22 نوفمبر، 2024 6:56 م
Search
Close this search box.

مقبرة في هاتف…

حين يتحول الهاتف إلى مقبرة، تكون الأسماء اشبه بموتى ليس لك فيهم علاقة الا بأسماء شواهد القبور التي تقف فوقهم كما الرايات، هناك رايات خيبة ورايات محبة، وربما يصل بك الواقع ان تتنكر حتى لاسمائهم كما تتنكر لعدو ضال الطريق.
الأسماء في هاتفك ذمة، لسنوات وحيوات تصطف مثل قطيع خرفان، كل ينتظر دوره للخلود في روحك… او رميه في سلة الذكريات، مع كل ذلك هناك حقيقة كبيرة: كل اسم هو حاجب لغيره، حين تكثر الأسماء امام عينيك، سيغيب في زحمتها كثير من القريبين منك، سيتحولون إلى هامش اخر ضمن الهوامش الجديدة، سيمر عليك زمن تجد انك محاط باسماء وهمية كل همها ان تبعد عنك الاسماء الحقيقية، او ربما ابعادك انت عنهم، واخطر حالة حين يتصور البعض انك اصبحت من ضمن حقوقه الشخصية التي لايمكن ان يسمح للاخرين بالتقرب منه، علاوة على الوصول اليه، الديكتاتورية ليست من صنع الديكتاتور بل من اللوحة التي يرسمها الفارغون حوله حتى يتصور نفسه اسدا وحيدا في غابة، وان الوطنية ان تستمتع الغابة بجماله وحكمته الضرورية، هكذا حتى ياخذ الاسد دور الطاووس وينتحل تغريد البلابل، ولو انه نظر الى الماء وهو يشرب لوجد نفسه لايختلف عن قط كبير ليس الا.
هناك من الاسماء مايعمل عمل الحاجب داخل عينيك اللتين لايمكنها ان تنظرا الى الجميع بنظرة واحدة… .. لانهما اثنتان… وهم كثير.
حين تصطف الحروف في هاتفك ليشكل عشيرة اسماء، فلها عليك أن تختفي بها مادمت احتفظت بها في سجل الأسماء، وحين تزداد الأسماء بسبب المصالح، معك أو عليك، فتلك بحاجة إلى مصالحة دائمية معك، ويا انت يا… معك… تحمل روح طويرنية او طير حذافة تشم بالبردي روائح اجدادها، وتنتظر في نفس المكان ان تقع أسيرة في شبكة صيد او تخترقها فالة صياد لم يتعرف في مشحوفه الا على العرق والزوري والبردي.. انت الذي لم تقايس الناس على مصلحة ما، وانت انت من يأبى ان يقايسه احد على مصلحته هو، أسهل شيء لديك ان تجز عنق هذه الصداقة الشكلية وتمحوها مثل دين عتيق بعت بيتك لتسدده وتنساه… لا ان تتناساه.
اتعبتك الهواتف التي لاتطالبك الا بتعيين او نقل او ترقية، انهم يعلمون ان الكثير منهم دلالون من دون مكاتب رسمية، هم يريدون منك ان تصبح منضدة لكتاباتهم وهم يثردون بدمك، لكنك لست “طير كمش على التيغه) يغتاض ان يزعل عليه دلال او مرابٍ بصفة صديق أو قريب، وربما يتهمك بالعقوق لأنك حرمته من صفقة ذل يدفعها وجهك وانت لا خال ولد ولا عم أبنية..
هاتفي فيه 5000 اسم حفظتهم في دورة حياتية، ربما استطيع بجهد جهيد ان استخرج أخوة حقيقيين لايتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، فما حاجة ذاكرة الهاتف ان تلغي ذاكرتي وتبقي 5000 شاهدة لاسم في مقبرة هاتف أحمله في كل مكان وكأنني احمل خيباتي واحزاني وذكرياتي؟
وحدي هو الذي يعيش معي، وحدي وهاتفي وحدهما من يقضيان اليوم معي، الهاتف اشبه بثوب ابيض عليه حبر اسود، أخشى من كمية الحبر الذي يقطر في عيوني وانا اتطلع إلى اسماء طاهرة… لكن اصحابها دنيويون إلى الحد الذي يطالبونك ان تتنازل عن دينك من أجل دنياهم، وهذه قسمة طايح حظهه..
صديقي الاثير إلى نفسي عصام جعفر أهداني حكمته الكبيرة: اي شخص يعطيك طاقة سلبية ابتعد عنه… أظهر له الكارت الأحمر ليخرج من حياتك، عقوبتك انك لن تسمح له برؤيتك من جديد… وهكذا كان.
أقسى مايؤلمك وانت في مسيرة الحذف، ان تخرج اليك وجوه من حروف اسمائها، غادرت بعيدا الى الموت وانت تكذب نفسك انهم رحلوا الى الضفة الأخرى من الحياة، انت لاتريد ان تصدق موتهم، ولا هم يتواصلون… وبالتالي سيكونون موتى نموذجيين في مقبرة خاصة داخل سجل هاتفك، قتلتنا الذكريات مثلما قتلتنا الخيانات،
ابدأ بالحذف ياصديقي قبل ان تصبح محذوفا.

أحدث المقالات