بعد أن كتبت في الحلقة السابقة عن إصلاح الجانب الإداري في هيكلية وزارة الصحة، أتابع معكم اليوم في واحدة من أهم موضوعات إصلاح النظام الصحي في العراق التي ستشتمل على جوانب متعددة سننشرها بالتتابع.
ثانياً – إصلاح وتطوير النظام الصحي في العراق
إن العديد من المواثيق والقوانين الدولية قد كرست الاهتمام بحقوق المريض. وهذه الحقوق مستمدة من قيم وأخلاقيات مهنة الطب، وأن الالتزام التام بهذه الحقوق يعد من المبادئ الأساسية لجودة الخدمة الطبية.
وستمارس الهيئة التنظيمية/الرقابية فرض شروط وقيود العمل ووضع المعايير فيما يتعلق بأي نشاط طبي وصحي وضمان الإمتثال لتلك الشروط وقيود العمل من قبل جميع المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية والأطباء الأهليين بمختلف إختصاصاتهم.
كما ستكون الهيئة ذات رقابة شديدة الفعالية في تنفيذ برنامجها الرقابي الصحي وبحيث لا تتدخل وزارة الصحة بشؤونها. كل ذلك من أجل أن يحظى المواطن برعاية صحية متميزة من قبل المؤسسات/المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والأهلية والأطباء الأهليين. كما يكون لتلك الهيئة صلاحية إصدار تعليمات وتوجيهات لصالح المواطن إضافة لصلاحية غلق مؤسسات صحية وعيادات خاصة إن لم تفي بالشروط الصحية الإنسانية العادلة المتعارف عليها دولياً.
إن الغاية الرئيسية من وراء ذلك هي أن يتلقى المواطن خدمات صحية وطبية جيدة ووفق المعايير العالمية المعروفة وبدعم مؤسساتي من قبل الحكومة العراقية، وبعيداً عن الإبتزاز المادي والمهني.
ولهذا يجب إستحداث دراسة أكاديمية متخصصة بالخدمات الطبية الطارئة التي لا تتوفر حالياً في العراق وكما هو معمول به في معظم دول العالم، وفي الدول العربية خاصة، لكي يفي خريجوها بحاجة العراق لمثل هذا التخصص المهني الطبي المهم.
إنه من المعيب أن نرى العراق الذي تمتع دائما بخدماته الطبية المتميزة لما فيه من كادر طبي شهد له القاصي والداني، نقول من المعيب ان نرى العراق خاليا من دراسة اكاديمية لواحد من أهم الإختصاصات الطبية المهنية في حين يتوفر هذا الإختصاص في جميع دول المنطقة.
ولهذا يجب العمل على إستحداث دراسة أكاديمية للخدمات الطبية الطارئة (المسعف) ووفق أحدث الطرق المهنية المعروفة عالمياً والتي تدرس في العديد من الجامعات.
التمريض
وعليه يجب:
التعليم المهني والطبي
تنمية الموارد البشرية الصحية:
هناك إدراك عالمي متزايد بأن النهوض بالرعاية الصحية من أجل بلوغ مراميها الأساسية في تقديم خدمات جيدة النوعية، يتطلب قوى عاملة صحية ذات أعداد كافية ومناسبة من حيث تخصصاتها وتعليمها وتدريبها إضافة إلى إنتشارها وتنظيمها والحماس الذي تعمل به. إن القضايا الخاصة بالقوى البشرية العاملة في المجال الصحي يجب أن تدخل في نطاق ستراتيجيات الصحة والتنمية مثل إستئصال شأفة الفقر على المستوى الوطني وإصلاحات الإقتصاد الكلي. وفي نفس الوقت، يجب النظر إلى التعليم الطبي الأساسي على أنه جزء لا يتجزأ من تنمية القوى العاملة الصحية.
إن الفشل في تطوير الموارد البشرية هو أحد أهم القضايا التي يواجهها النظام الصحي في العراق. وتتراوح أسباب الفشل بين قلة التوظيف حيث عجز النظام الصحي عن توفير الموارد البشرية الطبية والمهنية الصحية ناهيك عن العمل الجاد لعودة المهجرين والمهاجرين منهم، إلى سوء التوزيع الجغرافي وسوء توزيع المهارات.
على وزارة الصحة أن تعمل على توفير الخبراء والإمدادات وإنشاء المراكز التدريبية والإستمرار بتقييم وتطوير الآليات الوطنية القائمة والخاصة بالتعاون بين خدمات التثقيف والخدمات الصحية. كما عليها أن تقوم بإنشاء أو تعزيز النظام الصحي الخاص بالتنمية المهنية، ودعم الأولويات والتخصصات من خلال التدريب أثناء الخدمة، والبعثات الدراسية والدراسات العليا وإجراء المزيد من المراجعة والتطوير للبرامج التثقيفية ذات العلاقة. يضاف إلى ذلك توفير الإمدادات من أجل إنشاء مختبرات عالية المستوى ومواد تعليمية عن طريق الحاسوب. وعلى الوزارة أن تدعم المهنيين للإشتراك في التعليم عن بعد لنيل درجة الماجستير في مجال تعليم المهنيين الصحيين.
ولغرض تحليل سياسة الوزارة الصحية وإتخاذ القرارات المناسبة والفعالة، ومن أجل تحديد ووضع ميزانية تفي بإحتياجات الوزارة السنوية، يجب العمل على إدخال وإستعمال نظم المعلومات الإليكترونية في كافة مؤسسات وزارة الصحة. سيؤدي ذلك إلى المعرفة الدقيقة والمتابعة المستمرة لتطور الخدمات الصحية ومعرفة الحاجة لمعالجة الخلل والنقص في تلك الخدمات إضافة لمتابعة صرف الأدوية والمستلزمات الطبية إبتداءاً من خروجها من المخازن لصرفها للمستفيد أو إستعمالها في الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات والمراكز الصحية. إن هذه المعلومات تعد ضرورة لتطوير وتحديث القدرات الوطنية في مجال تنمية الموارد البشرية والسياسات والتخطيط لإدارة الموارد البشرية الصحية والأدوية والمستلزمات الطبية (مرصد وزاري مركزي إليكتروني للموارد البشرية والأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية)
الكفاءات الطبية
كما يعلم الجميع أن أعداداً كبيرة من الإختصاصات الطبية والمهنية الصحية قد هاجرت العراق إلى خارج العراق أو إلى المحافظات الشمالية لأسباب أمنية بحتة، ولهذا فمن الأمور التي يجب العمل عليها هي إعادة الكفاءات الطبية المهاجرة والمهجرة للعراق وتقديم الحوافز وضمانات السلامة لهم من أجل عودتهم خدمة للنظام الصحي وللمواطن العراقي.
تغيير وتعزيز إدارة مراقبة الغذاء
العمل باتجاه تحقيق نظام غذائي رقابي متكامل ومنسق وذلك للأسباب التالية:
*(Hazard Analysis & Critical Control Points HACCP الهاسب: تحليل المخاطر ونقاط السيطرة الحرجة. وهونظام يعني بمعرفة الأخطاء التي يمكن أن تحدث للغذاء في كل مرحلة من مراحل التصنيع. وبشكل عام هو نظام يكشف ويحدد الأخطاء ويصنع/يقترح التغيير.)
لذلك، ومن أجل ضمان الغذاء للمستهلك والموزع والمسوق والمنتج بمواصفات عالية في السلامة والصحة، يجب:
وبشكل عام فإنه من الضروري إصدار أنظمة أو قوانين أكثر فاعلية لتنظيم العمل في هذا المجال غير أن ذلك يتطلب توفر معلومات أكثر عن القطاع الخاص قبل الدخول في نقاش حول دوره المستقبلي.
الأدوية والأدوية الأساسية
تعد الأدوية منتجات هامة للرعاية الصحية في نظام الرعاية الصحية الحديث، وتعد إحدى الوظائف الهامة المنوط بها أي نظام للرعاية الصحية هي مراعاة العدالة في توزيع المنتجات والخدمات الصحية الملائمة والموثوق فيها بفعالية. غالباً ما يقوم المرضى بتقييم نظام الرعاية الصحية العامة (الحكومية) على أساس عاملين هما: توفر المهنيين الطبيين الملائمين وتوفر الأدوية اللازمة. وإذا لم تتوفر الأدوية في مرافق الصحة العامة يلجأ الناس إلى الصيدليات الخاصة لشراء إحتياجاتهم على نفقتهم الخاصة، وهذا يؤدي إلى معاناة وخيمة بين الفئات الفقيرة والضعيفة من السكان لاسيما في بلد كالعراق في وضعه الحالي.
والعراق، كبلدٍ نامٍ، تشكل الأدوية ثاني فئة من حيث الحجم في ميزانيات الصحة العامة، كما تذهب نسبة عالية من إنفاق الأسرة الصحي في شراء الأدوية، وتمثل الأدوية المنتجات الصحية الرئيسية المستخدمة في البرامج الصحية الروتينية والبرامج الصحية الرئيسية وأثناء الطوارئ.
يعتبر الحصول على الأدوية الأساسية عالية الجودة جزءاً أساسياً من حقوق الإنسان الصحية، وبالرغم من ذلك لا يمكن لأسرة منخفضة الدخل في بلد كالعراق، الحصول على الأدوية سواء لعدم كفاية الأدوية في مرافق الصحة العامة أو بسبب عدم القدرة على سداد أسعارها المرتفعة في الصيدليات الخاصة، وبذلك تستمر معاناة وفقدان حياة العديد من البشر بسبب أمراض كان بالإمكان الوقاية منها أو معالجتها.
إن ما يجب أن تهدف إليه وزارة الصحة في مجال الأدوية هو تقديم يد العون لإنقاذ الأرواحوتحسين الصحة من خلال ضمان توفير الأدوية عالية الجودة والفعالة والمأمونة والإستخدام الرشيد لهذه الأدوية وتعزيز العدالة والإستدامة في إيصال الأدوية الأساسية لاسيما إلى الفقراءوالمهمشين. إن مفهوم الأدوية الأساسية يرتكز على العدالة والإقتصاد والفعالية. فبإمكان 300-400 دواء فقط تغطية أكثر من 90% من إحتياجات المشاكل الصحية في إحدى البلدان.
السياسة الصحية والتخطيط الصحي
من أسباب ضعف القدرة على إعداد السياسات الصحية الصحيحة هي الإفتقار إلى التفكير الستراتيجي وعجز وزارة الصحة عن القيام بوضع رؤيا طويلة الأمد وخطط ستراتيجية، خصوصاً وأن بعض المجالات الحاسمة ينقصها تخطيط الموارد البشرية وتمويل الرعاية الصحية وتطوير الخدمات الصحية بشكل فعال. إن وزارة الصحة ينقصها وجود وحدات فعالة للتخطيط التي يغلب عليها عدم إستخدامها للوسائل التخطيطية الملائمة في إعداد الخطط الصحية، وهذا بدوره ينعكس على إفتقار القدرة على التخطيط العملي الضروري لتنفيذ البرامج الصحية ورصدها على نحوفعال.
لا شك أن وزارة الصحة تدرك مفهوم النظام الصحي ووظائفه الأساسية الأربع، ألا وهي الإشراف والتمويل وجلب الموارد وتوفير الخدمات، كأساس لتحسين إمكانية إتاحة الخدمات الصحية وتعزيز كفاءتها وجودتها والعدالة في الحصول عليها، ولتنفيذ البرامج الصحية ذات الأولوية تنفيذاً فعالاً.
إن ضعف وظائف النظام الصحي في العراق أثر سلباً على بلوغ مرامي النظام الصحي، وتحسين الأداء عموماً. والعراق كغيره من دول شرق المتوسط لا زال غير مهيئاً جيداً لإدارة التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتنظيم النظام الصحي عموماً، وينقصه الوسائل الملائمة لتخطيط وتقييم وظائف النظام الصحي.
إضافة لما ورد أعلاه، فإن العراق لا زال يفتقرإلى التشريعات المناسبة والتدريب والخبرة في مجال التشريعات الصحية المتعلقة بقضايا القطاع الصحي لضمان ارتفاع مستويات الخدماتالأساسية وتعزيز الصحة وحماية المرضى. كما أن وزارة الصحة لم تتمكن بعد من تنفيذ تشريعات صحية على نحوٍ كافٍ من الفعالية بسبب ضعف وظيفتها التنظيمية.
ووفقاً لما ورد أعلاه، فعلى وزارة الصحة العمل والإلتزام بالتوجهات الستراتيجية المتبعة في مجالالسياسة الصحية والتخطيط الصحي لغرض التصدي للقضايا المحدَّدة آنفاً، وكما يلي:
ومن أجل تطوير واقع الخدمات الصحية، يجب تطبيق ما يلي:
إجراء مسح شامل للواقع الصحي في العراق من أجل تطويره ومن خلال:
يتبع …..
* بروفيسور متخصص بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية