18 ديسمبر، 2024 11:46 م

من سوء حظي  دعيت إلى ندوة في إحدى الوزارات وكان موضوعها التعريف ببرنامج السياسات العامة التي ستقوم به إحدى الوكالات الأجنبية المتخصصة وشدني إلى الموضوع الرجل الذي تولى شرح البرنامج فهو في أواخر العقد السادس وربما تجاوزه بقليل تكلم باختصار شديد عن سيرته الذاتية ودهشت عندما قال بأنه كان سفيرا لبلاده في إحدى دول الخليج وانه شغل منصب المستشار الأقدم لسنيين لرثيس حكومته وشدني أكثر طريقة تناوله الموضوع بلهجة مصرية تتخللها عبارات لبنانية مع بعض الكلمات العراقية التي ينطقها بصعوبة . حاول الرجل جاهدا أن يوصل فكرته للحضور مستعينا بوسائل الإيضاح ضاغطا على مبدأ بان الدولة التي ليس لديها مستشارين وخبراء في رسم السياسات العامة للحكومة في مختلف المجالات لن تكون قراراتها سليمة وان مكاتب السياسات العامة تعتبر من أهم الأنشطة الحكومية في العالم بل تطور الأمر  في بعض الدول إلى تأسيس مكتب في كل وزارة. ثم شيئا ما حول انتباهي عنه وجلت بنظري إلى الحضور وخاصة الصفوف الأولى وتاه فكري بمتاهات الوظيفة العامة ونزل بي إلى قاع العمل اليومي بكل الفوضى والتخبط وضعف الأداء والقرارات المرتجلة والتسيب والسطحية المهنية والفكرية والتملق والتسلق والتعلق بأذيال المسؤول والهدر في المال العام وتسمر في راسي هذا النزيف اليومي للمال العام  الذي فشلت كل الإجراءات في إيقافه لا هيئة النزاهة ولا مكاتب المفتشين العموميين ولا الرقابة المالية هذه المؤسسات التي حدد دورها في مكافحة الفساد الإداري والمالي أصبحت منتفخة بهياكلها التنظيمية وبإعداد موظفيها وبالامتيازات  وأصبحت بالكاد تستطيع إدارة شؤون منتسبيها الإدارية وتعاني من نقص في الخبرة والمعرفة بعد إن عمد القائمين عليها  توظيف من غير ذوي الاختصاص ومن حديثي العهد بالوظيفة .من الذي يقوم بتقويم أداء هذه المؤسسات؟ و ما هي معاير التقييم بعدم وجود أي خطة رصينة واضحة المعالم لمكافحة الفساد. والسؤال المهم من أين يبدأ تسرب المال العام ليندفع بقوة شلال يصعب ليس إيقافه بل الوقوف تحته؟ يمكن القول البداية من أعالي المؤسسات ليجرف قاعها. وان قامت الحكومة بحملة وطنية لمكافحة الفساد فهل ستكون خارطة طريقها تنزل من الأعلى إلى الأدنى ، ولو استبعدنا جرائم الفساد الكبرى كونها تحتاج إلى وثائق وفيها تشابك سياسي ودولي ولها مسارات خاصة في إيقافها أو الحد منها ، فان باقي حالات الفساد وخاصة ما يتعلق منها بالمال العام مغطاة بقوانين  وأنظمة وتعليمات ويصعب تسميتها في هذه الحالة جرائم فساد سيما وان في مؤسسات الدولة بعض الموظفين يجيدون تفسير القوانين والتعليمات بما يأتي على هوى المسؤول. فالعديد من القوانين والأنظمة والتعليمات والأوامر أصبحت ثقبا في كبيرا في رداء الدولة ينساب منه المال العام وخاصة ما يتعلق منها بامتيازات رؤساء الدوائر ووكلاءهم والمدراء العامين ومن الأمثلة لا الحصر،تضخيم مكاتبهم والمغالاة في التأثيث وشراء الأجهزة  و استخدام العدد الكبير من العجلات وما يتبع ذلك منصرف الملايين كمخصصات وقود وزيوت وإدامة ومكافآت وإنفاق الملايين على ايفاداتهم خارج البلاد حتى أصبحت سنة العمل الفعلي لبعضهم لا تتعدى الشهر، وهدر الملايين من الدنانير على المطبوعات التي تصدر عن مؤسساتهم كالمجلات والصحف والمنشورات التي لا يقراها حتى موظفي المؤسسة وغير ذلك الكثير والكثير . الم يحن الوقت لإنشاء (مقصلة القوانين) وهو منهج تنظيمي تعاملت به العديد من الدول كأحد أدوات سياسة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد ، حيث يتم جرد وتمحيص ومراجعة القوانين والأنظمة والتعليمات والأوامر ثم إزالة أو بتر التي صارت عبء على ميزانية الدولة ومنفذ قانوني لهدر المال العام والفساد الإداري.