يعز في نفسي أن أسمع أحدهم يسأل تلميذاً صغيراً في بداية حياته الدراسية السؤال الذي مفاده “ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟”.
هذا السؤال الذي يؤلمني للغاية ولا سيما عندما أجد التلاميذ يجيبون على السؤال بكل اندفاع.
التلاميذ يسارعون في الإجابة: أنا سأكون طبيباً الآخر يقول أنا سأكون مهندساً ومنهم من يقول أنا سأكون ضابطاً في الجيش أو الشرطة وهكذا..
أنا أيضاً سألوني نفس السؤال عندما جلست في رحلة الصف الأول الابتدائي. عندها كنت مفعماً بالحب ومليئاً بالآمال وكنت أشاهد الدنيا باللون الوردي. أحلامنا كانت مصدر قوتنا التي تدفعنا لخوض غمار الدراسة والمدرسة وتحمل برودة الشتاء وحرارة الصيف. كنا نعمل جاهدين لنصل إلى مبتغانا في الحياة ونحقق أحلامنا ونعيش كما نحب ومع من نحب ونحيا حياة سعيدة. لم نكن نعلم شيئاً عن المؤامرة والتآمر وإنكار الآخر الذي سنجابه به في المستقبل الذي ينتظرنا. كنا نسير بنيتنا الصافية دون أن نبصر الحقائق الأليمة التي تحيط بنا من كل نحو وصوب. الأب والأم يحرصان كل الحرص لتوفير الأجواء التي من شأنها أن تقودنا إلى ما نريد أن نكون ولا يذخرون جهداً في إسعادنا. لم نكن نفكر قط بأن سفينة الحياة ستنشر أشرعتها بعكس رياح أحلامنا ولم يخطر ببال أحد منا بأن هذه السفينة ستواجه أمواجاً عاتية تمنعها من أن ترسو في بر أمنياتنا. أمواج المحسوبية والحزبية ورياح الانتماءات التي حطمت السفينة وأغرقتها ومن عليها وبما يحملون من أحلام وردية.
ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ هذا السؤال الذي يرهقني جداً عندما أسمع أحدهم يوجهه إلى تلميذ بريء لا يعرف أن البيئة التي يعيش فيها ملغومة وقد خبأت له من الخفايا ما لا يستطيع عقله الصغير استيعابه. يصعب عليّ للغاية رؤية الابتسامة المعصومة على خدود التلاميذ وهم يجيبون على هذا السؤال. أنا سأكون طبيباً، أنا سأكون مهندساً، أنا سأكون طياراً، أنا سأكون مدرساً ولا أحد منهم يدري بأن أحلامهم سوف تقبر. فلا هذا يكون طبياً ولا ذاك سيكون مهندساً ولا أحد منهم يستطيع أن يكون ضابطاً أو أي شيء من الذي يحلم فيه والأقدار هي من تخطط لهم وتسوقهم إلى المصيرهم الذي ينتظرهم في بلد لا يعلمه إلاّ عالم الغيب والشهادة.