إسرائيل التي كان السيد الخميني يهددها بالزوال منذ أول لحظات وصوله للحكم ومن خلال خطاباته الأولى.
على الرغم من أن الاسم الجديد لإيران هو “جمهورية إيران الإسلامية” وإن الدستور الإيراني قائم على الدين كأساس له وأن القوانين كلها متوافقة معه، وأن النخبة السياسية تنتمي إلى الثورة وأدبياتها، وأن وسائل الأعلام موجهة للثقافة الدينية، وأن الحجاب هو المظهر العام في إيران، وأن الملاهي والمراقص ممنوعة في إيران إلا أن المجتمع الإيراني مدني الطباع، تجاري المنحى علماني في داخله، يقدم انتمائه القومي على انتمائه الديني ،ينظر للعرب بازدراء ويصنفهم متخلفين لا يعتنون بالنظافة وطرق الحياة المدنية همهم الجنس والطعام ،ولا يقارن نفسه بالمجتمعات العربية بل يرى نفسه قرينا للمجتمعات الغربية وخصوصا الألمان ،وأن الإيرانيين ليس لديهم نزعة مذهبية واضحة على الرغم من أن معظمهم شيعة ،فالتشيع عند معظمهم مختزل بالحسين(ع) وزيارته ويجهلون ما بقي ،ليس لدى معظمهم أي تصورات واضحة عن العراق والعراقيين وليسوا محلا لاهتمامهم ،ويفضلون علاقات مع مجتمعات الغرب وأمريكا وحتى بعض آسيا على علاقاتهم مع العرب والعراقيين تحديدا، وقد تصاعدت الروح العلمانية في إيران تدريجيا مع حكم الاصلاحيين وتحقق متسع الحريات التي توفرت في تلك الفترة ، فضلا عن التخلي عن الكثير من القضايا التي كانت معهودة أيام السيد الخميني.
يرى معظم الإيرانيين على أنه لا بد أن تكون إيران وخيراتها للإيرانيين وهم ضد فكرة تمدد إيران إلى خارج حدودها، ولا يرون مبررا لتقديم خيرات الشعب الإيراني لأي جماعات أو مجموعات غير إيرانية، ويتطرف البعض في ضرورة ترحيل كل الجماعات الموجودة على أرض إيران لأهداف سياسية وأنهم لا يرون مسوغا في موقف الحكومة من الغرب وأمريكا بل حتى من إسرائيل.
ينقل الكثير ممن عاش في إيران من المسفرين أن الحكومة والشعب يفضلون “مسفري كربلاء” على مسفري المناطق الأخرى، حيث حصل البعض منهم على فرص وظيفية أو دعم مالي، وفي كل حال فإن معظم المسفرين إلى إيران كانوا ولا يزالوا يقدمون الجنسية العراقية على غيرها، ويقدمون الولاء إلى العراق على انتمائهم لإيران، ولم يكن لهم اندماج في المجتمع الإيراني، ولم تكن لهم حظوة في المناصب الحكومية، وفضلوا العمل التجاري والحياة الاعتيادية على الاقتراب من السياسية، وسارع معظمهم للعودة إلى العراق بمجرد سقوط نظام صدام.
أما بعض الأسر الدينية التي كانت في العراق ثم تم تهجيرها إلى إيران ضمن حملة التهجير ومن أهمها آل الشيرازي الذين كانوا ينشطون في كربلاء فإنهم لم يلتئموا مع نظام ولاية الفقيه وكانوا على خلاف مع السيد الخميني ووضع محمد الشيرازي تحت الإقامة الجبرية ومعظمهم سافر إلى الخليج وأوربا وعادوا إلى العراق بعد التغيير مباشرة وهم يقدمون الولاء لكربلاء تحديدا على كل ولاء وحاولوا الاندماج والمشاركة في النظام السياسي الجديد في العراق.
هرب جمع من الشباب الذي انخرطوا في تنظيمات سياسية دينية خصوصا حزب الدعوة الإسلامية إلى إيران بعد نجاح الثورة فيها، وكانت أفكار معظمهم التي تربت على أدبيات السيد محمد باقر الصدر ومحمد حسين فضل الله وجماعة الإسلام الحركي تتناغم مع أفكار السيد الخميني وحاكمية الإسلام، كما هاجر البعض بدواعي مختلفة كلها تنجمع في جامع مشترك يتمثل في الهرب من السطوة الأمنية لنظام صدام، وقد كانت مدينة قم وجهة الأغلب منهم حيث أنخرط بعضهم في الدروس الدينية بينما بقي الآخرون مهتمون في العمل السياسي والعسكري، وقد سعت الحكومة الإيرانية إلى تنظيم نشاط المعارضة العراقية ووضعه في قالب رسمي تحت إشراف الحكومة الإيرانية تمثل في “المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق” وهو إطار تنظيمي جمعت فيه أحزاب المعارضة العراقية وشخصياتها ذات التوجه الديني والتي تؤمن بفكرة الثورة الإسلامية وإلى جانبه تم تأسيس “فيلق بدر” الجناح العسكري للمعارضة ،وكان الجميع بارتباط تنسيقي وثيق مع الحرس الثوري وشارك فيلق بدر في بعض معارك الحرب العراقية –الإيرانية وقتل بعضهم في تلك المعارك ،كما أن بعض الأسرى العراقيين خرج من السجون الإيرانية والتحق بالمعارضة العراقية ضمن ما يسمى بـ “التوابين”.
لم يكن حزب الدعوة منسجما مع رؤية إيران الإسلامية ولم تروق لهم آلية التعامل، وكانت شخصية السيد محمد باقر الصدر عندهم مقدمة على شخصية السيد الخميني مما أدى بهم للهجرة التدريجية من إيران حيث قصد بعضهم سوريا والبعض الآخر إلى بلدان أوربا، وزادت الفجوة مع تبنيهم لأفكار السيد محمد حسين فضل الله حيث يراهم بعض رجال الحرس كالبعثيين أو أشد خطرا على الثورة ،كما أن الشيرازيين كانوا معارضة واضحة لرؤية السيد الخميني ،وتفكك المجلس الأعلى تدريجيا وبقي متمحورا حول شخصية السيد محمد باقر الحكيم ومن حوله وما بقي من فيلق بدر وأستمر على هذا الحال لحين العودة إلى العراق في 2003.
هاجرت مجموعة أخرى من العراقيين بعد فشل انتفاضة شعبان عام 1991إلى إيران وكانت محطة ترانزيت لمعظمهم حيث سافروا بعدها إلى دول أوربا وأستراليا وأمريكا وبقي القليل منهم في قم وبعض مدن إيران، وتوزعوا ما بين نشاط علمي دراسي وبين نشاط سياسي ضمن الأحزاب والحركات المعروفة سابقا ،فضلا عن وجود تيار جديد أرتبط بظهور السيد محمد صادق الصدر ،ولم تكن كل تلك التقسيمات ذات ولاء وحميمية مع إيران ،بل أن المعظم كان مضطرا بسبب الظروف القاهرة للعيش هناك أو لإقامة علاقة مع الدولة ،وفشلت معظم زيجات العراقيين من إيرانيات ،كما يندر أن تتزوج عراقية بإيراني ،ولم يتعلم معظم العراقيين الفارسية بشكل جيد وقليلون هم الذين يحسنونها وحتى مع تفضيل البعض لإيران كمسكن ذي خدمات جيدة فإن ذلك لا يرفعها كولاء مقدم على ولائهم العراقي ولم ينجح العراقيون بكل توجهاتهم في الاندماج مع المجتمع الإيراني أو لعب دور مهم في الحياة السياسية والعامة الإيرانية.
كان معظم العراقيون المسفرون أو المهجرون أو المهاجرون إلى إيران ولأسباب مختلفة، يقلدون مرجعيات السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر والسيد علي السيستاني والسيد محمد الصدر، ويندر أن تجد من بينهم ممن يقلد السيد الخميني أو السيد علي الخامنائي، والأمر أوضح بالنسبة لشيعة العراق الذين لم يكونوا في إيران.
خلال التحضيرات لأسقاط نظام صدام في عام 2003 شجعت الحكومة الإيرانية جميع الفصائل والأحزاب الشيعية وغيرها ممن لها علاقة بهم بالمشاركة في عملية التغيير والمشهد السياسي الجديد رغم أن أمريكا هي المشرف على المشهد والتي صنفت إيران جزءَ من محور الشر الذي تعاديه، بل تراها رأس هذا المحور وقد توعدت بإسقاط النظام فيها.
تزامنا مع المشهد الجديد في العراق وتأسيس مجلس الحكم حاولت إيران أن تكون قريبة من ترتيبات المشهد السياسي الجديد من خلال علاقتها المباشرة مع القوى السياسية التي قدمت بعد التغيير من إيران مباشرة أو التي احتفظت معها بعلاقات طيبة مع وجودها خارج إيران، بالإضافة إلى القوى الجديدة الصاعدة والتي سعت إيران إلى تكوين علاقة وثيقة معها.
كان الأمريكان يعلنون صراحة عداوتهم للنظام في إيران ونيتهم في تغييره، وربما تكون التجربة العراقية الجديدة منطلقا لمثل هذا التغيير، كما أن البعثيين وبقايا النظام السابق كان وجودهم ملحوظا ونشاطهم باقيا، يضاف إلى ذلك وجهات نظر معظم القوى السنية والعلمانية واليسارية وبعض القوى الكردية السلبية تجاه إيران، كل ذلك مثل هاجسا للقلق والخوف الإيراني من القادم الجديد ،كما أن طموح إيران لأن تكون اللاعب الأساس في الترتيبات السياسية والأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وتقف في الموضع الآمن من أي تحركات أمريكية مباشرة أو بالواسطة ومتطلبات الأمن القومي الإيراني دفعها بشكل قوي لأن تجد لنفسها موطئ قدم في المشهد العراقي عبر تمظهرات متعددة.
لقد ساهمت الإدارة الأمريكية السيئة لملف التغيير العراقي مضافا إلى الموقف العربي السلبي وموجة الإرهاب التي ضربت العراق، والمشهد السياسي المضطرب وطبيعة القوى السياسية والتجمعات المدنية الهشة والمعتمدة بالدرجة الأساس على المساعدات الخارجية وموقف القوى السنية من حالة التغيير ومحاولة التمترس ضد صعود الشيعة للحكم، كلها مثلت بيئة خصبة سمحت للرغبة الإيرانية أن تتحقق في التواجد بشكل ينافس الوجود الأمريكي أو يفوقه.
لقد أنفقت إيران ملايين الدولارات والجهود على مؤسسات وقوى سياسية وتجمعات مدنية عسكرية وثقافية من كل مكونات العراق، كما أنفق المسؤولون الإيرانيون آلاف الساعات من الاجتماعات والأحاديث من أجل أن يكون المشهد في العراق آمننا للأمن القومي الإيراني، وقد كانت أحد الأدوات المهمة لتحقيق ذلك، أن يكون شيعة العراق على رأس السلطة التنفيذية وبيدهم القرار الأهم مما يضمن عدم استعمال العراق بشكل مباشر أو غير مباشر لتهديد المصالح الإيرانية.
إن إصرار المعظم في الداخل والخارج العراقي على “مقولة تبعية شيعة العراق لإيران” الباطلة مفهوما ودلالة يساعد بشكل كبير على إبقاء الأسباب التي أشرت لها والتي سهلت لإيران أن تتواجد بالكيفية التي تتناسب مع أمنها، كما أن من حق إيران أن تسمع بشكل واضح وعلني من كل الأطراف (داخل العراق وخارجه) أن العراق لم ولن يكون جزء من عدوان على إيران أو قاعدة لتهديد أمنها.
كان شيعة العراق على طول تاريخ العراق والحديث منه على وجه الخصوص وطنيين حد النخاع، متيمين بالعراق وحبه، عروبيين حد الإشباع بالعروبة لكن ليس على فصال التنظيمات القومجية، مدنيي التوجه، مولعين بالسيادة والاستقلالية، يكرهون أي انتساب خارج العراق ويفتخرون بأصولهم وجذورهم إليه، ويؤمنون بعراق حر كريم يحفظ الجميع ويعيش فيه الجميع بأمن واطمئنان.
يتضح بشكل جلي من خلال هذا السرد التفصيلي الطويل لكل شؤون شيعة العراق وعلاقاتهم مع إيران، وحقيقة العلاقة الإيرانية مع العراق الجديد وأسبابها، أن هذه المقولة الزائفة هي جزء من بروباغاندا عدوانية مصنعة بعناية في دوائر استعمارية وحلقات كراهية مذهبية وطائفية تستهدف تحطيم وحدة العراق وكسر لحمته الاجتماعية وإدخال المكونات الإسلامية في صراعات مذهبية وطائفية تصب نتائجها في جيوب الأعداء والنفعيين.
وان الذين يصرون على الحاق شيعة العراق بإيران أشخاص يعانون من قلق في نسبتهم العراقية او انتمائهم او في هويتهم ويحاولون افراغ ذلك في مثل هذه التهم الزائفة، وان استمرار هذا الصراخ لن يبني عراقا ولن يصنع سلاما وإن جحود الحقائق الواضحة كوضوح الشمس لا يغير من الواقع في شيء.
ختاما إن العلاقة بالأوطان ليست “مانشيتات” للاستهلاك والدعاية وإنما هي مسؤولية قانونية وأخلاقية وروحية قبل كل شيء لابد أن يتم ترجمتها في حب يتبدى في سلوك جاد من الأخلاص والولاء والعمل للوطن وأهله من أجل أن يعم الأمن والاستقرار وتسود روح المحبة ليعيش “الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم” تحت عنوان المواطنة، وأن الآخرين لن يكفوا عن التدخل مازالت أبواب الوطن مشرعة ولا يعدمون أن يجدوا ألف حيلة وحيلة من أجل أن يتسللوا إلى بيوتنا.