أستاذ القانون الدولي العام هذه الورقة كتبتها استجابة لنداء الزميل العزيز البروف عبد الإله الصائغ وهي تتضمن تصورنا لمشروع حل مقترح لانتشال العراق من محنته. مقدمة لابد منها: يشعر العراقيون بأن الوضع في البلاد وصل الى نقطة اللاعودة، فمنذ أفول الدكتاتورية عام 2003 ظهرت معضلات تفوق بشاعة الدكتاتورية ذاتها، وبفضل “قيادات” الصدفة ساد انعدم الأمن والنظام في البلاد وعمت الفوضى وتعاظمت مظاهر الفساد المالي والاداري بشكل يزكم الأنوف، واصبحت الحكومة شبه غائبة عن الساحة العراقية، واصبح الدم العراقي أرخص من دم الحيوان، وأصبح الشعب العراقي (فرجة) للعالم. في العالم المتحضر بسبب سبعين فلساً يتم سحب الثقة من الحكومة وفي بلادنا مصير ترليون واربعمائة مليار دولار لا يسأل عنها أحد ! ,مع تعطيل التنمية وانتشار البطالة واتساع دائرة الاجرام والتزوير مع خراب منظومة الاخلاق في المجتمع. كم نهبت وزارة الكهرباء؟ كم وقعت وزارة الدفاع على عقود فاسدة؟ كم ضيعت وزارة التجارة؟ وكم نهب رجل حزب الدعوة عبد الفلاح السوداني؟ ومن هربه للخارج؟ ومن أرجع الطائرة اللبنانية؟ ومن دفع الغرامة للشركة المتضررة؟ وكم نهب أيهم السامرائي من خزينة الدولة؟…..الخ. كيف أن “الدولة” لاتستطيع بسط نفوذها على المنطقة الخضراء فقط؟ وباعتراف السيد رئيس الوزراء نفسه عندما استنجد بنجله! كيف يقوم السيد وزير السياحة والآثار باستحداث موكب لطم الى كربلاء تحت لافتة مكتوبة (موكب وزارة السياحة والآثار) !!! هذه دولة قانون أم دولة هرج وهمج؟ كيف أخذنا نقترب من دولة العشيرة، فظهر من جديد حسين كامل وصدام كامل وأرشد…الخ وشغلوا مناصب سيادية. وصلنا لمرحلة لايمكن السكوت عليها ، لايمكن المجاملة، ولايمكن الخوف. فإذا ضاع العراق فأي شئ يستحق التضحية من بعده؟ لانريد أن نسهب في استعراض مظاهر الفوضى والفساد التي عمت البلاد منذ عام 2003 الى يومنا هذا،لأن الأمور واضحة للقاصي والداني لكننا نكتب الآن وفي حالة اعتراض أحد على جزئية معينة فاننا نمتلك القدرة للايضاح والتعمق لتاكيد وجهة نظرنا في الأمور التالية: أحزاب الإسلام السياسي من كل المذاهب هي أحزاب مجرمة بامتياز وملطخة أياديها بالدماء.(لدينا أدلة مكتوبة وأفلام موثقة، مثلاً ابن الخوئي لم يقتله علماني أو موصلي، وإنما العمل الإجرامي وقع في إطار الأحزاب الدينية المجرمة داخل الروضة الحيدرية ). أحزاب الإسلام السياسي من كل المذاهب هي أحزاب سرقة ونهب المال العام.في ظل حكمها المشؤوم أصبح شعبنا فقير في بلدنا الغني. أحزاب الإسلام السياسي من كل المذاهب هي أحزاب هدم لا بناء أفرزت الإرهاب ” الإسلامي” وبشكل واضح للغاية. لدينا أدلة موثقة لأعمال منحطة قام بها مذهب ” الإسلام الحاكم ” في استفزاز مذهب “
الإسلام المعارض “، ومهد الطريق لتكوين داعش وأخواتها. المرجعيات الدينية الروحانية تركت واجبها الروحاني وأوغلت أنفها في لعبة الصراع على السلطة. (ولدينا أدلة موثقة في تدخل المرجعيات الدينية في السياسة وعدم وقوفها بمسافة واحدة من الأحزاب السياسية الدينية ،كتدخلها بالإنتخابات، والدعاية لفلان أو تسقيط علان، وعندما نقول المرجعيات فنعني هي وليس الاستشهاد بمعممين عاديين) مثلاً كلمة أحد المراجع “الكبار” الخطيرة السخيفة المقززة التي بثتها فضائية البغدادية قبيل الانتخابات البرلمانية، فهي كلمة لمرجع “كبير” وليس شخصاً معمماً عادياً. ما معنى أن نشاهد تشكيلات من الجيش العراقي الرسمي داخل معسكراتها تقوم باللطميات؟ ما معنى أن يشاهد المواطن سيارات الشرطة وهي تطلق أصوات اللطميات من أجهزة المسجلات ؟ لماذا لاتحاسب الدولة زمرة من المرضى والمأفونين التي وقفت أمام جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة واطلقت عقيرتها ( لعن الله عمر…كاسر الضلع عمر)؟. لماذا تحمل تشكيلات الجيش الرسمي أعلام ( يا حسين)؟ ما علاقة سيدنا الحسين بعمل الدولة الرسمي؟ ما معنى أن يستورد العراق باخرة، تنزل ميناء البصرة واسمها (بيعة الغدير)؟ هل ضاقت بهم الأسماء ولم يجدوا إلا هذه التسمية المثيرة للفتن الطائفية؟ يتوجب على الفئة المثقفة وصفوة المجتمع العمل من أجل إنقاذ العراق من المحنة التي يحف بها بسبب جهالة الحكومة وتسوس رؤوس السياسيين المعممين الخامرة. منهجية المعالجة: نعتقد أننا لسنا بحاجة الى مقالات تجريحية وتشهيرية بالحكومة العراقية أو بمعارضيها بل نحن بحاجة الى رؤى ومقترحات تهدف الى انتشال البلاد من الوضع المزري الذي نعيشه. ولذلك فاننا سنطرح المعضلات الرئيسية ونقدم بعض المقترحات التي نرى بأنها جديرة للأخذ بها دون اللجوء الى المجاملات وأنصاف الحلول. لذا سيكون منهجنا في الطرح منهجاً براغماتياً وجريئا خالياً من التزويق اللفظي ومن غير أن نجامل أحدا، لأن الأمر يتعلق بمسقبل البلاد، فسنعتمد منهج دراسة حالة. لذا سوف نشخص المعضلات الأكثر أهمية مع طرح المعالجات المقترحة، هذه الخطة المقترحة صعبة لايتقبلها حكام “الصدفة” المتاجرون بالدين، ولكن إذا اريد للعراق الخلاص من محنته فلابد من التشبث بها، لأن المسألة لا تتعلق بتنحية المالكي واستبداله بآخر حتى لو كان مثل الجلبي (صاحب نظرية البيت الشيعي) أو ابن الحكيم (الذي استحوذ حتى على الساحات العامة في النجف) أو الجعفري ( صاحب التملقات المخجلة التي فضحها بريمر بكتابه الساعة الأخيرة). والمسألة ليست عملية تبديل النجيفي بالجبوري…الخ. العراق يحتاج الى عملية جراحية كبرى للتخلص من سرطان الطائفية الخبيثة والمحاصصة المقيته، وأعترف مقدماً أن هذا المقترح الذي اضعه بين أيديكم صعب للغاية ولكنه يكون سهلا فيما اذا قورن بالخطر الذي يداهم الوطن. تتضمن الخطة النقاط التالية: خطة إنقاذ العراق أولاً: يتم إعلان حالة الطوارئ (المادة 58 – تاسعاً من الدستور) لمدة شهر واحد مع التمديد لمدة أقصاها سنتين غير قابلة للتمديد.
ثانياً: تشكيل مجلس الطوارئ للإنقاذ الوطني يتكون من أقدم عشرة ضباط عسكريين عراقيين ( الأقدمية حسب الأرقام في سجلات الجيش العراقي) مهما كان إنحدارهم الديني أو العرقي أو الطائفي. ويترأس المجلس أقدم الضباط فيهم. ويعطى المجلس كامل صلاحيات السلطة التنفيذية ، وله الحق في الاستعانة بالخبراء والتقنيين من الداخل والخارج لانجاز عمل الدولة. ثالثاً: يقوم مجلس الطوارئ للإنقاذ بمهام السلطة التنفيذية خلال فترة حالة الطوارئ على أن ينفذ الواجبات التالية: 1- إعادة تشكيل وتنظيم القوات المسلحة العراقية وفق متطلبات المصلحة الوطنية ( الجيش والشرطة والأمن والمخابرات). وعلى أن يجري أولاً ضبط حدود البلاد الدولية كمهمة أساسية في غاية الخطورة. 2- حل جميع المليشيات الحزبية وتجريم حمل السلاح في كافة أنحاء العراق. علماً بأن الدستور الحالي “دستور الحاكم الأمريكي للعراق” قد حرم تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة ( المادة 9 ب من الدستور). 3- إعادة هيكلة الوزارات (دون تسمية الوزراء والمسؤولين) وبشكل يخدم تنمية البلاد لفترة ما بعد انتهاء حالة الطوارئ. 4- تشكيل لجنة عسكرية حقوقية خاصة بملف الفساد المالي تقوم بمتابعة واسترجاع الأصول والأموال المسروقة من خزينة المجتمع. والنتسيق مع الشرطة الدولية (الإنتربول) لتعقيب الأموال المهربة للخارج. على أن ينتهي عمل اللجنة مع نهاية حالة الطوارئ. 5- تشكيل لجنة عسكرية جنائية خاصة بملف الإرهاب وجميع أعمال القتل التي تمت إبتداءً من نيسان عام 2003. 6- إخلاء العقارات العامة والبنايات، التي تؤول ملكيتها للمجتمع كالقصور الرئاسية ومقرات الحزب المنحل وما شابهها، وإجبار الأحزاب السياسية والمليشيات الحزبية على إخلائها. 7- إجراء إحصاء سكاني للبلاد يعد له إعداداً يضمن توفير المعطيات والمؤشرات التي تخدم عملية التنمية البشرية. رابعا: تنتهي حالة الطوارئ وتعاد السلطة للمدنيين ويحل مجلس الطوارئ للإنقاذ بعد قيامه بالواجبات المناطة به بعد المدة المحددة له ( سنتين كحد أقصى). خامسًاً: على المرجعيات الدينية كافة الالتزام بعدم تدخلها في السياسة وحصر نشاطها في المجال الروحاني داخل مؤسساتها الدينية. سادساً: خلال فترة الطوارئ يتم تكليف لجنة متخصصة في القانون الدستوري وذلك لإعداد مسودة دستور عراقي بديلاً لدستور بريمر الملئ بالمطبات والألغام. ويجري الاستفتاء على الدستور باقتراع شعبي عام. سابعاً: يلغى قانون اجتثاث البعث، ويقدم للعدالة أي شخص متهم بقضايا جنائية سواء كان بعثياُ أم غير بعثي. لأن سياسة الاجتثاث ومحاربة الأفكار المعارضة هي سياسة تقع خارج نطاق الديمقراطية الحديثة، وتؤدي بالضرورة الى تنمية الحقد والكراهية. ثامناً: تلغى كافة الامتيازات المالية لاعضاء البرلمان والدرجات الخاصة والتي أصبحت ظاهرة مخجلة ووصمة عار على جبين السياسيين الذين يلهثون من أجل مصالحهم الخاصة في الوقت الذي يعاني
المواطن العراقي أقصى درجات الاهمال والتهميش. تاسعاً: إعلان الدولة عن فتح باب التطوع للفدائيين العراقيين التكنوقراط لا للتضحية بأرواحهم بل للعمل في الدولة خلال فترة الطوارئ وبدون مقابل. فإذا كانت داعش المجرمة أو غيرها من المنظمات الإرهابية تجعل من أفرادها يؤمنون بطروحاتها حتى الموت فأن العراق يستحق من يضحي له من أجل الحياة. فهناك العديد من العراقيين يستعدون للتضحية بجيوبهم من أجل إنقاذ بلدهم وشعبهم من المحنتة التي تلم بشعبهم وبمصير الوطن برمته. عاشراً: يلغى الوقفين السني والشيعي وتستحدث وزارة للشؤون الدينية، لأن من المعيب أن تكرس الطائفية بهذه الطريقة الساذجة التي كرسها الاحتلال وصفقت لها ذيوله.