أنشد محمد بن عبد الباقي‌:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة بمموه و مكفر ومكذب‌
‌(المنتظم18/13).
قال نجم الربيعي في مقولة نسبها الى علي بن أبي طالب” هذا الكلام كتب في نهج البلاغة، هذا الكلام مشاهدي الكرام من (1400) سنة، هذا جاء في كتاب عظائم الدهور لأبو علي الدبيزي، ستستمعون كيف قال الإمام علي عن هذا (يقصد وباء الكورونا) فإستمعوا: يقول الإمام علي، عندما تحين العشرون، قرون وقرون، وقرون، تجتاح الدنيا كورون،، من فعل البشر الضالون، فيُميت كبارهم، ويستحل صغارهم، يخشاه الأقوياء، ولا يتعافى منه الضعفاء، يفتك بساكني القصور، ولا يسلم منه ولاة الأمور، يتطاير بيتهم كالكرات، ويلتهم الحلقوم والرئات، لا تنفع معه حجامة، ويفترس منامط لثامة، يصيب السفن ومن فيها، وتخلوا السحب من راكبيها، تتوقف فيه المصانع، ولا يجدون له من رادع، مدٌه من خفاش الصين، وتستقبله الروم بالأنين، وتخلوا الأماكن من روادها، وتستعين الأقوام بأجنادها، يرج منه روم الطليان، ولا يشعر من جاورهم بإمان، يستهينون بأول إجتياحه، وييأس طبهم من كفاحه، يتناقلون بينهم أخطاره، ويكتشفون بلا نفع أسراره، يخشاه الأخيار، والفساق، ويدفنون ضحاياهم في الأعماق (الله!! معبر عن إعجابه)، تتعطل فيه الصلوات، وتكثر فيه الدعوات، وتصدق الناس ما يشاع، وتشتري كل ما يباع، ممالك الأرض منه في خسارة، تعجز عن محاربته وإنحساره، في زمان قل الصدق في التعامل، وشح الإحسان في المقابل، ثم تنكشف (يا الله! تعبير من الجبوري) الغمة عن الأمة، بالرجوع الى الله تأتي التتمة، وتستكين الضال المستهمة بالتضرع الى الله والصلاة على الأنبياء والأئمة”.
وختم الربيعي بالقول” سلام الله عليك ابو الحسن، وعلى هذا العلم والسر المستودع فيك، وكيف لا وانت سيد الأوصياء، وأبلغ البلغاء”
سنترك الأخطاء الإملائية والتوصيفات التي لا توجد في زمان علي بن أبي طالب، لكن أي إنسان له القليل من العلم والمعرفة بالتأريخ والشعر، او المنطق أو التعقل على أقل تقدير في إبداء الرأي، سيكتشف على الفور فبركة هذه (القصيدة) المزعومة، فهي لا يمكن أن تصدر عن علي بن أبي طالب، ويفترض بالربيعي ان يرجع الى كتاب نهج البلاغة على للتأكد من صحة الكلام قبل أن يتقيأ به على الجمهور، ويكون إضحوكة للمشاهدين.
لنتحدث اولا عن كتاب نهج البلاغة.
من المعروف ان كتاب نهج البلاغة منسوب الى علي بن أبي طالب، وهو من تأليف الأخوين الشريف الرضي والمرتضى، وفيه من التناقضات الكثير، والف بعد موت علي بأقل من (400) عام، ولا يوجد أي سند في الكتاب يمكن الرجوع اليه للتأكد من صحة نسبه الى علي، والكتاب يحتوي على مصطلحات صوفية وعلمية لم يكن لها وجود في زمن علي ولا بعده أي خلال الخلافة الأموية، وانما تعرف عليها المسلمون بعد ترجمة الكتب عن الأغريقية والفارسية والهندية وغيرها، كما انه في عهد الراشدين الأربعة وما تبعهم من العهد الأموي، كانت خطب الخلفاء قصيرة ومقتضبة، وليست طويلة ومملة كالخطب المنسوبة الى علي بن أبي طالب والتي تضمنها كتاب نهج البلاغة.
كما تضمن الكتاب مزاعم حول معرفة علي بالغيب وهذا أمر مرفوض فـ (علم الغيب المطلق) شأن رباني بحت، وما صدر عن الرسل من (علم غيب نسبي)، إنما هو بوحي من الله اعطاه لمن أرتضاه من رسل فقط، وليس من أنبياء، قال تعالى في سورة الجن/26ـ27 ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)). وليست من عند الرسل والأئمة، ودليلنا قوله تعالى في سورة النمل/65((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ))، وقال مخاطبا المصطفى في سورة الأعراف/188 (( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))، وفي سورة الأنعام/59 (( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)). وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان في قوله تعالى (( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) الآية/34، وهنا لا يمكن ان نضع علي في موقف العالم بالغيب لأنه ليس برسول وإنما هو مجرد صحابي، بمعنى ان معرفة علم الغيب من قبل البشر، تعني الشرك بالله تعالى.
كما تضمن كتاب نهج البلاغة معلومات تفصيلية عن تشريح الحيوان والحشرات واسماء اعضائها الداخلية، وهو أمر لم يتعرف عليه المسلمون الا في العصر العباسي، وتضمن الكتاب خطب ينتقص فيها علي من الخلفاء الراشدين قبله تارة، ويمدحهم تارة، وهذا ما يقال عن حديثه عن الصحابة، فلا تعرف أيها الصحيح منه. لو رجعت الى المصادر التأريخية الشيعية الأولى للمسعودي واليعقوبي والجاحظ وغيرهم، ستجد ان خطب علي قليلة ومحدودة للغاية ولا تتجاوز بضعة عشرات، فمن أي مصدر يا ترى إستقى الشريف الرضي وأخيه المرتضى مئات الخطب، سيما انه لا يوجد أي سند تأريخي لها؟
للمزيد من المعلومات حول كتاب نهج البلاغة، يمكن الرجوع الى كتابنا (إغتيال العقل الشيعي)، ففيه مبحث كامل عن هذا الموضوع.
ورد في كلام علي بن أبي طالب حسب قول الربيعي” بالتضرع الى الله والصلاة على الأنبياء والأئمة”.
نسأل الربيعي: من هم الأئمة في زمن علي كما ورد عن لسانه؟
وهل يجوز الصلاة على الأئمة؟ اليس في هذا خروج عن قوله تعالى في سورة الأحزاب/ 56 ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)). هل قال تعالى صلوا على الأئمة يا ربيعي؟
وهل يجوز التضرع الى الأنبياء والأئمة؟ ألا تعرف قوله تعالى في سورة يونس/106 (( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ)). قد ظلمت نفسك ومن سار بدربك.
نجم الربيعي على الرغم من مواقفه الوطنية، لكنه لا يستطيع ان ينزع عنه ثوب الطائفية مهما حاول ذلك، وهذا ما يمكن أن تستشفه من خلال لقاءاته المتعددة مع السياسيين العراقيين، فأي سياسي يؤكد ان الشيعة هم من يدير دفة الدولة، يعترض الربيعي على الفور مدعيا أن أهل السنة أيضا مشاركون في العملية السياسية، وهو يعلم تماما ان الملف الأمني والإقتصادي والسياسي بيد شيعة السلطة، وسياسيو أهل السنة ليسوا أكثر من ديكور مزيف، فلا حول لهم ولا قوة، والبعض منهم اكثر تشيعا وتفرسا من الشيعة الولائيين أنفسهم، وهذا ما يقال عن رجال الدين من أهل السنة كالصميدعي وخالد الملة وعبد اللطيف الهميم وعبد الغفور السامرائي، جميعا كان همهم الأول والأخير زيارة قبر الخميني وإبداء الطاعة للخامنئي، وهم مستعدون لتقبيل نعل الولي الفقيه للحفاظ على إمتيازاتهم. وعندما يستضيف الربيعي أحدهم في برنامجه ويناقش موضوع إستهداف أهل السنة خلال الحرب الأهلية عام 2006 ينفعل على الفور ويزعم ان أهل السنة قتلوا عددا من الشيعة، وهو يعلم ان النسبة بين ضحايا الطرفين لا يمكن مقارنتها، كما ان قيام بعض أهل السنة بقتل بضعة عشرات من الشيعة كانت ردة فعل على ما قام به جيش المهدي من جرائم بحقهم، سيما ان القوات الأمنية كانت تساند جيش المهدي في جرائمه، وبرضا القوات الامريكية المحتلة التي كانت تتفرج على مجازو جيش المهدي دون أن تحرك ساكنا. وكان جزار جيش المهدي (حاكم الزاملي) والذي شغل منصب وكيل وزارة الصحة (صار رئيسا للجنة القانونية في مجلس النواب!!)، يستغل سيارات الأسعاف لقتل اهل السنة، واختطاف الجرحى من المستشفيات وتسليمهم الى وكيله في مجزرة مدينة الصدر (إسماعيل ابو درع) ودفنهم في السدة، او رمي جثثهم في الشوارع او في الأنهار ومكبات النفايات. سيما ان القتل على الهوية تضمن تصفية (4000) من أهل السنة لأنهم يحملون اسم بكر وعمر وعثمان، كما أغتصِبت العديد من الحرائر لأنهن يحملن اسم عائشة فقط في السجون العلنية والسرية للقوات الأمنية والميليشيات الشيعية.
من جهة أخرى، لا أحد من الرئاسات الثلاث تتحدث يوما في أي شأن سياسي او غيره إلا وأتى على ذكر (حسب توجيهات المرجعية الرشيدة)، حتى ان المراقب السياسي ليقف متحيرا فيما إذا كانت مرجعية النجف ترفض فعلا ولاية الفقيه أم هي مجرد تقية، لأنه منذ الغزو الغاشم لا يوجد أمر في العراق إلا وكان للمرجعية توجيه فيه، فما فرق السيستاني عن الخامنئي إذن، كلاهما يمارس نفس الصلاحيات؟ علما ان الخامنئي له منصب سياسي وديني في ايران وهو مواطن فارسي، في حين للسيستاني منصب ديني فقط، وهو غير عراقي، ولكنه يتحكم هو وابنه بجميع مقدرات العراق.
ونسأل الربيعي: هل علي بن أب طالب كما زعمت، ام النبي محمد (ص) سيد البلغاء،؟ ومِمن تعلم علي البلاغة، هل من النبي (ص) أم غيره؟
يا الهي، كم يوجد في التأريخ العربي والإسلامي من أمثال الربيعي ممن يساهم في تزوير الأحداث عن دراية أو جهل!
انك يا ربيعي لا تختلف عن اولئك المدلسين الذين نسبوا نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب والآلاف من الأحاديث المزيفة لأئمة الشيعة، وهكذا يُزور التأريخ.
قال شاعرنا الرصافي:
وما كتب التأريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف لأمر الغابرين نصدق
نقول في الخاتمة إذا كان الإعلامي مثل نجم الربيعي لا يفقه في الدين والتأريخ والشعر ولا في عقيدته، فمن الأفضل له أن يحصر كلامه في السياسة فقط، وان لا يحشر أنفه فيما لا يعرفه، وإلا وقع في فخ الجهل والحمق. من المؤسف ان ينزل الربيعي الى هذا المستوى الهابط، بعد أن قدم برامجا ناجحة جدا، سيما تلك المتعلقة بالثورة العراقية الكبرى، وكشف العديد من ملفات الفساد الحكومي، لكن وقعة الشاطر مكلفة جدا، وعليه الإستفادة منها مستقبلا، فخيرنا من إتعظ بأخطائه وأخطاء غيره