يقول ياس خضر في اغنيته الرائعه : (( ياحسافة جنت احسبك نبع ريحان وسكيتك , ياحسافة , تهدم الحلم البنيته , تكطع الهرش الرويته , شرد اكلك ؟ شرد اكلك ؟ نسيت عمري نسيت عمري وما نسيتك وما نسيتك , يا يا يا حسافة )) .
لما سألوا الشاعر أحمد رامي عن سبب عدم زواجه من الست , رد قائلا : (( لو كُنت اتجوزتها ما كنتش كتبت فيها سهران لوحدي اناجي طيفك )) , وقصة رامي مع الست كانت من أقسى القصص اللي ممكن يمر بيها أي بني ادم , فرامي كان في مـصيبة الحب من طرف واحد , وقد كتب في الست 135 قصيدة , كلها لم تدهش الست , وهو القائل
في قصيدة غلبت اصالح : ((وانا اللى أخلصت في ودى و فضلت طول العمر امين
ياخد الزمان مني و يدي و قلبك أنت عليّ ضنين )) , وفي قصيدة يا ظالمني كتب لها :
(( أطاوع فى هواك قلبي و انسى الكل علشانك , و ادوق المر فى حبي بكاس صدك و هجرانك , رحمني اللى فرح فيا وبعد اللوم رأف بيا وقلبك ما رحمني يوم )) , وكتب بعدها : (( حيرت قلبي معاك وانا بداري واخبي , قولي اعمل إيه وياك ولا أعمل إيه و يا قلبي )) , كما كتب لها : (( هجرتك يمكن أنسى هواك و اودع قلبك القا.سي )) , و أيضا :(( اصون كرامتي من أجل حبي , فإن النفس عندي فوق قلبي )) , و مرة جرحته الست و كلمته بصوت عالي أمام الناس فكتب : (( من أنـت حـتى تستبيحي عزتي فأهين فيك كـرامتي و دموعي)) , حتى عندما قرر ان يتزوج ويبعد , أعطته الست خاتم هدية , فكتب لها : (( جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح ؟ )) , وأخيرا كتب :
(( فما لي بُعدٌ بَعْد َ بُعدِك َ بَعْدَما تيَقنْت ُ أن ّ القرب و البُعد واحد
و إنّي و إن أُهْجِرت ُ فالهَجْرُ صاحبي و كيف يصح ّ الهجر و الحُب ّ واجد)) .
الحسافة أولها حس وآخرها آفة , لذا هو شعور لو غلبك أكلك وأنت حي , والحنين شعور جاء بـ ألفتعب فعشناه أنين , والأشواق تحمل شعور كافبجعل وخزها في قلوبنا مثل الأشواك , والصبرشعور أوله صب , وآخره بر يفضي إلى الرضا إذا فزت بآخره , والفراق شعور مؤلم لا يداويه الف راق , لكنه يبرأ سريعاً بالوصال , والقلق شعور مؤذ ,
والسلو عن الإثم لا يكفي لمحوه , وإنما الندم وحده هو الذي يطهر القلوب ويهيئ النفوس للخلاص .
كم هو مؤلم أن تنهار من الداخل , وتبقى روحاً لا تشعر ولا تحس , وتظل رغم المصيبة تبتسم للجميع , هل تفهم كيف يكون هذا الشعور؟ لست بحزين , فقط تشعر بالعتمة في الصدر , هل تفهم كيف يكون المرء منطفئاً , نحن قوم إذا أحببنا شخص بادلناه بهجتنا وأحزاننا , باسل ٌ ومغوار ٌ أنت يا ابن الفارض , حين تقول : (( وإذا صَفا لكَ من زمانِكَ واحِدٌ .. فهو المُراد وعِش بذاكَ الواحدِ )) .
يقول فيودور دوستويفسكي في روايته الجريمة و العقاب : (( أتدري ما هو الحنين ؟
الحنين هو حين لا يستطيع الجسد أن يذهب إلى حيث تذهب الروح )) , تلك هي التأملات عنما تجيء بإيعاز من الحزن , فقد تجف الدموع في مآقيها ونعجز عن استجلابها وقت حاجتنا إليها , لأن النفس التي ذاقت أحزانًا كثيرة قد كسبت آليةً ومناعةً تجعل الحاجة للدموع أقل من ذي قبل , أو ربما لأننا ألفنا غصة الحزن ومرارة خيبة الأمل , أو ربما لأن نيران الفجيعة المتأجِّجة في الصدور تعجز الدموع عن إطفائها , فتستسلم منزويةً في منابعها حتي تأكل النار نفسها فتهدأ.
تقول ميس خالد : (( وحينما أكره صمتي أغني , أنا لا أخشى الريح ولكني أخشى إرتجاف الضلوعوانكشاف أمري , نصفي بلل نصفي يباس , والصمت مالح التأويل , عالقة في زبد من العشق , أتضور شوقا , اسكب وجهك في زيت القناديل ,امنح لليالي السمراء فتنتها )) , ترى هل نعشق حقا أن نكون ضحايا ؟ محترفون في تجسد الحزن ؟ لأن بعض من نصيب الحكمة التي يصيبها كل إنسان في حياته , يبنيها من محصلة إخفاقاته وأحزانه , ولولا الحزن لما شعرنا بقيمة الفرح والسعادة , فإننا مجبولون على إلف الدائم , وفقدان الشعور به.