لقد ذكرت في الجزء الأول من هذا الموضوع بعض الملامح الرئيسية لشخصية مقتدى الصدر، هذه الشخصية المركبة التي تتمحور حول روح ( الأنا ) وتسودها النرجسية العالية والغطرسة والدكتاتورية وعدم تقبل النصح والرأي الآخر . وأستكمل في هذا الجزء الجوانب الأخرى من شخصيته الجدلية . حيث أن هذا الرجل يحاول بين الحين والآخر اثارة مواضيع ساخنة جدا من أجل جذب الانتباه اليه تعزيزا لعشقه الجنوني بذاته وايمانه المطلق بزعامته التي لا يمكن أن ينافسه عليها أحد . وهو متميز جدا في اختياره لهذه المواضيع من حيث المضمون وتوقيت طرحها لكي تكون ذات صدى شديد وواسع . ومن الواضح جدا أن أي موضوع يطرحه ليس هو الهدف المقصود وانّما الاثارة والاستيلاء على المشهد العراقي غايته من ذلك . والأمثلة على هذا الجانب كثيرة جدا يعرفها العراقيون جميعا .
ونتيجة للقلق الشديد الذي يعيشه هذا الرجل وكثرة مخاوفه من ضياع زمام الأمور من يديه عن طريق أي طرف آخر ربّما يستطيع أن يخطف الأضواء منه ، يلجأ باستمرار وباسلوب متعمد الى اعلان العداء ضدّ هذا الطرف ومواصلة الحقد والعداء له وبمزاعم واتهامات لا أساس لها على أرض الواقع . وكمثال على هذه النقطة بالذات انتقاده الشديد للسيد نوري المالكي على رعاية العراق للقمة العربية في بغداد معتبرا اقامتها تبذيراً لأموال العراق ، بينما بارك لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على احتضان العراق لمؤتمر بغداد الأخير ، ناهيك عن معارضته المعروفة لأي مشروع وطني يخدم العراق في زمن المالكي ، كمشروع الاستثمار وتأهيل البنى التحتية . ولذلك فان فلسفة مقتدى الصدر في عدائه لأي جهة أو طرف تنطلق من هذا الشعور المفعم بالقلق ، ومن الصعب جداً أن يتغير عداؤه أو يقل ولو بمقدار قليل .
ومن الجوانب الأخرى التي يتصف بها عناده الكبير على مواقفه وآرائه وأفكاره ، فعلى سبيل المثال لوْ تهيأ له أن الشمس تشرق من الغرب وليس من الشرق ، لا يمكن لأحدٍ ( مهما كانت درجته العلمية ) أن يقنعه بالرأي الصحيح ، وهذه احدى صفات الانسان الجاهل الذي تسيطر عليه عقدة التخلف والجهل الممزوجة بهواجس الأنانية والنرجسية . وهو بكل تأكيد يعيش في عالم الأوهام ، ويرى نفسه من خلال هذا العالم أنهُ الأعلمُ والأفضلُ من الموجودين والأجدرُ لقيادة كل جوانب الحياة وليس جانبا واحدا فحسب . فتارة يزج نفسه في الفقه والعقائد وكأنه حبر الأمة وعالمها الجليل ، وتارة يتحدث عن اصلاح الرياضة أو اصلاح شأن المرأة في العراق أو عن مشاكل الزواج والطلاق أو عن كيفية تسليح وتعبئة الجيش العراقي أو عن تطوير موانيء العراق أو حتى عن سياسات العراق الخارجية . ويريد من الجميع الاقتناع التام بما يطرحه من آراء وأفكار ، وخلاف ذلك فان من يخالفه ولا يقتنع بأفكاره يعتبره فاشلا وغير قادر على قيادة البلد نحو شاطيء الأمان كما فعل برئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي .