)) هيَ تعرفُ أنَّ الليلَ سيأتي , مثلَ البردِ النابتِ في الوقتِ الحاليِّ , ومثل الحزنِ المورِقِ في العامِ الفائت , هي تدري أنّ الدِفءَ بعيدٌ عن غرفتها , فتُلملِمُ في تلكَ الغرفةِ مطرَ الخوفِ , وتبحثُ في عُشِّ وسادتها عن وجهٍ مخبولٍ , لرجلٍ مخبولٍ , كانَ في الزمنِ النذلِ
يحبّها جدّاً )) .

عامٌ جديدٌ بلا جِدّة , ثقلُ أيامِ وأسابيع وشهور أخرى تتوالى سراعاً , وتضاف إلى ما سبق ,
ها هو عام مضطرب آخر ينقضي مع أكثر من 8 مليارات إنسان , كل منهم يأمل بعام أفضل , يتبادل الأصدقاء أمنيات السلام ما بين مُصدّق ومُكذّب ويائس وممتنع عن التمنّي , كم سيكون هذا الكوكب مرتاحاً لو قاده أهل الحكمة والمعرفة , ولكن هيهات .

بلاد مكتظة وقارات تشكو الخواء , ينفجر جموح الطبيعة خارج كل المواعيد , زلازل وفيضانات وسيول وأوبئة تخطف أرواحاً بمئات الآلاف , كأن الفواجع العشوائية لا تكفي , يضيف لها الإنسان , الكائن الوحيد العاقل , حروباً توقع مزيداً من الضحايا , يطل علينا العام الجديد حاملاً ثقل الموجعات المتوارثة من العام السابق وهي موجعات وكارثيات لا تحصى ولا تعد ولقد اشيرت لها الكثير من التوقعات والاستنتاجات بوجود إمكانية احتمال انفجار أخطار الحرب الشاملة في المنطقة.

ألا ان الواقع يشيرانه لا شيء يبقى على حاله, والأرض اللتى نسكنها تدور , والأيام دُوَّل وللزمن دورات , وربنا من أسمائه انه الخافض الرافع , وانه لا يبقى على علو العالين ولا على جبروت الجبارين , وغدَا تنخفض رؤوس وترتفع رؤوس , ويتغير كل شيء.

لاأعرف من قال : ((لا تضيفوا سنوات إلى حياتكم , بل حياة إلى سنواتكم , إسرقوا من العمر حياة , قبل أن يسرق العمر أجمل سنوات حياتكم )) , لقد تعلمنا انه ليس أسهل مِن الهدم , عدته عضلة وفأس , أمَّا البناء فعدته رَويَّة وتفكير, والهدم ساعة وتتناثر الأنقاض , والبناء شهور وسنوات , و عيبُ الحياة أنها تصنعُ الذكريات , وعيبُ الذكريات أنها لا تعود, ونحن مللنا انتظّار المواعيد فأصّبحنا ننتُظر الصُدف.

السنة الجديدة تجر خلفها أوصال وأوحال السنة الفارطة, والناس تخجل من تبادل التمنيات في مثل هذا الحطام وهزيمة النفس البشرية, كيفما تلفت ترَ خوفاً وترَعبثاً دموياً في طمأنينة البشر, من رماد غزة, إلى كبريت لبنان , والهروب الكبير لنظام سوريا , إلى غرق أوكرانيا , وانهيارات أوروبا,إلى مذلة مجلس الأمن , إلى نيران الحوثيين في أعالي البحارالهادئة سابقاً , عتمة تغمر رأس السنة وذيلها.

يقول غسان سلامة : ((أننا ندفع ثمن الانفجار السكاني الذي حصل في القرن العشرين بمختلف هذه البلدان , هذا الانفجار تضاءل بعض الشيء في القرن الحادي والعشرين , لكن أنت تشعر بخطورته عندما تصل أجيال ذلك الانفجار إلى سن العشرين أو سن الثلاثين , وتجد صعوبة في العثور على عمل , لذا نحن نشهد وندفع أولاً وأساساً كلفة الانفجار السكاني الذي حصل في العقود الأخيرة من القرن العشرين , والذي حمل إلى سوق العمل شباباً وشابات مؤهلين تلقوا تعليمهم في الجامعات والمعاهد , ولذلك فإن اشمئزازهم من عجزهم عن الحصول على العمل أكبر من اشمئزاز الذين لم يتعلموا ولم يتدربوا )).

يقول جعفر المظفر : (( لأن اللصوص هم الذين باتوا يقرأون علينا الكتب المقدسة فإننا سنعيش نفس العام المارق , ونفس الشهر الأمرقْ ونفس اليوم اللعين ونفس اللحظة الألعنْ)) , ففي السنة التي نحن في ضيافة آخر أيامها, شهدنا أوقاتاً مات فيها يأسٌ وعاش فيها أمل, وابتسمت شفاه ودمعت أعين , خان فيها صديقٌ وأخلص عدو , أيام تجددت فيها الحياة , ولم تمض الأشياء فيها كما أردنا, فالفصول تتغير, ومن تجاربنا تعلمنا, ومع الزمن تتغير نظرتنا للحياة .
ومع الترحيب بقدوم سنة 2025 نشعر أنَّ وطننا العراق الماسك بشراييننا , مثل المعشوقة كلما نأينا عنها سكنتنا , فاستوطنتنا واستحوذت على أرواحنا, وليس هناك بطولة أكثر من أنْ يمسكَ المرء جمرة نار عشقه للوطن , بيديه غير آبهٍ بالألم , ويا له من ألم , وطال الزمان او قصر, عندنا أمل أننا سنضحك, سنفرح, سنغني, سنرقص, لان العراق يليق بنا وبغداد تتبغدد مهما خيم الظلام , لانها بنت الشمس والنور وحاضنة الحب والفن والجمال.

يقول محمود درويش : ((عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني , قصب هياكلنا وعروشنا قصب, في كل مئذنة حاو ومغتصب , يدعو لأندلس إن حوصرت حلب, وليس لنا في الحنين يد وفي البعد كان لنا ألف يد , سلام عليك , افتقدتك جدًا, وعليّ السلام فيما افتقد, بلد يولد من قبر بلد, ولصوص يعبدون الله كي يعبدهم شعب , ملوك للأبد وعبيد للأبد )) .

أين يباع الأمل لكي نقول كل عام وأنتم بخير؟