من أغرب الظواهر التي برزت في عراق ما بعد الاحتلال ، ظاهرة “مقتدى الصدر” ، فهذا الكائن الحي والمخلوق المتحرك يتخذ صورة البشر في مظهره وهيئته الخارجية إلا أن كلامه وسلوكه لا يؤهله للدخول في عموم بني آدم المميزين بالعقل والنطق والتكريم الإلهي.
والعجيب أن هذا الكائن المحير يُقحم نفسه في أمر لا يحسنه كل أذكياء بني آدم وعقلائهم ، وهو النفاق والمداهنة واتخاذ الوجهين والسياستين واللعب على الحبلين.
فمنذ الاحتلال ومقتدى الصدر يسعى للظهور بصورة القائد الشعبي الوطني الرافض للاحتلال ولكل ما يمس السيادة الوطنية والمصلحة الشعبية ومصالح الفقراء والمحرومين !
لم يدرك مقتدى الصدر وأتباعه أن من كان على شاكلتهم لا يصلح للسياسة ونفاق الإعلام وخداع الرأي العام ، فهم – كما يريدهم مرشد المذهب خامنئي- أدوات تنفيذية وقوة همجية تبطش بالمخالف ( العرب السنة) وتردعهم لتبقيهم في خانة الضعف والذل .
وبالرغم من كثرة المليشيات والعصابات العقائدية للشيعة فإن الصدريين كانوا القوة الضاربة المعتمدة في حسم الأمور سياسياً ( بحكم كثرتهم وشعبيتهم ) وعسكرياً( بحكم همجيتهم ).
فقوة الشيعة في العراق مستمدة من قوة الصدريين ولولاهم لما تمكنت الأحزاب الشيعية من فرض إرادتها و إقصاء معارضيها والتمتع بحكم دكتاتوري مطلق.
فالشيعة بعد الاحتلال وجدوا أنفسهم في مواقع القيادة والسلطة في أرض ظلت عصيت عليهم (العراق) فلم يتمكنوا من إدارة البلاد لافتقادهم القدرات والمؤهلات اللازمة لذلك ؛ لأنهم اعتادوا على أجواء المعارضة والعمل السري وتدبير الخيانات والمؤامرات والاستعانة بالقوى الخارجية .
فكانت قوة الصدريين البديل المنقذ الذي حفظ للشيعة هيبتهم وأخرجهم من عجزهم السياسي وجهلهم بإدارة الدول وتنظيم شؤونها ، فالدولة في العراق بعد ( نيسان 2003) لم تفرض سلطاتها من خلال مؤسساتها وأجهزتها ووزارتها وإنما من خلال “مكاتب الشهيد الصدر” والحسينيات ومعاقل المليشيات الصدرية في بغداد وبعض تشكيلات وزارة الداخلية.
لقد دعم التيار الصدري أكثر القيادات الشيعية تطرفاً وأسواً سياسةً وأقبحها منطقاً وحديثاً وأشدها كراهية حقداً ، حيث دعم إبراهيم الجعفري وأوصله إلى رئاسة الوزراء عام 2005 ، ثم مهد الطريق للمالكي ورجح كفته كأحد المرشحين لخلافة الجعفري عام 2006 ، ليمنحه ولاية ثانية عام 2010 ، فالنهج المتطرف والدكتاتوري لحزب الدعوة ما كان ليرى النور لولا دعم الصدريين ومساندتهم الشعبية والسياسية.
أما الإنجاز العسكري المتمثل بقمع العرب السنة وطردهم عن العاصمة لا سيما جانبها الشرقي ( الرصافة) فكان إنجازاً صدرياً بامتياز لا سيما بعد أحداث سامراء ( شباط 2006).
ولا ننسى علاقة الصدريين الوثيقة بأحمد الجلبي الذي تولى محاربة العرب السنة بقوانين اجتثاث البعث والمساءلة والعدالة.
ومع ذلك فقد تمكن التيار الصدري من استمالة بعض أبناء العرب السنة بخطابه الإعلامي وكأنه بذلك وجد عقولاً خفيفة سفيهة تدنت رتبتها البشرية عن رتبة أتباعه الرعاع فأقنعهم بأنه قائد ثوري مقاوم لا يرتبط بأجندة إيران وينطق باسم الشرفاء من الشيعة العرب !
والأدهى من ذلك أنه كان ينفذ سياسته الهمجية الغوغائية مستغلاً الدعم الإعلامي الذي ضمنه من بعض أغبياء السنة .
شكّل مقتدى الصدر جيش المهدي عام 2003 “للدفاع عن المقدسات” ، وليس لتحرير العراق ! ، ثم استخدم هذه المليشيا لشن حربه المقدسة ضد سُنة العراق تحت واجهة التصدي للإرهابيين والتكفيريين أتباع الزرقاوي ، وبعد أن أكمل مهمة تشييع بغداد جمّد نشاطه عام 2007 ، لينطلق عام 2011 إلى سوريا لقمع التمرد السني ضد النظام العلوي !.
وبعد انطلاق الحركة الاحتجاجية في الأنبار أواخر 2012 برز مقتدى الصدر كأحد المؤيدين لمطالب المتظاهرين مهاجماً سياسة المالكي !
“نفاق الأغبياء” و”نفاق الضعفاء”
إن منطق النفاق والحيلة والمكر لا يصلح لأتباع المذهب الجعفري في أيام الدولة وقوة الشوكة ، لذلك وجدنا مقتدى الصدر يقف بمفرده في ساحة انفض عنها كل شيعته وفي الوقت ذاته فهو اليد الضاربة لشيعته وبني مذهبه !
لعل الشخصية الغريبة لهذا الكائن المتحرك ( مقتدى الصدر) جعلته مؤهلا ليلعب هذا الدور المضحك ، فمقتدى يجيد “نفاق الأغبياء” و”دهاء السفهاء” ، لكن ما لا يمكن تفسيره أن يجد الصدر في أبناء السنة من يسمع كلامه ويستجيب لنداءه ويغتر بخداعه الذي لا يروج إلا على أتباعه ومن رضي به قائداً وزعيماً و”حجة للإسلام والمسلمين” !.
لقد فتح مقتدى الصدر الباب أمام ضعفاء النفوس من أرباب الطمع والجشع الذين حرصوا على التزلف للسلطة الشيعية بحجة المصالحة والتهدئة ونبذ الطائفية ليظهر في العراق نوع جديد من النفاق وهو “نفاق الضعفاء” الذي سلك سبيله بعض أبناء السنة.
إن الحراك الشعبي قام ليقطع الطريق أمام تفشي هذا المرض ( نفاق الضعفاء) في الجسد السني فينبغي للثوار العقلاء الحذر من دعوات التهدئة والمصالحة ونبذ الطائفية ، فالتعايش يقوم على أساس احترام المبادئ والعدل في المعاملة لا على سلب الحقوق وفرض الثقافة الجعفرية والصبغة الشيعية على العراق .