23 ديسمبر، 2024 8:22 م

مقتدى الصدر .. واستشعار الخطر

مقتدى الصدر .. واستشعار الخطر

….. لا تشاركوا في الطائفية:
كان هواء الغرفة لزجا بشكاوى كثيرة، بسبب ما يحصل من استهداف للشيعة، وقتلهم على الهوية في بغداد، وطالب عدد من الحضور بالرد، على ما يقوم به مسلحون، ينتمون، لعناوين وهيئات سنية. والحضور هم بعض من الخط الاول او الثاني من قيادات مكتب السيد الشهيد الصدر (رض) .. في نهاية عام 2004، تقريبا.

توسط الحضور السيد مقتدى الصدر، مطأطئ الرأس، وقد شبك اصابع يده بالأخرى، صاغيا لما يقال.. ثم رفع رأسه، بهدوء، وبنبرة تودد، تصاعدت الى حدة وحسم، وقال: رجاءا لا تشاركوا في إثارة الفتنة الطائفية..

كنت مع الحضور، على بعد متر، تقريبا، وسمعتها من السيد الصدر، وهزني كلامه، قال: رجاءا لا تشاركوا في إثارة الفتنة الطائفية.. لا بقليل ولا بكثير..

استمر البعض بتكرار الشكاوى، وأبرزهم احد الشيوخ، القياديين…

وخرجنا من دار الصدر.. واستمر ذلك (الشيخ) اعتراضه على كلام الصدر، وقال لي: ان السيد بعيد عن الواقع، ولا يعرف قوة ربعنه…

ولم يمر وقت طويل، حتى انشق هذا (الشيخ) ..وانضم لاحقا ، الى ميليشيات طائفية..!!

واليوم تصاعد الاقتتال الداخلي، ونزيف الدم العراقي، ووجد الإرهاب حاضنة متشددة في العراق بسبب الطائفيين، والعملاء..

…….. من ضيع الأمان والسلام؟؟

ويمكن ان أثبت، ان هذا الاقتتال والخسائر، كان من الممكن تجاوزهما، والعيش بسلام وامان، في عراق موحد وهادئ، لو أتيحت الفرصة للسيد مقتدى الصدر ومبادراته السلمية وخطواته نحو السلم الاهلي..

وبعد المراقبة والتفحص لأطروحات الصدر ومواقفه العملية، اثبت تاريخيا، الأمور التالية:

اولا: منذ 2003 استشعر السيد مقتدى الصدر، خطر الفتنة الطائفية، وحذر منها، وطالب بالتوحد سلميا.

ثانيا: حرص، وعلى مستوى الدائرة القريبة لاتباعه وحاشيته، ان يحشد نحو الوحدة الوطنية، والانفتاح والسلم الاهلي.

ثانيا: حشد في خطبه كافة، في مسجد الكوفة، وخلال اكثر من سنة، وعلى مستوى القواعد الشعبية، حشد نحو الوحدة الوطنية، والانفتاح والسلم الاهلي.

رابعا: مارس خطوات عملية للتواصل مع العناوين والاطراف العراقية كافة، وخاصة اهل السنة والجماعة، وكنت مراقبا ومشاركا لعدد منها، واهمها:

الف: فتح السيد الصدر باب داره لاستقبال اهل السنة والجماعة، فضلا عن المسيحين والصابئة، وغيرهم. ويضاف الى ذلك زيارة العناوين والتيارات العلمانية والليبرالية . وبالرغم من حصول اعتراضات شيعية ضد هذا الانفتاح.

باء: قام بزيارات الى العناوين العراقية كافة، وخاصة اهل السنة والجماعة، فضلا عن المسيحين ، وغيرهم.

جيم: وجه السيد مقتدى مكتب السيد الشهيد (رض) للانفتاح على اهل السنة والجماعة، فضلا عن المسيحين والصابئة، وغيرهم. ويضاف الى ذلك زيارة العناوين والتيارات العلمانية والليبرالية.

دال: في المناسبات الدينية والوطنية، اصدر سماحته، تهنئة شخصية، باشرافه، فضلا عن هدايا معنوية، وزعها المكتب على اهل السنة والجماعة، فضلا عن المسيحين والصابئة، وغيرهم. ويضاف الى ذلك العناوين والتيارات العلمانية والليبرالية.

هاء: اقامة مؤتمرات للتوقيع على ميثاق شرف ، يحرم الدم العراقي.

واو: استثمار العناوين الشعبية والعشائرية والمهنية للتحشيد نحو الوحدة والسلام.

…….. مقتدى الصدر رجل السلام..لماذا؟؟

منذ 2004، تزايد قتل الشيعة وتهجيرهم على انغام العزف الطائفي للاحزاب السياسية من الطرفيين. وشهدت بغداد، قتلا وتهجيرا متصاعد، في العامرية وحي الجامعة والعدل واليرموك، ثم منطقة الدورة، والسيدية، وبقية المحافظات..وبدأت ردود فعل من قبل جهات شيعية، مرتبطة بجهات سياسية وخارجية.. ثم تصاعدت الى استهداف ميليشياوي منظم لاهل السنة في العراق..

وبدأت تتلاشى أصوات الوحدة والتهدئة التي يطلقها السيد الصدر، بوجود الصخب والضوضاء الطائفية المتعالية..

ويمكن القول، ان السيد الصدر، بقي وحيدا، وغريبا، في الساحة، بلغته العالية والمتسامية، ونظرته الثاقبة للواقع، ولم يتفهم أطروحاته أحدا من حوله.. الا قلة..!!

وقد شاهدت، بنفسي، تلك الاعتراضات ،على المستوى الخاص والعام، وكان السيد الصدر يصرح بها، وقال: أنا محاصر..!!

وبدلا من الدعم الحكومي لجهود الصدر الوطنية، سخر رئيس مجلس الوزراء، امكانيات السلطة التنفيذية، لعرقلة أي جهد ثقافي او عملي صدر لتهدئة الاوضاع وتقوية السلم الاهلي، بل مارست (دولة القانون) دورا فاعلا في اثارة الطائفية وتكثير الميليشيات، واشاعة الفوضى وتضييع فرص التهدئة والسلام.. وقد وفرت فضاءا واسعا للارهاب والتطرف.

وبالرغم من تلك الصعوبات، استطاع مقتدى الصدر تنظيف الذهن الشعبي، من ترسبات طائفية ومغالطات عقائدية، وانهى أي دوافع للعنف في قواعده الصدرية، نهاية عام 2007 ، تقريبا، ثم شمر ساعديه لتنظيف الساحة الوطنية..

لقد استشعر الخطر مبكرا، وتحرك بكل الوسائل لمنع الكارثة، دون ان تسانده الحكومة او غيرها..

واليوم، تبقى ساحة السيد الصدر، وذمته، بريئة مما حصل، من قتال وحرب وضحايا، بل اكثر من ذلك، اذا اخذنا بنظر الاعتبار جهوده السلمية الحثيثة والتي رفضها الشيعة والسنة، وعرقلتها الحكومة واغلب السياسين.

وأشياء أخرى.. نتركها لفطنة القارئ الحبيب…!