بيان صاعق ومفاجئ أصدره مقتدى الصدر يوم أمس السبت الموافق 15/ شباط / 2014 , أصدم الجميع وشّكل هزّة سياسية من العيار الثقيل , فهو بمثابتة التوقيع على قرار الإعدام لكتلة الأحرار السياسية التي تمّثل التيّار الصدري الذي يقوده هو بنفسه , وليس هنالك من شّك أنّ هذا القرار الصاعق والمفاجئ لم يكن بمعزل عن سلوك وتصرفات السياسيين في كتلة الأحرار السياسية , سواء الوزراء منهم أو النوّاب , وهنالك تسريبات تقول أنّ القرار مرتبط بتبعات قانون التقاعد الموّحد العام الذي شرّعه مجلس النوّاب العراقي والذي أثار مشاعر الشعب العراقي واستنكار المرجعيات الدينية العليا في النجف الأشرف , وهو القشّة التي قصمت ظهر البعير , والتسريبات غير الرسمية تؤكد أنّ رئيس كتلة الأحرار النيابية بهاء الأعرجي هو من المصوتين على المادة 37 الخاصة بامتيازات المسؤولين الكبار , وأنه أخبر زملائه النوّاب من كتلة الأحرار أنّ السيد مقتدى الصدر موافق على هذا القانون , وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه التسريبات غير الرسمية , فإنّ البيان بحد ذاته يكشف عن نفسه ويؤكد هذه الحقيقة , فالسيد مقتدى الصدر بهذا البيان يريد أن ينأى بسمعته وسمعة عائلته آل الصدر من المفاسد التي وقعت أو التي من المحتمل أن تقع , ولا شّك أنّ المفاسد التي وقعت بأسم آل الصدر قد استلزمت هذا القرار الصاعق والمفاجئ .
ومن المعلوم أنّ جماهير كتلة الأحرار السياسية الواسعة والعريضة هي بالأساس جماهير عائلة آل الصدر التي قدّمت الشهيدين الصدرين الأول والثاني , وليس جماهير أحد من نوّاب أو وزراء كتلة الأحرار السياسية , وهذه الكتلة بدون تأييد آل الصدر لن يكون لها أي تأثير على توجهات الناخب العراقي , ولهذا فإنّ هذا القرار وفي هذا الوقت الحسّاس , ستكون لها انعكاسات مباشرة على مصير كتلة الأحرار السياسية وموقعها في الخارطة السياسية التي سترسمها الانتخابات النيابية القادمة , وإذا ما استمرّ مقتدى الصدر في قراره هذا ولم يتراجع عنه , فإن كتلة الأحرار لن يكون لها وجودا ضمن الخارطة السياسية القادمة .
وإذا أردنا أن نقف وقفة تحليلية محايدة عن دوافع هذا القرار المفاجئ ونقرأ ما جاء في البيان المقتضب الذي أصدره , فسوف نصل إلى استنتاج واحد لاغير , هو الفساد ولا غير الفساد , فلا يعقل أنّ اشخاصا مغمورون جاؤوا من قاع المجتمع يصبحون في ليلة وضحاها وبأسم آل الصدر من أصحاب الملايين بل حتى المليارات كما يشاع عن البعض منهم , ولعلّ السيد مقتدى قد وضع يده على الكثير من ملفات هذا الفساد , ولهذا فهو يعتقد أنّ واجبه الشرعي كوريث للشهيد الصدر الثاني , يحتّم عليه إيقاف هذا الفساد وإيقاف من يتاجر ويبيع ويشتري بأسم آل الصدر , وهنالك من يعتقد أنّ هذا القرار ربّما ليس نزوة من نزوات مقتدى الصدر , بل هو قرار توافرت اسبابه ومسبباته و توافرت الأدلة الدالة عليه .
ومن المؤكد أنّ ائتلاف رئيس الوزراء سيكون من أكثر المستفيدين من هذا القرار , بسبب معارضة كتلة الأحرار لسياسات رئيس الوزراء والوقوف إلى جانب اعدائه في كثير من الأحيان كما حصل في اجتماع أربيل وفي تشكيل الحكومات المحلية في بغداد والبصرة وديالى , وفي حالة انهيار هذه الكتلة السياسية وهذا متوقع بعد هذا القرار الصاعق , فإن الأبواب ستكون مفتوحة أمام ولاية ثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي , ولكنّ التجارب اثبتت أنّ مزاجية السيد مقتدى الصدر هي العامل الحاسم في مجمل قراراته , وليس من المستبعد أن يتراجع عن قراره ويفسد فرحة المالكي وانصاره .