المندلاوي الجميل أرتدى اليوم قفطان الدرويش , وأطل علينا مترنما بقول شمس الدين التبريزي (( حين اخبرته أن قلبي من طين , سخر مني , لان قلبه من حديد ,غدا ستمطر الدنيا وسيزهر قلبي وسيصدأ قلبه )) , لازال قلبه الثمانيني يخفق بنبض الشباب متيقنا ان تعلق الفاني بالفاني يفنيه , و تعلق الفاني بالباقي يبقيه , وفيما يخص المعدن قيل ليوسف عليه السلام وهو في السجن : إنّا نراك من المحسنين , و قيلت له نفس العبارة و هو على خزائن مصر: إنّا نراك من المحسنين , المعدن الطيب لا تغيّره المصائب و لا تُفسِده المناصب .
في ) الحب في زمن الكوليرا ) , يعالج غابرييل غارسيا ماركيز مفهوم الحب الذي لا يذبل رغم مرور السنين , ولكنه أيضًا يتناول ألم الفراق الذي يترك أثرًا لا يمحى في القلوب , حيث يستمر الحنين حتى بعد عقود طويلة من البعد , ومنه هذا النص : ((قال لها: لا يوجد ألم في الدنيا يشبه ألم الفراق , إنه جرح لا يُرى لكنه ينزف في كل لحظة , أنام وأصحو وأجد الفراغ الذي تركته يزداد اتساعًا , كأن غيابك ليس مجرد غياب , بل هو هوة تبتلع روحي شيئًا فشيئًا , لا يقتلني الفراق بحد ذاته , بل تلك الذكريات التي تظل حية , ترفض أن تموت معي , تلاحقني في كل زاوية , في كل نسمة هواء , في كل ضوء شاحب يتسلل من نافذتي , أخبريني , كيف ينجو الإنسان من حب صار جزءًا منه , ولم يعد يعرف كيف يكون بدونه ؟ )) .
يكتب نيكوس كازانتزاكيس في زوربا اليوناني هذا الحوار الرائع عن صلاة زوربا :
(( – لا أراك تصلي يا زوربا
- الذي يصلي لن تراه
– هل معنى هذا أنك تصلي؟
- نعم لا تستطيع قطرة البحر إلا أن تكون في أعماق الموج
– ولكن كيف تصلي؟
- هل تعتقد أن أصلي صلاة شحاذ وضيع يتذلل من أجل أطماعه ومخاوفه ؟بل أصلي كرجل
– وكيف يصلي الرجال؟
- نضحك ونتكلم كصديقين
– ألا تطلب منه شيئا
- هو أكرم من أن أطلب منه طالما نظر فوجد حبّا أعطى
– وماذا تفعل عند الخوف؟
- أخاف ككل إنسان ولكن عندي يقين أن الحب يُذهب الخوف )) .
إذا استولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء , و إذا استولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن , فيطيش العقل بذكر الحبيب , فيحدث فى القلب استغراق , وعلى البدن سكون فيراه الجاهل , فيظنه عتها و جنونا , ويكشف النقشبندي عمّا في القلب حين يبتهل وينادي الله ويستشعر عظمته في قلبه قائلًا :(( مَن ليّ سِوَاك ومَن سواكَ يرى قلبي ويسمعهُ ؟ كلُّ الخلائق ظلُّ في يدِ الصَّمَدِ, أدعوكَ يا ربِّ , فاغفر ذلّتي كرمًا , واجعل شفيعَ دعائي حُسن مُعتقديّ , وانظُر لحالي في خوفٍ وفي طمعٍ , هل يرحَمُ العبدَ بعّد الله مِن أحدٍ ؟ )) .
من اشهر أقوال جلال الدين الرومي : ((كيف يمكن للبذرة أنْ تُصدِّق أنَّ هناك شجرة ضخمة مُخبَّأة داخلها ؟ ما تبحث عنه موجود بداخلك , وأياً كان ما يحدث لك , لا تقع في اليأس , حتى لو أُغلقت جميع الأبواب , سيظهر لك طريق سري لا يعرفه أحد , فتيقن ان لِكُل ليل قمر , حتى ذلك الليل الذي بأعماقك , ترى هل يموت الحب بالفراق , أم أنه يتحول إلى شبح يرافقنا إلى الأبد؟ يا من تركتَ في الصمتِ بقاياك , سأُعيدُ للكونِ طيفَ رؤياك , مهما نُفيتَ عن الحلمِ قسرًا ,ستعودُ يومًا , ويبقى صداك , هروبك مما يؤلمك سيؤلمك اكثر , لا تهرب تألم حتى تشفى , لقد تعودنا ان نصف كل مرحلة دقيقة نمر بها بأنها اخطر المراحل , والذي يدفعنا إلى ذلك هو الخوف من المعلوم لا من المجهول , كل الناس تسمع صوتي إلا أنت تسمع قلبي , اتعرف ماهو الجرح ؟ الجرح هو المكان الذي يدخل منه الضوء إلى أعماقك ,
(( ما مر ذكرك إلا وابتسمت له كأنك العيد والباقون أيامُ
أو حام طيفك إلا طرت أتبعه أنت الحقيقة والجلاس أوهامُ )) .