20 مايو، 2024 7:01 ص
Search
Close this search box.

مقتدى الصدر .. والروح البروسية‎

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان دعوة السيد مقتدى الصدر للتظاهر والاعتصام وخروج الالاف المؤلفة من اتباعه ثم اعتصامه الذي لم يدم طويلا ، والذي سرعان ما انفض من دون سبب مبرر . . قد دفعني للتفكير مليا في المجتمع والفرد العراقي . ، حيث ان الصدريين لم يخرجوا بدافع الثورة على الاوضاع المعيشية المزرية التي يعيشونها ، ولا بدافع الفقر وانما بدافع واحد وهو نداء السيد مقتدى الصدر لهم بالخروج فقط ، ثم ندائه لهم بالعودة . وبذلك فأنهم قد ناقضوا كل المعطيات والنظريات الاجتماعية والثورية في العالم قديما وحديثا ، كما ناقضوا مبادئ الصراع الطبقي والدياليكتيكية التاريخية ايضا . وقبل هذا لاحظنا خروج الطلاب للتظاهر ضد وزير التعليم العالي. . ولم تتطور هذه المظاهرات الى مطالب شعبية او جماهيرية ، وسرعان ما خبت بعد دفع مستحقاتهم المالية ، وتلبية بعض المطالب المهنية البسيطة ثم عادوا من حيث بدأوا . وهذا يدل على مسلك اناني لا يليق بالانسان المتحضر والمعاصر. . ومن كل ذلك يبدو لنا جليا بأن الشعب العراقي يعيش بعشوائية فكرية وتنظيمية. ، وهذه ليست وليدة اللحظة او المرحلة الحالية ، ولكنها تظهر تارة بشكل سافر وتارة بشكل مستتر . . اننا شعب لا يؤمن بالقواعد والانظمة التي تحدد نمط وسلوك المعيشة الفردية او الاجتماعية . وقد ادى ذلك الى ان نضع لانفسنا قواعد وانظمة تتناسب مع رغباتنا وطموحاتنا الفردية ، واصبح كل واحد يضع لنفسه النظام الذي يوائمه ، ويرفض الانظمة العامة المتعارف عليها. . كما اننا انانيون ، لا يهمنا مصالح الغير . انانيون فرديون اولا ثم انانيون للكتلة التي ننتمي اليها ثانيا وبعد ذلك للطائفة او المذهب . حيث لم تتبلور لدينا قواعد وانظمة عامة اجتماعية او اقتصادية نسير عليها . وكذلك القيادات السياسية التي لا تحترم النظام ، فكل قيادة تريد نظاما يوائمها. ، وحتى البرامج التي تضعها الاحزاب والكتل لا يجري العمل بها ، وتضربها بعرض الحائط ، وهي مجرد وسيلة للوصول وليست منهاج عمل او خارطة طريق . وهذه العشوائية للفرد والمجتمع العراقي قد جاءت من قيم البداوة والعيش في الصحراء ، حيث مجال الحياة واسعا وليس فيه حدود او قواعد للعيش اللهم الا القواعد التي يضعها شيخ العشيرة لتنظيم مجتمعه القبلي ، والقليل من الاعراف المتبعة . وقد انتقلت الينا هذه القيم من آبائنا واجدادنا الاولين ، جيل بعد جيل ولا زلنا نحمل نفس قيم البداوة المستندة على سعة الصحراء المعدومة تقريبا من الضوابط. . وعندما جاء الانكليز بعد الحرب العالمية الاولى الى العراق ، لم يجدوا ذلك المجتمع العراقي المتجانس . وبدلا من تطبيق مبادئ الدولة المدنية الحديثة على العراق شجعوا التكتل العشائري ظنا منهم انهم يستطيعون السيطرة عليهم بهذا الشكل . وقد اتبع الامريكان نفس الاسلوب عند احتلالهم للعراق ، ولكنهم هذه المرة قسموا المجتمع الى طوائف دينية . وبقي الفرد العراقي والمجتمع العراقي اسير العشوائية وعدم الاعتراف بالتنظيم والقواعد المدنية في ادارة الدولة . . وعلى مدى الزمان آمن الحكام في العراق بأسلوب القوة. وظلت النظرية السائدة بأن العراق لا يقاد الا بالقوة ، لأن شعبه متمردا على الدوام . ولكن القوة كما هو معروف تخيف الفرد وتردعه ولكنها لا تحقق النتائج المرجوة في ارساء قواعد ونظم للمجتمع . ومن منطلق القوة هذا قمعت بريطانيا كل الانتفاضات . كما جاءت امريكا لتحكم العراق بالدبابات ايضا . ونهج الحكام الجدد نفس النهج الدكتاتوري لصدام بحكم الناس . بل ازدادوا قمعا للشعب وعلى وفق الانتماء الفكري او القومي او الديني للمواطن . وظل هذا النهج سائدا الى يومنا هذا ، وهو نفس منهج داعش الارهابي الذي نحاربه باستمرار . ان الوضع العراقي هذا قد دعاني الى تشبيهه بالوضع الذي كان سائدا ايام الامبراطورية البروسية ، التي وجدت نفسها متخلفة عن مواكبة التطور الطبيعي للدول الاوروبية الاخرى ، مما دعى امبراطور بروسيا لاصدار مرسوم يحدد فيه مسيرة الشعب . وفرض هذا المرسوم على المدارس اولا ثم على العائلة والمجتمع في وقت لاحق . وقد سمي هذا النهج فيما بعد ب( الروح البروسية. ) . . وهذا الاسلوب الاجتماعي مغاير للنهج النازي الذي يعتمد على العسكرية والتسلط والعدوانية .ان مبادئ الروح البروسية هذه تستند على الاتي : اولا التنظيم المثالي . ثانيا الانضباط . ثالثا . التضخية. رابعا. الدور الفعال للقانون. خامسا الخضوع للسلطات الشرعية . سادسا . الصدق. سابعا . المثابرة والاجتهاد . ثامنا التدبير والانتظام . تاسعا. التواضع . عاشرا. التسامح .وقد بقيت هذه المبادئ سارية الى يومنا هذا في النمسا والمانيا .اننا الان بحاجة الى بناء الانسان والدولة في آن واحد ، لنبتعد عن العشوائية وانتهاك القوانين ، والانانية الفردية والحزبية ، واحلال الولاءات الفردية بدلا من الولاءات الاجتماعية . وبذلك فأنني ادعو كل الخيرين والمثقفين الى وضع ضوابط جديدة للتعليم في المدارس والجامعات على غرار ما شرحناه آنفا من مبادئ الروح البروسية . وادخال نفس هذه المبادئ في مناهجنا الدراسية ، وفي الحلقات الثقافية والفكرية ، وفي الاعلام المرئي والمقروء ، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي . وبذلك نحافظ على مستقبل اجيالنا من الضياع ، كما ضاع حاضرنا ومستقبلنا. ان الامر يدعونا الى النظر بجدية لهذا الموضوع الحيوي ، واعطائه نفس الاهمية التي ننظر بها لاصلاح حال الدولة. حيث ان الدولة الرصينة بحاجة الى مجتمع وفرد رصين .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب