23 ديسمبر، 2024 1:17 ص

مقتدى الصدر والإرهاب السياسي.. جدلية الدين والسياسة والعنف

مقتدى الصدر والإرهاب السياسي.. جدلية الدين والسياسة والعنف

_ اضطراب الحركة الجدلية الثلاثة لدى السيد الصدر.. بمعنى كيف تختلط الأوراق لديه فيتحول من رجل دين إلى سياسيا عنيفا؟ وكيف يكون العنف لديه دينيا وسياسيا؟ وأخيرا كيف يمكن له أن يصبح سياسيا ودينيا عنيفا؟
قبل الحديث عن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري.. لابد التطرق وبصورة مختصرة إلى تعريف مفهوم الإرهاب السياسي بشكل عام. فقد طُرحت عدة تعاريف توضح المفهوم العام لظاهرة الإرهاب السياسي، وهذه التعاريف تربط بين الإرهاب وتحقيق أهداف سياسية، أو بين الإرهاب وبين الوسائل التي تستعملها السلطة الحاكمة،بيد أن أغلب التعاريف قد ارتبطت بالمراحل الأولى لظهور مفهوم الإرهاب،الذي كان يستخدم لتحقيق غايات سياسية، كأداة من أدوات الصراع بين السلطة ومعارضيها. فقد عرف الإرهاب السياسي الأستاذ عبد العزيز مخيمر في كتابه (الإرهاب الدولي) ص38″ بأنه الاستخدام المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي كالاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وعلى وجه الخصوص فهو مجموعة من أعمال العنف مثل،اعتداءات فردية أو جماعية أو تخريبية، تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن”.
وبالعودة إلى موضوع السيد مقتدى الصدر.. فالمسألة السياسـية كانت وما تزال جوهرية في خطابه الديني، ولم تفتعلها الظروف الأخيرة، أي ظروف ثورة تشرين البطلة وتداعياتها. فلقد شهدت الساحة السياسية العراقية منذ عام 2003م، أي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وجود علاقات من التلازم بين السياسة و الدين، كان الصدر وتياره من أبرزها. حيث بلغت هذه العلاقة مسـتوياتها حدودا عَبَرَ فيها الصراع السياسي عن نفسه في أشكال مختلفـة من المذهبية الدينية فـي مراحل كثيرة منذ سبعة عشر عاما. وبلا شك فالصدر يحاول تسقيط أيديولوجيته وفرضها على الشعب العراقي.. تلك الأيديولوجية التي هي عبارة عن مزيج ما بين السياسة والمقدس، وبين الدنيوي والديني، مما يضع لها أسباب تطرفها وممارستها للعنف. بيد أن الخطاب الصدري الاحتجاجي الرفضوي يفتقر إلى بدائل سياسية وموضوعية قادرة للخروج من حالة الأزمة والانسداد، التي كانت في أساس خطابه المتطرف،بمعنى أدق، أنها لم تستطيع أن تبني مشروعا سياسيا بديلا عن المشروع الذي ترفضه وتحتج عليه بثورتها العنيفة أو السلمية، وهذا ما يسمح بالقول( بأن مقتدى الصدر يمتلك برنامج ثورة وهدم، دون أن يتملك برنامج تأسيس وبناء).. وهذه هي نقطة الضعف القاتلة في اللا مشروع للصدر. ومن هذا المنطلق، نلحظ أن التيار الصدري وقائده مقتدى وبرغم قوتهم موقعهم المتميز في ميزان قوى الإسلام السياسي الشيعي في العراق، كان من الممكن أن يقدموا مساهمة فعالة وتجربة ناجحة في إرباك السلطة وتغيير المشهد السياسي، عن طريق ثورة ناضجة ضد النظام السياسي القائم،غير أنهم لم يستطيعوا أن يقدموا حتى دليلا على أنهم قوة بناء وليست قوة هدم.
فليس من شك في أن ظاهرة التيار الصدري التي اجتاحت الساحة السياسية العراقية منذ نهايات عام 2003م، تعد أخطر الظواهر السياسية التي يواجهها المجتمع العراقي، ولعل من أسباب تلك الخطورة هي ما يهدف إليه الصدر من صياغة المجتمع العراقي وفقا للنموذج الإيراني، بل والأخطر في هذا المخطط أنه اتخذ أسلوب العنف المسلح سبيلا للقضاء على ثورة الشباب الأبطال، مع تسليم السلطة قسرا إلى من يقرره مقتدى ويدعمه شخصيا، وذلك لتطبيق تصورات ورؤى تجنح إلى الماضوية وتفتقر إلى النضج والواقعية. إن مقتدى الصدر يستغل في أسم أبيه وأجداده (رحمهم الله).. للاستعلاء والتكبر على أنه وحده المتحدث باسم الحق، وأنه خلفية الله ووكيله على العراقيين، كما أنه يستغل أسم أبيه في معناه لاتهام الآخرين، بالانحراف والمروق والكفر، فهي دكتاتورية إسلامية، أفرزتها ظروف العراق الكارثية، الأزمات الاقتصادية والبطالة والفقر والحرمان، وكذلك انهيار التعليم وسطحية الثقافة والفراغ الديني، بالإضافة إلى ضعف المؤسسة الدينية. فالصدر يتصرف ويتحرك على أنه معه التفويض الإلهي بالحكم وقيادة العراقيين. لكنه في الحقيقة كل ما أنتجه التيار الصدري خلال السنوات الماضية،ما هي إلا فتنة كبرى أكلت أفرادها قبل غيرهم، وتدفع بالمواطن العراقي إلى مواجهة أخيه العراقي، وخير دليل، ما شهدته الأحداث الأخيرة في ساحات الانتفاضة والاحتجاج من قتل وترهيب. ونتيجة لذلك فلم يعد ولاء الصدر وتياره إلى الدين، بل بات ولاءهم سياسيا، فالإرهاب والقتل مستمران من أجل الوصول إلى السلطة والظفر بكرسي الحكم.