لم يشهد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) إنتكاسة على المستوى الديني والسياسي كما شهدها بعد سقوط طاغية العراق عام 2003 ، ولعل المتتبع للشأن العراقي ، يرى أن أبرز ثلاثة فتوق يمكن أن تكون مأخذاً كبيراً على المذهب منذ سقوط الصنم وإلى يومنا هذا هي :
الفتق الأول ( فتق الإحتلال ) : فعلى المستوى الديني الذي ذكرناه ، فإننا رأينا بأن كل القيادات الدينية كانت بين ساكت عن الإحتلال ومؤيد له من خلف الكواليس أو حتى بصورة علنية !! ، فهو فتق كبير ومخز ٍ أمام العالم الإسلامي يعير به المذهب الحق ، ولا راقع لهذا الفتق من الجهات الدينية الحوزوية إلا ( مقتدى الصدر ) ، فهو بنهضته ومقاومته للإحتلال قد رتق هذا الفتق الكبير والخطير ، وخير شاهد على هذا هو ما ذكره الشيخ المستبصر محمد التيجاني التونسي بقوله : [ يلهج بإسم السيد مقتدى الصدر حتى أهل السنة في تونس ، والحمد لله لو لم يكن هناك مقتدى الصدر ، لقلنا بأن الشيعة كلهم عملاء … ] !! . تلك المقاومة التي أخرست ألسن أعداء المذهب ، ورافعت رأس الأتباع عالياً حتى الحاقدين على هذا الرجل وأتباعه .
الفتق الثاني ( فتق العملية السياسية ) : وأما على المستوى السياسي ، فإن المتصدي للعملية السياسية أيضاً قيادات دينية وأحزاب إسلامية ( شيعية ) قادت البلد نحو الدماء والدمار بكل ما تحمله الكلمتان من معنى . وكان رأس الحكم في العراق هو حزب الدعوة ( الإسلامي الشيعي ) ولا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة مدى ما ألحقته سياسات هذا الحزب ( الداخلية والخارجية ) من تراجع في الدولة العراقية وانهيار تام لكل مقوماتها من أمن واقتصاد وسياسة وخدمات ، كان آخرها سقوط ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش الإرهابي وإفراغ شبه تام لميزانية البلد !! .
وفي ظل هذا ( الفتق ) الذي أحدثته سياسة الحزب الشيعي فقد اتهم المذهب بأن أبناءه غير كفوئين لقيادة العراق ، وأنهم في قمة الفساد ، و … ، لذا تصدى السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) مرة أخرى ليرقع هذا الفتق ويحفظ ماء وجه التشيع ، وذلك بما قام به من مشروع ( شرعي ودستوري ) وهو مشروع سحب الثقة عن المالكي لإنقاذ التشيع من هذه التهم – أولاً – ، ولإنقاذ أبناء البلد من ما هو قادم إذا ما استمر المالكي بالحكم – ثانياً – ، ليثبت للجميع أن هذه الثلة الحاكمة الفاسدة هي جزء من ( الشيعة ) وليست كل الشيعة ، فهناك من الشيعة من يتـصدون لفسادها وانحرافها ، ولكي يقطع الألسن المتهمة للشيعة بالفساد والطائفية و … ، ولكن هذه الحركة لم تنجح ، وذلك لعاملين أساسيين ، هما :
العامل الخارجي : المتمثل بالدور الإيراني ، في الضغط على الجانب الكردي لعدم إكمال النصاب ، بعد أن فشلت بالضغط على السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) ليتراجع عن مشروعه هذا ، وفعلاً ؛ نجحت إيران في إجبار الكرد على التراجع !! .
العامل الداخلي : هو أن أكثر الشعب ( الشيعي ) مع كتله السياسية كانت مع المالكي وضد مشروع الصدر ( أعزه الله ) .
هذا العاملان ؛ أديا إلى دخول داعش إلى العراق ومجازر سبايكر والصقلاوية وأنهر الدماء المستمرة إلى اليوم ، وانهيار الإقتصاد العراقي واضطراب العملية السياسية . فيما لو نجح مشروع الصدر لكان خيراً للعراقيين عموماً وللشيعة خصوصاً ، ولكن { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
وأشير هنا إلى السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله ) قد حاول منذ الأيام الأولى بإنشاء حكومة دينية شعبية وطنية بعيدة الإحتلال الشرقي والغربي ، ولكن .. !! .
الفتق الثالث ( فتق الفساد ) : لقد التصقت تهمة لفساد بالأحزاب الإسلامية عموماً ، والشيعية خصوصاً ، باعتبارها الأحزاب الحاكمة للبلد ، ما أدى إلى خروج مظاهرات شعبية رفعت شعاراً مفاده [ بسم الدين باگونه الحرامية ] !! . ما أدى ذلك إلى استغلال الجهات ( العلمانية ) إلى إسقاط الدين برمته من قلوب الشعب ، فنهض السيد مقتدى الصدر ( أيده الله ) بثورته الإصلاحية ليحقق الأهداف التالية :
الهدف الأول : وهو الهدف الأهم ، وهو الإصلاح الحقيقي في البلد ومؤسساته .
الهدف الثاني : إعطاء الصبغة الدينية للإصلاح ، وأنه ليس كل الأحزاب الدينية فاسدة ، فقام بمحاسبة من اتهم من أتباعه بالفساد ، وقدمهم للقضاء الشرعي والوضعي ، في خطوة لم يشهدها العالم بأسره ، ليعطي بذلك إشارة إلى الجميع [ أني سأبدأ بالإصلاح من المقربين ، ثم الجميع ] . وبالتالي لم يعد دعاة العلمانية قادرين على تبني التظاهرات ( الإصلاحية ) وإسقاط الجهة الدينية .
الهدف الثالث : وضع حد نهائي لتعدي الفاسدين على حقوق الشعب ، ووضع الحلول لحالات الفساد المتفشي في البلد .
وبهذا يكون السيد مقتدى الصدر ( أعزه الله وأذل أعداءه ) راقع فتوق الشيعة ورافع رؤوسهم .