والآن جاك بينه وبين مقدمة سحابة أورط الذي يقبع فيه الثقب زهاء 70% من السنة الضوئيّة، أي قطع مسافة تناهز 2840 مليار كيلومتر حتى الآن باعتبار أنّ المسافة بين الأرض ومقدمة السحابة سنة ضوئيّة واحدة.
هذه المنطقة فيها بصمة بخار الماء غزيرة جدًا، والسبب أنّها ملآنة بالمذنبات وبعض الكويكبات وواقعة إلى حدّ ما تحت تأثير حرارة الثقب الأسود الذي يُحدث إذابة نسبيّة للجليد فيها بكلّ أنواعه سواء مائيّة أو ميثانيّة، لكن تأثير جاذبيته على الشراع ما زال ضعيفًا جدًا.
ظلّ كلّ شيء على ما يرام، عملية السبات الفضائيّ تقوم بها إيريكا300 للروّاد الثلاثة، والغذاء المستخرج من أنبوبة ممتدة من داخل الجهاز إلى خارجه، وعملية البناء الضوئيّ للطحالب، وبطاريّات النظائر المشعة تؤدّي وظيفتها كما خُطط لها، وحدثت مشكلة ..
وجود عجز في مخزون الماء، فمن المفترض أنّ خزان الماء به خمسون لترًا منه كما عايرها كازو .
قال كازو لجاك:«كم كوبًا شربت أمس؟»
ردّ جاك:«لترًا واحدًا.»
وتبعته جوليا مباشرة وقالت نفس قوله ثم كازو.
قال جاك:«يصبح المتبقي سبعة وأربعين لترًا.»
قال كازو:«لكن الحوض فيه ستة وأربعون لترًا من الماء فقط.»
قال جاك:«هل هناك أحد غيرنا؟ أين ذهب اللتر إذن؟» ثم وجه كلامه إلى كازو خاصة وقال:«افحصْ وعاء التخزين فلعلّه يُسرّب.»
ردّ كازو:«فحصته، ونقص المياه هذا لحظته منذ أيام ليس أمس فحسب.»
قال جاك مازحًا:«لعلّ على الشراع رائد رابع ونحن لا نعلم، أليس كذلك يا كازو؟»
ثمّ نظر إلى جوليا وقال:«أليس كذلك يا جوليا؟»
نظر كازو وجوليا إلي جاك ثمّ أطرقا رأسيهما ولم ينبسا بكلمة واحدة، أطرقا يأسًا واستسلامًا.
ومرّتْ بضعة شهور ولقد تغافل كازو عن الأمر حتى لا يُجنّ.
وذات مرّة سمع جاكُ وكازو صراخ جوليا فانتبها،فلمّا تتبّعا مصدر الصوت وجداه نابعًا من وحدة الخدمات، ولقد انتبهتْ إيريكا لصوتها قبلهما، كأنّ الصوت ورد إلى أذنيْها قبل أن تصدره جوليا.ولقد توجّهت بعينيها تلقاء وحدة الخدمات قبل أن يوجّه جاك وكازو أعينهما كأنّها تنتظر الصراخ.ولقد قررّت الصمت والسكون مكانها.
هرولا، فوجدا جوليا بجانب وحدة ال MOF.
قال جاك مفزوعًا:«ماذا حدث؟»
ردّت عليه جوليا:«لقد تلف جهاز ال MOF ؛ سنموت عطشًا، وبولنا لن يكفي بتاتًا عند إعادة تدويره.»
رد ّعليهما كازو:«لعلّ وحدة الطاقة غير متّصلة به.»
ردّتْ جوليا:«وحدة الطاقة متّصلة، لو توقّف الجهاز عن العمل سنموت جميعًا.»
قال كازو:«وقد يكون هناك حائل يحول بين وصول الهواء والهياكل المساميّة الداخليّة للبللورات التي تُخزّن جزيئات الماء.»
نظر جاك إلى أسطح المواد العضويّة لMOF فوجدها عارية تمامًا، أي معرّضة للهواء، ثمّ نظر إلى المولّد الحراريّ للنظائر المشعّة المتصل بالجهاز فوجده يؤدي كفاءته بامتياز.ولم يبق إلا المزدوجة الحرارية فنظر إليها فوجد سلك التوصيل بينهما انفصل لكنّه غير بائن تمامًا، فوصّله، وبدأ الجهاز يعمل ويولد الماء، فحمد الربّ.
ولقد كانت تعلم إيريكا أنّ سلك التوصيل منفصل لكنّها آثرت أن يداخلهم الرعب حتى تتحطم معنوياتهم شيئًا فشيئًا فيسهل عليها التخلص منهم فيما بعد.
ولقد آثار ذلك الحدث حفيظة جاك حول معرفة السبب في نقص المياه بمعدل لتر يوميًا، فالأمر أصبح جلل وهم قد يحتاجون إلى هذا اللتر الذي يُفقد يوميًا في يوم ما.
بقلمي : ابراهيم امين مؤمن