22 ديسمبر، 2024 2:55 م

مقتدى الصدر … غاندي (لو) جيفارا …؟!

مقتدى الصدر … غاندي (لو) جيفارا …؟!

وصلنا النجف صباحا.. كان بقية زملائي اكثر حماسا مني لهذا الموعد… لم يكن ذلك في حساباتي… كنت اشعر ان الامور واضحة في ذهني … بالرغم من كل هذا التشويش في الخارج… وتلك الفوضى في الواقع…
بعد لحظات وجدت نفسي في ساحة تزدحم بمئات الاشخاص يتدافعون على الباب… ملابس متنوعة … قاط ودشداشة … او سراويل سوداء… عكل وعمايم… مراهقون وبالغون… وكأن يدا امتدت من السماء لتلتقطهم من محافظات العراق كافة، وجاءت بهم الى الحنانة…الجميع يتدافع للدخول… سألت نفسي: شلون راح ندخل …؟
نظرت الى شخص (فاسد) اعرفه… اصبح (برلماني) براس الصدريين… كان يشق الصفوف ليدخل مع عدد من جماعته… وتعالى صوت الحرس: اخوان اسمحوا للبرلمانيين يفوتون رحم الله والديكم…
اخذت مكانا منعزلا… بعيدا عن الزحام…وكأني اعترض على هذا كله… وقلت لنفسي: هل هؤلاء الفاسدين افضل منا…؟
توقعت ان اللقاء مع البرلمانيين سوف يطول … لكن فاجئني صوت زميلي وهو يناديني: استاذ … تعال…
لحظات… وجدت نفسي اشق الصفوف … وكان (الشيخ) يقول للحرس في الباب ويشير لي : الاستاذ ويانه…
دخلت الى البيت القديم، وقد احتشد العشرات عند باب الاستقبال… وجدت كراسي (بلاستك) في الطارمة.. جلست، ولم تمر الا دقائق … ثم سمحوا لنا بالدخول…
دخل زملائي، وبقيت في اخر الصف ، زاهدا في هذا اللقاء… معترضا على الزحام والفوضى. وجدت (الصدر) واقفا في نهاية الغرفة، والى جانبه يقف (الشيخ) ليعرف بنا… وصل الدور لي…
تعمدت ان اقف ثوان لاصنع فراغا بيني وبين الصدر… بضع امتار، لاتمكن من التدقيق في شخصه… وجدته يختلف تماما عما في مخيلتي … كان يقف منتصبا بوقار، اطول مما توقعت، ذو هيبة… وجهه ابيض… انتبهت الى ملابسه الرثة النظيفة… انتابني شعورا غريبا… وكأني اقابل شخصا لم اعرفه…!
اختفت اصوات الفوضى في الخارج، بعد ان جلسنا. قال: يا اهلا وسهلا.. بدأ (الشيخ) الكلام: سيدنا نشكر لك هذه الفرصة… شنو تحب تحجي لو نحجي؟ قال الصدر دون تردد: احجي…
يبدو ان الصدر استشرف ما في قلب (الشيخ) المعروف بشجاعته ووقاحته، والذي كان يحمل اطنان من النقد للصدر، لكونه يرى نفسه احق بالكثيرين ممن يحيطون بالصدر… لكونه خطيبا معروضا بصراحته وتحديه لعناصر الامن والحزب قبل 2003، حتى تعرض للمطاردة والاعتقال…
كانت جلسة نقاش حاد، انهالت فيها صواريخنا على الصدر، ولم افوت الفرصة لاطلاق سيل من الاتهامات ضده… حتى طأطى راسه وشبك يده بالاخرى ممتعضا… ثم انتهى اللقاء بتهديده لنا: اما ان تعدوا نظام عمل، اوافق عليه، او يلغى عملكم…
طلبنا صلاحيات للتفاوض مع الجهات السياسية، لكنه رفض وقال: هذا ليس عملكم. ثم سألنا: ما هي الجهات التي قمتم بزيارتها؟ اجابه زميلي المختص بالسياسة: زرنا اكثر من حزب وجهة سياسية. سأله الصدر: مثلا… منو؟
قال له زميلي: زرنا الدعوة والمجلس.
انفجر الصدر ساخرا: هاي هيه.. ما تعرفون بس الدعوة والمجلس… رحتوا لـــ (…) … رحتو لـــ (…)..؟
اجابه زميلي: سيدنا هاي جهات ضعيفة..
انفعل الصدر وصاح بنا: ليش انت محتاج قوتهم… انت قوي.. همه يحتاجون قوتك… انت روح لجهات ضعيفة وقويها… همه يتقوون بيك… مو بس تعرفون (دعوة) و (مجلس)… خلصنا من حزب صدام، اجونه اربع خمس صداميات…
كان زميلي جريئا ومهذبا، فقال للصدر: سيدنا انت لم تعطني منهاج عمل.. انا ما جاي اشوفك او التقي بيك حتى اعرف انت شنو تريد…؟
قال الصدر: شرط تشوفني.. اكتب لي ، وانا اوضح لك.
ولم اكن افضلا حالا من زملائي… لكني كنت اقل اهتماما منهم لما حصل… لاني لم اخطط في بالي لاي غرض شخصي… كان كل اهتمامي ينصب على المحافظة على خط الشهيد الصدر، الذي بدا لي انه مهددا بالتلاشي ..
هذا اللقاء كان نهاية 2004، في ذلك العام، خرج الصدر منهكا من معركتين مع الاحتلال، لكنه اكثر شعبية، ثم صار عاملا مؤثرا في المعادلات السياسية… الا ان اللقاء زادني حيرة حول حقيقة الصدر… لم يكن سهلا ان تكتشف الصدر الذي اتخذ الغموض اسلوبا في الادارة ، ومن حوله تحيط الشبهات والاشاعات..
كان احد الاهداف الرئيسة لي من الاستمرار في العمل، هي معرفة حقيقة الصدر، قبل ان اتخذ قرارا بالانعزال… بعدها اتجهت الى البحث العلمي حوله، واكتشفت ان الباحث اوالصحافي الامريكي هو الاكثر فهما لمقتدى الصدر…! وجدت ابحاث ماجستير ودكتوراه عن الصدر، فهمت من خلالها مواقف الصدر، وكشفت لي المستوى العالي للاداء السياسي لهذه العقلية الفذة…
توضح لي ان الصدر يستخدم اسلوبين في التعامل والعلاقات. لقد استخدم الاسلوب الجيفاري في مواجهة الاحتلال… لكنه في الوقت نفسه، كان مع العراقيين … غانديا..
يتبع.