ليست المظاهرات هدفا بحد ذاته بل هي وسيلة مشروعة لتحقيق جملة من الاهداف. البعض من هذه الاهداف ممكنة التحقيق, وبعضها الاخر صعبة التحقيق بينما هناك نوع ثالث يمكن وصفها بانها مستحيلة التحقيق. من ينظم المظاهرات او الجهة القادرة على تحشيد الناس سواء كانوا بالعشرات مثل مظاهرات الربيع العراقي رحمه الله واسكنه فسيح جناته لمن يتذكر مظاهرات ساحة التحرير قبل سنتين , او عشرات الالاف مثل المظاهرات والاعتصامات الجارية الان في نحو خمس محافظات عراقية في شريط جغرافي واحد وهو المنطقة الغربية هي التي ينبغي ان تحدد اولويات الاهداف ووسائل تحقيقها.
وبالمقارنة بين مظاهرات المرحوم “الربيع العراقي” .. تلك المظاهرات التي سبقتها دعوات فيسبوكية و”هنبلونية” ارعبت الحكومة اول الامر واذا بها ـ الحكومة ـ تنام بعد جمعة واحدة ملء جفونها عن شواردها لمدة مائة يوم انتهت بعرض اجتماعات مجلس الوزراء على الهواء مباشرة فقط. بينما اليوم يبدو الامر مختلفا بالنوع والشكل والمضمون.
اذا عدنا الى الاهداف التي قلنا ان اية مظاهرات في الدنيا تحملها على كاهلها والتي تتوزع بين الممكن والصعب والمستحيل فان من الطبيعي ان تكون معلنة كسقوف مرتفعة طبقا لما تم تصنيفه الان بين “مطاليب مشروعة” واخرى تحمل اغراضا واجندات اخرى طبقا لما تعبر عنه الجهة المستهدفة. ومع انه يفترض ان تكون الجهة المستهدفة هي الحكومة فانه في ظل الوضع العراقي الملتبس حيث نصف الحكومة موالاة ونصفها معارضة والامر نفسه ينطبق على البرلمان الذي ينقسم هو الاخر الى قمسمين معارضة وموالاة .. فان من الطبيعي تماما ان نجد هناك تعددية في الجهات المستهدفة بالتظاهر.
وبالتاكيد فان هذا الامر ليس في صالح المتظاهرين او لنقل القيادات التي تقف خلفهم وتوجههم. واذا اعدنا فحص مطالب المتظاهرين طبقا لتوصيفنا لها بين الممكن والصعب والمستحيل فاننا نجد ان هناك تداخلا بين ماهو ممكن وصعب ومستحيل. واذا افترضنا ان هناك مفاوضات تجري سواء بالسر او بالعلن بين جهات تمثل المتظاهرين وجهات حكومية او برلمانية فاذا كان من حق المتظاهرين رفع سقوف المطالب الى عنان السماء حتى لحظة الجلوس على الطاولة حتى تبدا التنازلات المتقابلة فمما هو ملاحظ حتى الان ان السقوف لاتزال مرتفعة بدون تحديد لاي نوعية من الاهداف التي ينوي قادة المظاهرات تحقيقها. ومما زاد الامور تعقيدا هم الوسطاء ونستطيع ان نسمي بعضهم بلامواربة بـ “مقاولي المظاهرات”.فمنهم من يريد ركوب موجة المظاهرات لتحقيق مكاسب انتخابية او سياسية وهناك من يريد اعادة تلميع نفسه سواء امام الحكومة بـ “راس” المتظاهرين او امام المتظاهرين بـ “راس” الحكومة.
اخشى ما اخشاه ان تتحول المظاهرة الى هدف بحد ذاته وليس مجرد وسيلة او احدى وسائل الضغط الجماهيري لتحقيق اهداف معينة. وطالما ان الجميع يتحدث عن حق التظاهر المكفول بالدستور فضلا عن سلمية هذا التظاهر فليس من حق الحكومة ان لاتستجيب للمطاليب المشروعة فتسرع في تنفيذها بدون “عر وجر” . كما انه ليس من حق المتظاهرين الاستمرار في التظاهر دون ان يحصوا الارباح والخسائر ويعيدوا تقييم الموقف اما اكتفاء بما حصل او الاستعداد لجولة قادمة بعد ان يكونوا قد قطعوا شوطا في نيل المطالب التي قد لاتاتي دائما .. بالتظاهر فقط.