القسم السادس
إيقاف أوامر التعيينات في جميع المؤسسات والوزرات والهيئات المستقلة .
كلما جاء دور البحث في إحدى المقررات ، إكتشفت سذاجة تفكير وسطحية متخذيها في معالجة الأزمة المالية ، كما إزددت يقينا بعدم إمكانية الإصلاح والتغيير ، مع وجود من يروج لما يمكن أن يكون نوعا من إشغال المواطن بما يزيد همومه ، لكني لا أرغب في تشخيص العيب في المروج قبل المروج له وإن كان الإثنان على خطأ ، وحسبي أني ومع اليقين الاول ، وجدت المروج أكثر جهلا إن لم أقل أكثر بلادة وغباء من صانعي المقررات ، أو المنشورات لأغراض لا تمت بصلة إلى خدمة المواطن كرافد يصب في نهر الصالح العام ، من خلال تقديم المعلومة غير الصحيحة في اللفظ ولا السليمة في الجوهر ، ففي موضوع هذا القسم يكون الأصح إيقاف التعيينات وليس أوامر التعيينات ، لأن الأوامر كاشفة لقرار التعيين المستند إلى الوساطات مدفوعة الثمن أو المتحققة بفعل المحاصصة العرقية والطائفية والمذهبية من غير حياء أو خجل . وكلا الطريقتين لا تتوقف لأي سبب كان ، ما دام فيهما نصيب من التمويل المالي للأحزاب الحاكمة من خلال لجانها الإقتصادية ؟!. وما دام هنالك باب ثان ومصدر للتمويل يدر ذهبا ، ألا وهو مدارس ومعاهد وكليات ما يسمى بالتعليم الأهلي ، الذي ينثر أشباه وأنصاف الخريجين على قارعة الطريق ، مطالبين بالتعيين منافسين لخريجي المدارس والمعاهد والكليات الحكومية ، بعد رفضهم من القبول فيها لتدني معدلات تخرجهم منها ، وكذلك خرجي الدارسة على نفقتهم الخاصة خارج العراق ، وجميعهم من خريجي التعليم الأهلي المخالف لمبدأ مجانة التعليم الحكومي ، وهم من أبناء المسؤولين والميسورين الممهد لهم طريق التعيين قبل غيرهم من الفقراء والمساكين ، من أبناء ذوي الدخل المحدود جدا ، ومن يعمل بجهده لكسب قوت يومه بدون حماية من شر وجائحة الجوع المستطير .
إن إيقاف التعيينات في دوائر الدولة لا يتعلق بالأزمة المالية فيما لو كانت إدارة السلطات واعية ومدركة لجميع الحالات الموجبة لإتخاذ مثل ذلك الإجراء ، مثل معالجة مشكلة السبب في ضخ الخريجين الفائضين عن الحاجة ، كونهم من غير مخرجات خطة القبول المركزية للطلاب في المعاهد والكليات الحكومية ، وذلك بإغلاق المدارس والمعاهد والكليات الأهلية ، أو سد منافذ المنافسة غير العادلة ، بجعل تعيين خريجي التعليم الأهلي داخل وخارج العراق في القطاع الخاص دون العام ، وكذلك النظر في معالجة ترهل جسد الهياكل التنظيمية للوظيفة العامة ، الناشيء عن فرط التعيين بدون مسوغات حاجة التنمية المستدامة لكافة المجالات ، أو متطلبات تنسيق الملاك لمعالجة البطالة المقنعة وإبعاد العناصر غير الكفوءة التي إتخذت من الوظيفة وسيلة لتحقيق مآربها غير النزيهة ، كما إن التعيينات مطلوبة لإستمرار وإستكمال حركة دورة العمل بإحلال من يخلف من إنتهت خدماتهم لأي سبب وبأية طريقة كانت . كما أنها ضرورية عند التوسع في إستحداث أماكن العمل المنتج لزيادة إيرادات الخزينة ، وإحداث التوازن بين النفقات والإيرادات . ومواجهة تحديات الأزمة بغير وسائل الإستجابة لإستفحالها ، تحقيقا لرغبات دول الجوار في مساعيها الرامية إلى تصدير منتجاتها إلينا ؟!. وتعطيل معاملنا ومصانعنا وشل قدرة الأيدي العاملة لدينا في توفير ذات المنتجات ، وزيادة حجم ونوع البطالة في وطننا ، نيابة عن قرار ذيولها في منع التعيينات من غير ذي هدف أو جدوى نافعة وغير ضارة ؟!. بزيادة ضعف التوجهات الوطنية في الحلول والمعالجات ، سيما وأن منع التعيينات لم تحققه قوانين الموازنة المالية الموجبة لذلك لسنين خلت ؟!.
لقد أوضحنا في خمس مقالات منشورة بعنوان ( كيفية تحديد الحاجة الفعلية إلى القوى العاملة ) ، وهي عبارة عن ملخص لبعض ما تضمنه كتابنا الموسوم ( في قانون الخدمة المدنية- التعيين والتثبيت وإحتساب الخدمات – دراسة تحليلية للنص القانوني والتطبيق العملي ) المودع لدى دار الكتب والوثائق ببغداد بالرقم (635) لسنة 2010 . لمن أراد الإطلاع على تفاصيل الحقوق والواجبات العامة للأفراد ، المستمدة من مجموعة القيم والمباديء المستندة إلى الفلسفة الإجتماعية لطبيعة المجتمع ، وحاجات ومتطلبات تقدمه وتطوره وإزدهاره ، القائمة على مبدأ تكافؤ الفرص ، المؤدية إلى كفاية النظام التنظيمي للتشغيل ، بما يؤمن الإرتقاء بمستويات ممارسة حقوق الإنسان ، وزيادة حجم الإنتاج كما ونوعا ، تجسيدا لمباديء التكافل الإجتماعي والعيش المشترك والرغيد ، وتحمل مسؤولية إدارة الدولة في توفير مستلزمات الحياة العامة ، وتحسين المستوى المعاشي بمقاييس الضمانات المستقبلية ، التي يستند إليها عند سن القوانين العامة والخاصة على حد سواء . وليس بما يترتب عليهما من تفضيل البعض على البعض الآخر دون وجود مبرر لتلك ( المفاضلة ) ، القائمة على أسس غير مهنية ولا نزيهة ، المشجعة لمرضى القلوب والنفوس المصابة بداء نقص الوجاهة الإجتماعية والقصور الفكري ، على إتباع كل وسائل وسبل وأساليب الفساد الإداري والمالي ، المتمثلة في الوساطة والرشوة والتشبث بالمحسوبية والمنسوبية ، وقوى التأثير السلبي للعلاقات الحزبية والشخصية الأنانية ، المغذية لعوامل وعناصر ومقومات روح الفساد العام وإنعاشه وإنتعاشه ، بغية الحصول على بعض المكاسب والإمتيازات ، على حساب إستحقاقات الأفضل والأجدر كفاءة وخبرة مهنية ، على الرغم من الإجماع الشكلي على رفضها مبدئيا وتحريمها شرعا وإدانتها أخلاقيا وإنسانيا .
إن نقطـة الشـروع فـي البنـاء الإداري وتحدیـد أعـداد المـوظفین لـدوائر الدولـة ، تحددها زیــادة حجــم العمــل وتطــور نوعیتــه ، مثلما تــتقلص الحاجـة بفعـل مـؤثرات إنخفـاض عوامـل الإنتاجیـة أو إسـتخدام الوسـائل الحدیثـة فـي التنفیـذ ، إضـافة إلـى مـا یرافـق ذلـك مـن ظـواهر التعقیـدات الإداریـة ، التـي تـزداد وضـوحا كلمـا توسـعت الدولـة فـي أداء الخـدمات للمـواطنین ، حیـث یـزداد الجهاز الإداري ویتسع من الناحیتین الكمیة والنوعیة . وفــي كــل الأحــوال ، لا بــد مــن وجــود وحــدة قیــاس ، تعنــى بتحدیــد عــدد الفـائض والعجـز مـن المـوظفین ، لأن مـن غیـر الممكـن الركـون لعوامـل التوسـع العشــوائي فــي الأجهــزة والمؤسســات ، إلــى حــد ترهــل الهیاكــل التنظیمیــة بمــا لا ینفــع تنفیــذ خطــط التنمیــة الشــاملة ، أو یســتنزف قــوة العمــل الفاعلــة بالبطالــة المقنعـة ، ممـا یتوجـب علـى الدولـة وهـي غیـر القـادرة علـى إسـتیعاب جمهـور العــاطلین عــن العمــل فــي الــدوائر المملوكــة لهــا ، بأن تســعى وبكــل قــوة جهــدها المتمیـز ، إلـى تشـجیع العمـل فـي القطـاع الخـاص ودعمـه وتنمیتـه ، بمـا یمكنـه مــن منافســة مؤسســات الدولــة الإنتاجیــة والخدمیــة ، مــع تفعیــل وزیــادة حجــم الإســتثمارات فــي مختلــف المجــالات والأنشــطة الإنتاجیــة ، خاصــة الصــناعیة والزراعیـة منهـا ، مـع إسـتغلال قـوة ثرواتهـا وعوائـدها المالیـة فـي البنـاء والإعمـار المنــتج ، لترســیخ قواعــد الأمــن الإجتمــاعي علــى أســس الإســتقرار المطلــوب ، الضامن لدیمومة وإستمرار مقوماته بالشكل الصحیح والسلیم . وعليه نجد في المراجعة المهنية الخالصة ، أداة إنقاذ بعض ما شهدته الوظيفة العامة من أنواع المتغيرات السلبية والعقيمة ، التي فرضها تدخل الطارئين بشعارات الإصلاح والتغيير الخالية من قواعد وآليات العمل العلمي والرصين ، مع إهمال تأثير ظروف مقتضيات ومتطلبات الحالة الإقتصادية والإجتماعية غير المستقرة التي صنعها الإحتلال البغيض وأزلامه من الرعاع .