ما حصل في اليومين الأخيرين من تغيير بالأحداث في المشهد العراقي, من تصعيد لممارسة الضغط على البرلمان العراقي من قبل مقتدى الصدر من أجل التصويت على الكابينة الوزارية التي وضعها العبادي, بعبارة مبسطة هي ضغط على البرلمان من أجل إقالة الوزراء الحاليين أو تشكيل حكومة إنقلاب, وقد استغل العبادي وبتوجيه أميركي تحرك مقتدى الصدر وفتح المجال أمام الأخير لدخول المنطقة الخضراء وحصل ما حصل .
والجميع يعلم إن أميركا ومنذ شهور أعدت خطة لتغيير الحكومة في العراق, وذلك من خلال مشروع حكومة الطوارئ الذي روجت له من خلال إحدى القنوات الفضائية, والذي سبقه إصدار قائمة بأسماء مجموعة من قادة الكتل والأحزاب والوزراء تضم 72 اسماً قررت أميركا بإبعادهم عن المشهد السياسي, وهي منذ تلك اللحظة تعد العدة لتطبيق هذا المشروع, لذا وجدت إن تحرك مقتدى الصدر يتناسب ومشروعها, وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية – المتوافقة مع أميركا- وعن طريق سفيرها في بغداد ” السبهان ” أن يجري لقاءات وحوارات مع قيادات بارزة في التيار الصدري والتي أعقبها خروج مقتدى بتظاهرات واعتصامات على بوابات الخضراء لكن هذه الاعتصامات فضت بسبب تحرك إيران داخل أروقة البرلمان الذي خدع من خلاله مقتدى وصور له البرلمانيون إنهم سيصوتون على الكابينة الوزارية الجديدة التي توافق عليها مع رئيس الوزراء حيدر العبادي, والأخير غرر مقتدى بحقائب وزارية في الحكومة الجديدة لذلك مارس مقتدى الضغط على البرلمان من خلال تحركه الأخير, بمعنى آخر إن أميركا وبالتوافق مع المملكة العربية السعودية ومن خلال العبادي استطاعتا إن تحتوي مقتدى الصدر وأخذت تروج له على انه شخصية عربية عراقية ونجحت في استقطابه لمحورها من حيث يشعر أو لا يشعر.
هذا الأمر لم يعجب إيران لأن الكابينة الجديدة تعني فقدان العديد من الوزارات التي تعمل لصالحها, لذلك أوعزت لكل المليشيات المرتبطة بها بتعزيز تواجدها في العاصمة بغداد عشية اقتحام المنطقة الخضراء وكانت الذريعة لهذا التواجد المليشياوي الإيراني هو تسلل مجموعة من تنظيم داعش إلى أسوار بغداد, هذا من جهة ومن جهة أخرى وفي الوقت ذاته أرسل السيستاني المرجع الإيراني المقيم في العراق نجله ” محمد رضا ” إلى مقتدى الصدر وطلب منه مرافقته إلى السيستاني وبالفعل ذهب إليه وحصل لقاء شخصي بينهما عقبه مباشرة سفر مقتدى الصدر إلى إيران وعلى متن طائرة تابعة لشركة طيران إيرانية على الرغم من امتلاكه طائرة خاصة, ليكسر بذلك قرار اعتكافه – لمدة شهرين – الذي اتخذه يوم اقتحام المنطقة الخضراء وفي خضم هذه الأحداث أصدر مقتدى أمراً بفض الاعتصام وسحب المتظاهرين من المنطقة الخضراء بحجة زيارة الأمام الكاظم ” عليه السلام ” !!.
وهذا يبين إن مقتدى الآن بين آمرين, بين السير قدماً بالتحرك الذي تريده أميركا والذي سيكسب من خلاله حقائب وزارية وكذلك يصبح هو القائد رقم واحد في العراق ويحظى بعنوان ” المصلح ” الذي يبحث عنه منذ سنوات, وبين الضغط الإيراني الذي أجبره على الإنسحاب والسفر إلى طهران وفي حال انصياعه لتوجيهات خامنئي وهذا يعني إفلاسه من الشهرة الإعلامية التي يبحث عنها ومن الحقائب الوزارية في الحكومة المرتقبة, وكذلك يخسر كل أمواله الموجودة في إيران مع فقدانه لدعمها, ولعلها ستقوم بتصفيته, فهل يخسر ما هو بغيته ومنيته أو يخرج عن طوع إيران … ” هل اخسر ملك الري وملكها منيتي أو أقتل الحسين والحسين إبن عمي !!” هذا حال مقتدى الصدر الآن, وبكل الأحوال الأمر في صالح أميركا, فإن قتل مقتدى الصدر أو خرج عن طوع إيران فهي المستفيد, وإن سار وفق ما تخطط له فهي المستفيد.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على إن مقتدى الصدر التي يعتبرها بعض العراقيين إنها الجهة الوحيدة التي تطالب بالإصلاح وتدعو له يدل على إن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق لان هذه الجهة هي جهة خاضعة وتابعة لدول إقليمية من جهة ومن جهة أخرى تبحث عن مكسب لها, فلا يمكن أن يحدث الإصلاح الذي ينشده العراقيون, لأن كل التحركات التي تحصل الآن في العراق هي وفق ما رسمت لها أميركا كما يقول المرجع العراقي الصرخي في استفتاء ” أميركا والسعودية وإيران….صراع في العراق ” والذي قال فيه …
{{… إنْ حصلَ إتفاق بين دول مَحاور الصراع على حلٍّ أو شخصٍ معيّن، فإنّه يرجع إلى التنافس والصراع المسموح به فيما بينهم والذي يكون ضمن الحلبة والمساحة التي حدّدتها أميركا، فالخيارات محدودة عندهم، وبعد محاولة أحد الأقطاب تحقيق مكسب معين، وتمكّن القطب الآخر من إفشال ذلك، فإنهم سيضطرّون إلى حلٍّ وسطي ومنه الرجوع إلى ما كان !!…}}.
فأميركا هي من يرسم الخارطة التي يسير عليها الجميع سواء بقبولهم أو بعدمه أو يشعرون بذلك أو لا, فهي المستفيد بكل الأحوال وخطتها تسير بالصورة التي تريدها, وقد استطاعت ومن خلال مقتدى الصدر أن تمرر ما تريده سواء اليوم أو غد أو بعد شهر أو بعد سنة, لذا فعلى الجميع أن يلتفت إلى أمر وهو إن الإصلاح والتغيير الذي يطالب به الجميع الآن ما هو إلا عبارة عن إكذوبة وخدعة تمارسها القوى الدولية المتصارعة في العراق من أجل بسط الهيمنة على العراق, مستغلة بذلك كل الجهات والقيادات والرموز والسياسيين, وهذا يعني إن العراق من سيء إلى أسوأ ولا خلاص إلا بمشروع خلاص الذي طرحه المرجع العراقي الصرخي والذي دعا فيه إلى تدويل قضية العراق وأن يكون تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة وبالتعاون مع الدول العربية, وتوجيه قرار شديد اللهجة لمطالبة إيران ومليشياتها بالخروج من العراق, وكذلك حل الحكومة والبرلمان الحاليين وتشكيل حكومة خلاص مؤقتة تدير شؤون البلاد ويكون أعضاء هذه الحكومة من العراقيين الشرفاء غير المرتبطين بأجندة أو دول خارجية.