19 ديسمبر، 2024 12:39 ص

مداخلة متداخلة عن ” الدولة العراقية “!

مداخلة متداخلة عن ” الدولة العراقية “!

المسرح ” غير الخشبي ! ” لهذه المداخلة كان في ” بيت الحكمة ” وهو كما معروف اعلى وارقى مؤسسة ثقافية – فكرية في العراق وبأدارة واشراف صفوة من نخبة الإنتلجنسيا العراقية .
في نهاية الأسبوع الماضي كانت هنالك محاضرة خاصة بعنوان ” نحو تحقيق مجتمع عراقي مبدع ” وترأسَ الجلسة فيها الزميل والصديق أ.م.د محمد حسين النجم , وكان صاحب المحاضرة أ.م.د طالب كريم , ومع استحضارٍ مهيّأ مسبقاً للتعقيب وتعزيز وتأييد تفاصيل المحاضرة ! من قِبل < أ.م.د حيدر على حسين – كلية الإمام الكاظم , علوم القرآن وَ أ.م.د اسماعيل مخلف خضير _ الجامعة العراقية , كلية اللآداب , قسم علوم القرآن > ..

لا ريب أنّ عنوان المحاضرة كانَ فضفاضاً , ويحظى بتأييدٍ عاطفي وسيكولوجي على الصعيد الجماهيري , لكنه بدا وكأنه يقفز ويختزل الواقع وما تجري فيه من وقائع .! , ثُمَّ ما هي ضرورة وما هي العلاقة الجدلية أنْ يستقدم المحاضر لأثنين من الدكاترة المختارين من أخصائيي علوم القرآن ” ودونما غيرهم ! ” لتعزيز محاضرته تلك , وما علاقة علوم القرآن بعنوان المحاضرة وتفاصيلها البعيدة عن الدين .! , ولمْ أُعلق على ذلك .!

لا أدري لماذا بدأ المحاضر حديثه بربط عنوان المحاضرة الجميل بفقدان او الأفتقاد للهوية الوطنية .! حيث برّرَ او سوّغَ ذلك اولاً الى أنّ الملك فيصل الأول < كأوّل ملكٍ للدولة العراقية التي استقلّت بعد التحرر من العثمانيين واندحارهم > فأنه لم يكن عراقياً وأنّ مستشاره الثقافي كان سوريّ الجنسية , وكأنّ ذلك يعني فيما يعني أنّ نشأة الدولة لم تكن عراقية .!

في مداخلتي ذكرتْ : لم تتوفّر في تلك الحقبة شخصية قيادية عراقية لتمتلك من الكاريزما التي تجعل الجماهير تلتفّ حولها , ولا حتى وجود شخصية عراقية بمقدورها أن تفرض نفسها على الجميع من رؤساء العشائر وسادة الأقطاع وشيوخ القبائل والمثقفين وعموم المجتمع , ثُمَّ أنّ ايَّ ملكٍ يجري تنصيبه فينبغي أن يكوم منحدراً من سلالة ملكية ” وهذا أمر متعارف عليه عالمياً ومُثبّت او مشار اليه في الأنسكلوبيديا او دائرة المعارف البريطانية ” , ولعلّ الأهم من ذلك , فبعد الخروج من ثنايا العباءة العثمانية عربياً , فلم تكن الأعتبارات القطرية والحدود وما الى ذلك سائدةً كما اليوم , ولعلَّ انسبَ استشهادٍ نوعيٍ لذلك ! فأنّ ” نوري السعيد ” كان يُشغل منصب رئيس اركان الجيش العربي الذي قاتل العثمانيين , وقد كانت معظم قيادات وضباط ذلك الجيش المتشكّل من العراق ومصر والحجاز وسوريا وليبيا , وقد جرى في حينها تعيين او انتخاب الفريق الركن عزيز المصري قائدا للجيش العربي , لكنه استقال بعد يومٍ واحد من منصبه لشعوره بالإحراج من مقاتلة الدولة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة تحت الراية الإسلامية .!

وانتقلتُ الى فقرةٍ اخرى في مداخلتي , وأشرت الى أنّ ” تحقيق مجتمع عراقي مبدع – وفق عنوان المحاضرة ” فينبغي أن تغدو له مقوّمات أساسية , فيتوجّب اولاً في بدايات ذلك العودة الى القانون الألزامي لمكافحة الأميّة وفرض التعليم الأوّلي على كافة افراد المجتمع وبأعمارٍ مختلفة , حيث انبثقت ! الأمية ثانيةً واستفحلت واستشرت بعد الأحتلال الأنكلو – امريكي في ظلّ الحكومات التي اعقبت او افرزها الأحتلال , ثمّ يجب ايضاً العودة الى ” التجنيد الألزامي ” الذي كان سائداً في سنوات الدولة العراقية سواءً في العهد الملكي او الجمهوري والى غاية صبيحة يوم 9\4\2003 , حيث أنّ التجنيد الألزامي ليس لأغراض الدفاع عن العراق فحسب , وإنما لمضاعفة تجسيد لحمة النسيج الوطني والأجتماعي للشعب العراقي .

وبأختزالٍ للحديث , فقد أثارَ وأجّجَ دهشتي واستفزّها , عدم تطرّق المحاضر الى تعرّض الهوية الوطنية العراقية الى ” خدوشٍ ما ” جرّاء الولاءات الخارجية لساسة السلطة منذ 15 عاماً , وما تسببه ذلك في الجرح والنزيف العراقي المتدفّق .!

والى ذلك , فَلمْ ارَ ولم أستقرئ ما يوحي او يومئ فعلياً وعملياً الى ” نحو تحقيق مجتمع عراقي مبدع ” ولو بصيغة الحد الأدنى .! , ولا ابتغي هنا الإشارة الى كيفية بلوغ مرحلة الإبداع في ظلّ الأفتقاد الى الخدمات الحياتية الأدنى والقصوى للمجتمع , والذي يجاهد الكثيرون فيه لتوفير متطلبات قوُتهم اليومي .!