23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

مقدمة خامسة(1) لكتابنا؛ (السياسة و الأخلاق؛ مَنْ يحكم مَنْ)؟

مقدمة خامسة(1) لكتابنا؛ (السياسة و الأخلاق؛ مَنْ يحكم مَنْ)؟

جدلية(الدّين و السّياسة)
خلاصة كتابنا الموسوم أعلاه والهامّ الذي كتبناه عام 2003م يضمّ 12 بحثاً مُكثّفاً ركّز على قضيّة جوهريّة, هي مكانة و دور الأخلاق و القيم كأساس للدِّين في تحقيق سعادة الأنسان,
لكن الفصل الظالم للدِّين عن السياسة في ظروف تأريخية مظلمة, كانت من أسوء الأقدار و أكبر جرم إرتكِب بحقّ الناس, لأنه سبّب بمرور الزمن (فصل السياسة عن الأخلاق)!

وقد أثبتنا من خلال 12 مبحثاً بآلأضافة لغيرها(2) هذه الحقيقة المرّة المؤسفة بل الدامية بنتائجها آلتي أهدرت الكرامة الأنسانيّة ومسخت جميع الشعوب .. لِتَسيّد وأسعاد مجموعة مستكبرة على الحقّ والقيم ترى الشهوة و الظلم أفضل وسيلة للأثراء و التسلط خصوصاً حين إستطاعت المجموعة الحاكمة في (المنظمة الأقتصادية العالميّة) السيطرة على منابع المال والأقتصاد والزراعة في العالم.

و المؤسف أنّ جميع الفلاسفة عبر التأريخ, و منذ المرحلة الفلسفيّة الأولى – أيّ زمن الفلاسفة السبعة(3) في العهد اليوناني القديم وإلى الآن قد تنكّروا لفضل الدّين, رغم إن أساس معلوماتهم بشأن الأخلاق والدِّين والغيب كانتْ مُستقّة من الرّسالات السّماوية التي سبقت المراحل الفلسفية السّبعة, إلاّ أنّهم لم يشيروا لهذا المصدر الأوحد للأخلاق و القيم و الأيمان و مسائل الغيب التي تتصل مباشرة بكرامة الأنسان, لأسباب قد تكون ذاتيه ومادّية, وهكذا ظلمَ الفلاسفة بجانب الحُكّام البشر بتنكرهم لمبادئ الدّين من البداية و لحدّ اليوم, رغم إعتقاد الكثيرين من الفلاسفة العقلاء بأنّ مصائب البشريّة اليوم إنّما ولدت بسبب هذا الفصل المُجْحِف, لعدم درك الناس لحقيقة الدِّين و الأسلام رغم وجود أكثر من ملياري مسيحي و بحدود نفس العدد من المسلمين بضمنهم عشرات الحركات و الأحزاب الأسلامية و غيرهم من المؤمنين بآلغيب الذين بدل أنْ يكونوا منطلقا لنشر الأخلاق باتوا منطلقا لنشر الفساد و النفاق و الخبث, و يكفيك أن تدخل مراكزهم أو أية كنيسة أو مسجد أو معبد لترى بعينك تجليّ كل تلك الحقائق المُرّة التي أشرنا لها, حيث يُمكنك أن ترى كلّ شيئ فيها إلا الله الغائب الوحيد في أوساطهم!

في كتابه مناهج الفلسفة، كتب المفكر الأمريكي (ويليام جيمس) قائلاً: [إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية يتم إضافتها سنويًّا إلى القانون في أمريكا]ٍ، و هكذا كندا و بقية الدول الغربية لعدم معرفتهم بفلسفة القانون و بشكل أدقّ لجهلهم بحقيقة الأنسان الذي خلقه الله الذي وحده يعلم أسراره و ما يحقق سعادته و شقائه, و كل تلك الدول تحتاج للأخلاق لا القانون, أو بعبارة أفصح تحتاج لنهج الفلسفة الكونية كي تُغذي مفاهيم و فلسفة القانون, لنكشف من خلالها الأهداف التي تريد تحقيقها.

و لعلّ هذه الإشكالية تقارب الإشكالية التي أرّقت الفيلسوف شيلر، حين أراد العودة إلى سياسة الذات، فعكف في:”الرسائل الأولى من التربية الجمالية للإنسان”على فكرة الدولة كما كانت تتشكل في زمانه، فقد كان شيلر روسي الطبع، كانتي الفكر و التطبّع، فكتب قائلاً حين رأى إنهيار القيم الإنسانية على أعتاب الفظائع الدموية الوحشية للحزب الشيوعي السوفياتي: [لايأتي البناء من السياسي ولامن رجل الدين، ولكن من القدرة على الإرتفاع نحو الروح والجمال، فعندما يضع السياسي أو رجل الدين نفسه في الواجهة على سبيل الشهرة والنجومية، فهو يضع نفسه في الخلف باستخدامه لوسائل الإكراه، القهر، الإبتزاز والترهيب و الترغيب، بيد أنه عليه أن لا يقود بل أن يصاحب، ولا يقول هؤلاء تحت وصايتي و سلطتي، بل يقول هؤلاء إأخواني و بجانبي، فلا يتكلم بمنطق الفَوقية بل بمنطق المَعِيّة].

صحيح أن الفيلسوف أو النبي الذي يعجز عن أداء رسالته من خلال تسييس ذاته ثم فلسفته في المتمع؛ فإن هذا لا يعني عجزهما – أو بتعبير أدق عدم جدوى فلسفتهما – لإنجاح وإدامة الدولة, بل الخلل و كما أثبت التأريخ مرّات و مرّات هو بسبب الشعب نفسه و الذين يحثون الناس بطرق خبيثة نحو مسالك الشيطان من فوق و التي تتجسد اليوم من خلال (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تحكم العالم عن طريق الأقتصاد بمعونة الأساطيل و التكنولوجيا و المال(الدولار).

نحتاج لأنجاح أي مشروع إلى ثلاث عوامل تعمل معا لتحقيق الغاية من الفلسفة التي لا بد و أن يُنَفّذ من خلال نظام إجتماعي متكامل يتساوى بظله الرئيس و المرؤوس و القائد و الجندي لتتحقق السعادة بين جميع البشر و ليس شعب واحد.
الأول: وجود قائد أعلى أمين على الفلسفة الكونية.
ألثاني: وجود فلسفة كونية شاملة تضم المفاهيم و الأهداف و طرق التنفيذ.
الثالث: وجود النخبة التي ترتبط بآلقيادة من جانب و بآلشعب من الجانب الآخر و تعي و تدرك جيداً أبعاد الفلسفة الكونية و فن تحقيقه.

و بذلك يمكننا القضاء بشكل طبيعي على نظام الرأسمالية الظالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي أسّست أسس الفلسفة الظلامية البراغماتية السياسية، التي عرّفت الحقيقة بكونّها؛ (الفكرة التي تنجح) و(الغاية تُبرّر الوسيلة)، وليست الفكرة ذات القيمة الأخلاقية التي تريد تحقيق السعادة للجميع، فصارالتخطيط لسرقة أموال الفقراء مسألة شرعية و قانونية لا يحق لأحد إنتقادها، وهو بنظرها أنجح وسيلة للثراء الذي يصاحبه الظلم والقهر والإستبداد كنتائج طبيعية للحرية بآلمفهوم الرأسماليّ و تلك هي أنجح وسيلة لتحقيق السلطة، فالعالم مجرّد سوق، والإنسان فيه مجرّد بضاعة و أداة للإنتاج والإستهلاك، ولذلك و بسبب فقدان مبادئ الفلسفة الكونية؛ فقد ركبت الكثير من الدول الإسلامية رغم تأريخها وعقيدتها في المنطقة العربية؛ موجة البراغماتية (الرأسمالية) و كان العراق سبّاقاً في هذا المصير الأسود بعد ماعلّقت دواليب الحكم بتلابيب أمريكا ومن معها، ما جعلها تربة خصبة للإبتزازات المالية و الجيوستراتيجية، التي تثري خزائن النظام الدّولي، ليستمر التكبر والطغيان و الحروب في العالم، بحماية الأنظمة الأجرامية في المنطقة و العالم، حتى أنعكست المفاهيم, حيث أصبح المقاوم إرهابيا و الأرهابي إنسانياً، لتتحقق مقولة مصطفى محمود في كتابه (إخلعوا الأقنعة أيها السادة) حين قال: [عصرالتجارة بالكلمات، التخدير بالشعارات، التنويم المغناطيسي بالعبارات، وقيادة الشعوب المتخلفة بهذا الحذاء الساحر..].

سبقه رسولنا الكريم بقول حكيم أدّق: [(يُوشك أن تتداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها), قالوا : أَ وَ مِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (لا ، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن ), قيل: وما (الوهن) يا رسول الله ؟ قال: (حُبّ الدّنيا وكراهية الموت؟).

و اليوم أخمدت حركة الشعوب من قبل أنظمتها التي تتحكم بها الأحزاب و الأئتلافات و المنظمات التي تريد المال لرؤوسائها الذين يوقعون على الصكوك البيضاء بإسم الوطن و المواطن مقابل ضمان السيولة النقدية و الأرباح و الرواتب لجيوبها على حساب جيوب و حقوق الشعب والأجيال المسكينة اللاحقة, لتعيش كل شعوب العالم ألأمرين من الأنظمة الإستبدادية تحت غطاء الليبرالية و الديمقراطية التي تهدف إلتحكم بآلأموال و الأقتصاد و الرواتب و الجيش و الشرطة، و هذا هو مأزق النظام الدولي العاري من القيم الأخلاقية اليوم!

لقد وصلت الصّلافة و فقدان الحياء درجة باتت أعتى الدّول الدّيمقراطيّة في العالم تدعم الحكومات الأرهابيّة لقتل الناس و الأطفال الأبرياء لتحقيق مصالح الفئة الأقتصادية .. بل وتحتقل سنويّاً بآلحروب العالميّة الدّمويّة التي راحتْ ضحيّتها الملايين من البشر, ممّا يعني تجاوز اللاإنسانية إلى الوحشية, بدل أن تخطط للأنتقال بآلناس من حالة (البشريّة) إلى (آلأنسانية) و من ثم إلى الحالة (الآدمية) التي معها تتحقق الفناء في الحق للخلود, وهو أسمى درجات العلو الكونيّ بحسب الفلسفة الكونية العزيزيّة الذي يؤمن بآلتغيير كصفة إنسانية .. لكن بتزكيتها للأعلى لا بدسّها للأسفل عن طريق شحن النفوس بالأخلاق الفاضلة التي يؤكدها ألدِّين فقط لا المدارس الرأسمالية و السّياسية المختلفة التي تؤكد على الكذب وآلظلم و النفاق و التحالفات المشبوهة لأجل المال بسرقة الناس و ظلمهم!
و لا حول ولا قوّة إلا بآلله العليّ العظيم.
الفيلسوف الكونيّ
رابط ألأنضمام لصفحة كروب (الفلسفة الكونية العزيزية)
:https://www.facebook.com/groups/1637330213025598/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إضطررت و بسبب مشكلات الفهم والوعي لدى القُرّاء الأعزاء بما فيهم المثقفين و المفكرين, أن أجعل أكثر من مقدمة و مدخل للبحوث لتبسيطها و تسهيل فهمها و هضمها, لتعميم الفائدة, رغم ما يُكلّفني من جهد و وقت.
(2) بآلأضافة لذلك الكتاب الموسوم بـ [ألسّياسة و الأخلاق؛ مَنْ يَحْكُمُ مَنْ], ألّفنا كتاباً آخر يضاهيه في المعنى و يعلوه في التمدن حيث نظّر للمستقبل من خلال معطيات عديدة, و الكتاب بعنوان: [مُستقبلنا بين آلدِّين و آلدِّيمقراطية].
(3) حكماء الإغريق السبعة: سولون الأثيني، خيلون الأسبرطي، طاليس، بياس البرييني، كليوبولوس، بيتاكوس، بيرياندر.