ألا ترى معي بأنَّ المقابرَ كلّها هادئةً لاتشبهُ مقبرةَ هذهِ المدينة ! أنظرْ كيفَ تنمو كلَّ يومٍ للآنَ تشتاقُ كثيراً لأخبارِ الحروب ! صمتها كشاهداتِ القبور فاغرة فاها لا تشبعُ أبداً , كمْ هي رحيمة تحتظنُ الوافدينَ إليها وتنادي هلْ مِنْ مزيد , يتغنّى الحفارونَ ويبددُونَ وحشةَ الأرضَ فتستبشرُ الفؤوسَ بزائرٍ جديدٍ تنكبُ تبحثُ لهُ عنْ مكانٍ بينَ مَنْ نفذتْ أيامهم , رغمَ أنّهم تركوا خلفهم ملذأت الحياةِ لمْ يشعروا كمْ هو مؤلمُ هذا الفراق , فقطْ هي الوثائقُ الشخصيّة تؤرّخُ كمْ لبثوا بيننا والذكريات تؤرشفُ أماكنهم , هجرتهم الطويلة لا يملكونَ مفاتيحَ العودةِ منها وقدْ أضاعها المستحيل , بعيداً عنْ مباهجِ الحياةِ ضبابٌ مشوّشٌ شرنقَ الضحكات , حتى المروجَ الخضراءَ مِنْ حولها ياليتَ ينابيعها تومىءُ للشمسِ ألاّ تتثاءبَ فوقَ قبورها الهامدة , ما أضيقَ دروبَ الرحيل وهي ترددُ الأنينَ ! آهٍ هنا تتوارى أسماءهم في المنعطفاتِ المفجوعةِ بالغياب , أيّها الهابطونَ إليها بعدما نخرتْ أسماؤكم الحربَ كأني أسمعُ أصواتكم تضمّدها لفافاتِ نازفةٍ , هلْ تخيّلتم أنَّ يوما ما ستبعثونَ مرةً أخرى ويهديكم هذا الخرابَ امنياتكم المسلوبةِ ؟