مقامة هلوسات التحليل

مقامة هلوسات التحليل

كون لسان الحق مقطوعا , ولسان الباطل طويلا , والنفاق مليكا , والمرائي بطلا , والتابع وطنيا , والخائن قدوة , تنمحق الأمم وتفترَس الأوطان , فهل من قدرة على وعي الإمتهان؟ يقولون ان الطريقة الناجعة لتدمير دولة , ازرع فيها زعيم فاسد أفاق , وعارضه بنخبة فاسدة مدلسة , تحصل على حطام دولة.

 

قراء إرنست همنغواي كانوا قد قرأوا الجواب منذ زمن في روايته (( الشمس تشرق أيضاً )) , عندما يقول بطلها مايك كامبل : (( الإفلاس يأتي تدريجياً , ثم يقع مرة واحدة )) , والتاريخ يقول إنَّ الكرسي يَتعب من شاغلِه إذا أسرف في الرهانات الشائكةِ وأسرفت أجهزته في ولائمِ القسوة ,

 

حكمةٍ صينية تدعو المجروح إلى (( الجلوس على حافةِ النهر وانتظار جثَّةِ عدوه )) , خرج الفرس من سوريا من الباب , ودخلتها السلطات العثمانية من الشباك وكذلك ما يحصل بتدخلات من هاتين الإمبراطوريتين من تدخلات سافرة ووقحة في العديد من الدول العربية , يخجل المرئ من نفسه عندما تعجز الحكومات العربية بالدفاع عن نفسها للحفاظ على هويتها وكيانها واستقلالها , لتكون سيدة نفسها حرة أبية تتمتع بكامل السيادة والوطنية لتحفظ ماء وجهها من هاتين الأمبراطوريتين ,

 

يقول محمود درويش : ((سبايا نحن في الزمان الرخو , أَسْلَمَنا الغزاةُ إلى أهالينا , فما كدنا نعضُّ الأرضَ حتى انقضَّ حامينا..)) .

التكنولوجيا تمزقنا , تغتالنا , تجردنا من قدرات الحياة , وتلقي بنا في غياهب الخسران الأكيد , فمجتمعاتنا أمية تكنولوجيا , ومدثرة بالأضاليل والخرافات الهذيانية التي تطمرها في حفر الغابرات , وتوهمها بأن ما مضى ما إنقضى , وما مات ما فات , ويتم دفعها للتخبط في مقابر الأجداث , فهي تنوح على ما حولته القرون إلى رميم.

تحصد التكنولوجيا رؤوسنا وتحيلنا إلى أرقام , يتحقق محوها بيسر وإمعان , والصواريخ الذكية تطاردنا , والمسيَّرات العارفة بنا تستهدفنا , والأجهزة الإلكترونية عدونا , ونحن المكبلون بالموت والإنمحاق بضغطة زر لا غير , مشاهد مرعبة , وطائرات معربدة , تلقي علينا حمم إنفجارية تزن أطنانا , فتحيل وجودنا إلى خراب , وحياتنا إلى عذاب , حتى صار الموت مألوفا , وسفك الدماء معروفا , ونحن منشغلون بخطف بعضنا وبالتغييب والتنكيل والإستلاب , ودفن أخوتنا أحياء والمتاجرة بأعضائهم والعدوان الشرس عليهم , فهذا نصرنا وفخرنا وبطولتنا , والطامعون بنا يقهقهون ويتصيدون جميعنا.

يصنعون ونتصارع , يزرعون ونقاتل الزرع والضرع , يتقدمون ونتأخر , يحررون العقول ونرهنها بالماضيات , نؤمن بالخرافة وننكر الحصافة , نأكل لحم بعضنا ونحسبه شطارة , يبنون ونهدم , يعمّرون ونخرب , يفكرون وعقولنا معطلة , نحارب الأذكياء ونعز الأغبياء , قادتنا سذج , وقادتهم وأمرهم شورى بينهم , فلماذا نتعجب من قطفهم لرؤوسنا , وسطوتهم على بلداننا , وتدميرهم لوجودنا , إنهم الأقوياء الغالبون , ونحن الضعفاء المنهزمون.

أعددنا لهم ما إستطعنا من وسائل الضعف والهوان , وإستلطفنا دور الضحية , وترنمنا بالمظلومية , والتشكي والنواح على ذاتنا وموضوعنا , وهم يتسابقون ونحن نتقهقر , فالوراء إمامنا والجهل قائدنا , اليوم يقطفون رؤوسنا وغدا سيقتلعوننا , وسيبيعوننا في مزادات الإفتراس المعاصرة , ذات الأقنعة الملونة المتنوعة الجذابة , فهل عندنا القدرة على تقرير مصيرنا ؟ علينا أن نطعم أنفسنا أولا , ونصنع حاجاتنا , ونمتلك سلاحنا , ونحرر عقولنا من الضلال والبهتان , ونفهم ديننا , لا أن نتبع الذين يضعون كل شيئ وراء ظهورهم , ونستيقظ من غفلتنا النكراء .

بعد اليمن أيران وبعدهما ( الجائزة الكبرى) مصر , والمحطة التي تلي , محطة ( صفقة القرن ) , وبعدها محطة ( الشرق الأوسط الكبير الجديد ) , و(أسرائيل الكبرى ) .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات