تحية الى الدكتور رشيد خيون المحترم .
بوركت دكتور , أنت توثق , في حين يحرف ألآخرون , وما أكثرهم.
ظلت ألأدارات ألأميركية المتعاقبة تحاول طمس تصريح شهير ادلت به سيئة الصيت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية الاسبق اثناء الحصار اللا انساني الذي فرض على العراق, والذي اودى بحياة ما يقارب من مليوني شخص حتى وقوع الاحتلال, كلنا يتذكر حديثها اللئيم عندما قالت بان ضرورة استمرار الحصار وتشديده تبرر موت اكثر من نصف مليون طفل عراقي, لكن التصريح الاخر والاهم هو الذي ادلت به عندما سئلت عن جدوى استمرار الحصار الظالم بعد ان ثبت ان العراق خال من اسلحة الدمار الشامل , فأجابت ((نعم هذا صحيح , ولكن العقول ما تزال موجودة هناك)) .
هناك من يتحوط لعملية الطمس كما نقلت الوثيقة المسرّبة عبر موقع ويكيليكس تفاصيل حوار دار في كانون الثاني/ يناير 2003 , قبيل الغزو الأميركي للعراق, بين الشيخ محمد بن زايد, والدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس, وذكرت الوثيقة أن هاس اجتمع بالشيخ بمحمد بن زايد قبل شهرين تماماً من الغزو الأميركي للعراق, وأن الأخير نقل للدبلوماسي الأميركي معلومات عن وضع العراق, وعن الشائعات التي تدور في بغداد, وعن كيفية احتواء الرأي العام العربي , وأضافت الوثيقة أن الشيخ محمد بن زايد طلب من الولايات المتحدة أن تضغط على قطر من أجل كبح جماح تغطية الجزيرة, وأوضحت أنه نصح الأميركيين أيضاً بألا يصطحبوا أيّ صحفيين في موجة الهجوم الأولى كي لا تثير مشاهد الضحايا المدنيين ردود أفعال عربية غاضبة, ويتضح من خلال الوثيقة أن الشيخ محمد بن زايد لم ينصح الأميركيين بتجنب قصف المدنيين العراقيين , لكنه نصح بألا يظهر القصف وضحاياه أمام الناس , وفق ما جاء في الوثيقة المسربة عبر ويكيليكس.
سياسة التجهيل السائدة في العراق منذ 2003 التي قادت الى الهبوط الثّقافي الذي أدى الى إلغاء التفكير بالمستقبل, وحتى الى سلبية التفكر في مشكلات الحاضر, بسبب طغيان الخطاب الماضويّ المحرف, وشيوع مواقف الغلو الخارج عن المنطق والعقل, هو الذي يقود او يسهل سياسة الطمس , فماداموا قد زوروا الماضي البعيد فلماذا لايحرفوا الحاضر وأحداثه بما ينسجم مع أهدافهم ومخططاتهم في ظل سياسة الترهيب والترغيب ؟ يقول نجيب محفوظ في روايته أولاد حارتنا : (( و من عجب ان اهل حارتنا يضحكون , على ما يضحكون ؟ انهم يهتفون للمنتصر ايا كان المنتصر, و يهللون للقوي ايا كان القوي , و يسجدون امام النبابيت يداوون بذلك كله الرعب الكامن في اعماقهم )).
لقد قرأت لك أن ثّقافة الطمس دخلت رياض الأطفال والمدارس, ليظهر لنا جيلٌ كسيحٌ, لا شأن له إلا الخُرافة, وحولوا حاضرنا ومستقبلنا الى معركة بين يزيد والحسين , ونصب محاكمات لمَن صار في ذمة الماضي , قبل أربعة عشر قرناً, أنها أعلى درجات الخُرافة, وأحطُ مستويات العقل , ليس لنّا إلا القول: عندما يصر السِّياسي على هذا النّهج , غير تشخيصه بالخائب, والسِّياسي أو الحزبي الخائب تراه بارعاً في نسج الوهم والخرافة, لا شأن له بصناعة المستقبل, وانما يتمسك بأحداث غدت رميماً.
هذا العالم العربي الذي اكتشف قبل عقود أنه مسبوق ومريض , لكنه أخطأ في اختيار العلاجات, وأمضى أيامه بلا دولة ومؤسسات, هذا الشرق الخائف والمخيف الذي يضمد جروحه بالسحر والخرافات وتلميع الحراب, وهذه ألأوطان التي تعرضت الى الاستباحة من قبل جيوش اجنبية , اسقطوا أنظمتها واستولوا على موجوداتها , وجيء بمجموعات بشرية موالية لتلك الجيوش لتحكم تلك البلدان , وفق عقائدهم وسياساتهم ومخططاتهم الرامية الى طمس الحقائق واعادة كتابتها وفق رغبة الغزاة, هذا هو الواقع الذي يؤدي الى سياسة الطمس.
صباح الزهيري