8 أبريل، 2024 1:34 ص
Search
Close this search box.

مقترحات لإصلاح النظام الصحي البيئي في بغداد

Facebook
Twitter
LinkedIn

إن أهم أهداف المؤسسات المعنية بالبيئة في العراق، وفي العاصمة بغداد على وجه الخصوص، وهنا أعني وزارة الصحة والبيئة وأمانة بغداد، هو حماية وتحسين البيئة من خلال إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها أوالذي يطرأ عليها والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال. وبشكل عام، فإن أهم ما يميز البيئة الطبيعية هو التوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة والذي يسمى بالتوازن البيئي، وإن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة ناتج عن أنشطة الإنسان سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا، وهو ما تعاني منه العاصمة بغداد.

إن أخطر أنواع التلوث في العراق وفي بغداد بشكل خاص هو تلوث الهواء والماء والتربة، يليها التلوث بالإشعاع الكهرومغناطيسي كالذي ينبعث من أبراج الهواتف النقالة.

وهنا يجب أن أذكر إن أكثر ما يحز بنفوس سكنة بغداد أن يروا مدينتهم (التي كانت جميلة يوماً ما)، وقد أصبحت، برأيي العلمي والمهني، أوسخ عاصمة بيئياً مقارنة بأكثر من 50 عاصمة من عواصم العالم التي زرتها وعملت فيها كخبير دولي بالصحة البيئية، و “الفخر” في ذلك يعود بالطبع إلى جميع الفاشلين والفاسدين ممن تبوأوا إدارة البيئة في العراق وإدارة أمانة بغداد منذ 2003 ولحد الآن.

ومن بين أنواع التلوث أعلاه يعتبر تلوث الماء من أوائل الموضوعات التي يجب الإهتمام بها حالا كما يهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث في جميع أنحاء العالم، وليس من الغريب أن يكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من حجم تلك التي تناولت باقي فروع التلوث.

ولهذا فإن أهم ما يجب القيام به في العراق وفي العاصمة بشكل خاص هو التخلص من ملوثات الماء وبشكل خاص مياه الصرف الصحي ومياه المجاري التي عند إنتقالها إلى الأنهار والتربة فإنها تسبب تلوثاً خطيراً يؤدي إلى ضرر كبير لا يحمد عقباه على الصحة العامة. وكإختصاصي بالصحة البيئية، فقد قمت بزيارات لبعض مناطق بغداد، على سبيل المثال، للكشف عن بؤر بيئية تمثل مواقع خطرة مخلة بالصحة العامة فوجدت أن أخطر تلك البؤر هما موقعين في العاصمة يعتبران من أسوأ بؤر الإخلال بالتوازن البيئي في العالم وأخطرها على صحة الإنسان، وهي:
المبزل الواقع شرق بغداد، والذي يبدأ من منطقة العبيدي وينتهي ليصب بنهر دجلة عند صدر قناة الجيش حيث يعتبر بتقديري واحداً من أخطر بؤر التلوث البيئي والصحي في دول العالم الثالث، ذلك نظراً لإتساع رقعته الجغرافية حيث طوله بحدود 40 – 45 كلم ولأنه يمر في أكثر المناطق كثافة بالسكان في العاصمة، كما أنه يستعمل لتصريف المياه الثقيلة للدور السكنية التي يمر بها إضافة لرمي كل أشكال الأوساخ والقاذورات والحيوانات الميتة فيه.

ومن خلال عملي كمستشار بالصحة البيئية مع العديد من المنظمات الدولية، فقد زرت 56 عاصمة حول العالم تمتد من شرق الكرة الأرضية إلى غربها (دول في أمريكا اللاتينية وآسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، إضافة لدول حوض البحر المتوسط ومعظم دول أوربا الغربية) كخبير مع برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة الخاص بتطوير البنى التحتية والخاصة بالصحة البيئية، فإني لم أجد أو أشاهد بؤرة تلوث بيئي/صحي تخل بالتوازن البيئي وتشكل خطراً كبيرا على الصحة العامة كالذي شاهدته في المبزل المذكور، كما أني لم أشاهد عاصمة أوسخ بيئياً من بغداد. إن مياه المبزل الملوثة بمياه الصرف الصحي والأوساخ على إختلاف أنواعها والمياه الثقيلة التي تجمع في محطة السبع إبكار تضخ إلى محطة تقع في صدر قناة الجيش والتي بدورها تضح تلك المياه القذرة إلى نهر دجلة، وبهذا تتلوث مياه النهر ناقة ذلك التلوث من تلك المنطقة وحتى مصب النهر.

بصراحة، إنه أخطر بؤرة تلوث للمياه في العالم بحيث أنه يؤثر ليس فقط على صحة البشر جنوب منطقة محطة الضخ في صدر قناة الجيش، بل على التربة وعلى كل المنتجات الزراعية التي تسقى من تلك المياه الملوثة لري الأراضي الزراعية منها وعلى إمتداد نهر دجلة. لهذا يجب ردم هذا المبزل تماما كما تم ردم نهر الخر سابقا في عام 2002. كما أنصح الجهات المسؤولة عن البيئة في العاصمة والمسؤولة عن التخلص من مياه الصرف الصحي فيها الإستفادة من الطرق الحديثة في معالجة مياه الصرف الصحي وكيفية الإستفادة منها بعد معالجتها.

محطة جمع وضخ مياه الصرف الصحي التي تقع وسط حي سكني من أحياء منطقة السبع إبكار (بغداد-الرصافة) والتي لم أر مثل موقعها المؤثر سلباً على البيئة والصحة العامة في أي دولة من دول العالم التي عملت فيها أو زرتها، ولا أدري أي جهة متخلفة فنياً وأخلاقياً نفذت بناء هذه المحطة وسط حي سكني ولا كيف فكر المسؤولون ببنائها هناك. لهذا أدعو لإيقاف العمل بهذه المحطة ومن ثم ردمها والتخلي عنها تماماً.

إضافة لما ورد أعلاه، يجب إتخاذ الخطوات التالية:
خلق توازن دقيق في البيئة قائم بين عناصرها المختلفة، أي الحفاظ على التوازن البيئي، لأن أي تغيير غير مرغوب فيه لعناصر البيئة سيسبب ضرراً للصحة الإنسانية والكائنات الحية وبذلك يعد تلوثًا بيئيا.
تشكيل هيئة للصحة البيئية في أمانة بغداد وتكون هذه هيئة رقابية تفتيشية مهمتها منع وتجريم أي إخلال بعوامل الحفاظ على بيئة صحية في العاصمة.
تشكيل فوج أو فوجين للشرطة البيئية واحد لجانب الرصافة والاخر لجانب الكرخ كما هو معمول به في دول شمال أفريقيا العربية (الصور أدناه). تكون مهمة هذه الشرطة هو مراقبة وتجريم وتغريم أي مواطن أو مؤسسة في بغداد تخل بالصحة البيئية في العاصمة وخصوصا رمي النفايات في غير الأماكن المخصصة لها. بل ويفضل إنشاء جهاز خاص بأمانة بغداد لهذا الغرض بحيث أن الغرامات تذهب مباشرة لرصيد أمانة بغداد لإستعمالها في دفع رواتب الشرطة البيئية وشراء وإدامة سياراتها، كما ويجب إنشاء موقعين (واحد في الرصافة والآخر في الكرخ) لإحتجاز المخالفين ولحين تجريمهم وإحالتهم للمحاكم المختصة.
منع الذبح العشوائي منعاً باتاً وتغريم وتجريم من يقوم به وجعله فقط في المجازر المتوفرة داخل العاصمة والتي تكفي لجزر الحيوانات لكافة سكنة بغداد.
المنع التام لوجود الحيوانات داخل بغداد وشوارعها والتي نراها بكثرة وفي جميع مناطق العاصمة وتغريم وتجريم القائمين بها.
زيادة عدد سيارات جمع القمامة وجعل عملها أسبوعيا في جميع مناطق بغداد. كما وإنشاء مصنع لأكياس القمامة يباع للمواطن بأسعار الكلفة إضافة لتزويد جميع المساكن والمحلات بحاويات صغيرة لجمع القمامة ويغرم كل من يرمي النفايات خارجها.
منع وتجريم القيام بإنشاء محلات/أماكن لتصليح وإدامة السيارات داخل الأحياء السكنية وعلى الشوارع المهمة للعاصمة.
زيادة كبيرة في عدد المناطق المزروعة والمشجرة داخل بغداد وبناء سياج أخضر حول العاصمة، ذلك لأن نسبة عدد الأشجار في بغداد مقارنة بعدد سكناها يمثل أقل عددا من أي عاصمة في العالم، ناهيك عن جرائم قلع الأشجار وخاصة النخيل لكي يستفيد منها الفاسدون من خلال إستملاكها وبيعها.
الوقف التام لبناء الدور بشكل عشوائي في المناطق الزراعية داخل حدود أمانة بغداد وتجريم ومعاقبة كل من يقوم بذلك ومن دون إجازة بناء يستحصل عليها من أمانة بغداد.
يمنع منعاً باتاً بناء دور سكنية بمساحة أقل من 80 متر مربع تستحصل الموافقة عليها مسبقا من أمانة بغداد.
الإلتزام التام بـ ´قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009´ الذي من المفروض أن تنفذ بنوده جميع المؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذه، وهي جميع الوزارات بدون إستثناء، وكما وردت في القانون نفسه، إضافة إلى إجراء تعديلات عليه ليشتمل على تجريم المواطن الذي لا يلتزم بفقرات القانون وليس فقط مؤسسات الدولة والمؤسسات الأهلية، ذلك لأن الملوثات عموما سببها المواطن نفسه.
بناء محطتين جديدتين لتصفية المياه الثقيلة وإعادتها لتصبح مياه صالحة للإستخدام البشري (كما هو الحال في جميع دول العالم)، خصوصاً وهي غير مكلفة كثيرا وبغداد وحدها تحتاج لإثنين منها على الأقل، واحد في الرصافة والآخرى في الكرخ، إضافة إلى صيانة المحطتين الموجودتين حالياً واللتان لم تجري عليها أي صيانة منذ إنشائهما في الستينات ولحد الآن.
رفع جميع الأنقاض الموجودة على ضفتي قناة الجيش وإعادة زراعتها وتشجيرها، والأهم هو تنظيف مجرى قناة الجيش بأكمله من المنشأ وحتى المصب لأنه أصبح الآن بؤرة بيئية خطرة جداً.
وفي رأيي، يجب التعاقد مع شركات أجنبية متخصصة بإعادة تبليط شوارع العاصمة الرئيسية ومعاقبة المتجاوزين عليها.
التعاقد مع شركة عالمية استشارية لأجل وضع خطة كاملة لتصريف مياه الأمطار والصرف الصحي لجميع مناطق العاصمة لثبوت عدم كفاءة الجهاز الفني الحالي في أمانة بغداد للقيام بذلك.
عدا ما ذكر مسبقاً، يجب التخلص النهائي والتام من جميع البؤر البيئية الخطرة على صحة المواطن وعلى رأسها:
رفع جميع أبراج الهاتف النقال من داخل العاصمة بشكل خاص والتي تستعمل الموجات الراديوية الكهرومغناطيسية القصيرة المدى وإستبدالها بأبراج خارج المدن بحيث تستعمل الموجات الراديوية الكهرومغناطيسية البعيدة المدى والأكثر أماناً.
التخلص النهائي، وبطرق فنية حديثة، من دخان معامل الطابوق التي ثبت نشرها للسرطان في المناطق القريبة منها.
وضع دراسات مستفيضة للتخلص من التلوث الحاصل في الهواء والماء والتربة في العاصمة بغداد.

بروفيسور متخصص بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية، ومستشار بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية والتغذية العلاجية
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب