السجود عند سماع جميل الشعر والقول , هو خشوع لا تفرضه شريعة , ولكن يخطه الجمال , في عالم الروحانيات والتدين , يرتبط السجود ارتباطًا وثيقًا بالعبادة والتقرب إلى الخالق , وهو ركن أساسي في الصلاة بالديانات الإبراهيمية كالإسلام , ولكن , هل فكرت يومًا في السجود استجابةً لشيء آخر غير الفرض الديني؟ هل يمكن أن تُجبَر الروح على الانحناء خشوعًا وإجلالًا أمام روعة الكلمة , وجمال المعنى , وبديع البيان؟ هذا ما يحدث أحيانًا عند سماع قطعة شعرية غاية في الجمال , أو قول بليغ يلامس شغاف القلب , ويُروى أن عمر بن الخطاب سجد عندما سمع آية من القرآن الكريم تلاها أحد الصحابة , مع أنها لم تكن آية سجدة , كان ذلك تعبيرًا عن شدة تأثره بالقرآن وعظمته , هذا المثال يوضح لنا أن السجود , بمعناه الأوسع , يمكن أن يكون استجابة عفوية لروعة الكلمة , وروي عن أبي تمام , أنه وفد على العالم الفقيه والحافظ النبيه الحسن بن رجاء , فأنشده , وحين بلغ قوله : (( لا تنكري عَطَل الكريم من الغنى فالسيل حربٌ للمكان العالي )) , قام الحسن وقال : والله ما أتممتها إلا وأنا قائم , تعبيرا عن شدة إعجابه , وحين انتهى أبوتمام , قال الحسن : ما أحسن ما جلوت هذه العروس , فقال أبوتمام : لو أنها من الحور العين لكان قيامك أوفى مهر لها .
(( أنتم تسجدون لجيّد القرآن , وأنا أسجدُ لجيّد الشّعر)) ,القائلُ هو الفرزدق , وأما المناسبة والكلام أنه مرّ على مسجدٍ لبني زُريقٍ في البصرة , فإذا فيه منشدٌ يُنشد أبياتاً من معلقة لبيد بن ربيعة , ولما وصل إلى قول لبيد: (( وجلا السّيول عن الطلول كأنّها زُبَراً تجدُّ متونها أقلامها )) , خرّ الفرزدقُ ساجداً , فتعجّب النّاسُ , ولما رفع رأسه سألوه : ما هذا يا أبا فراس؟ فقال: مَا لَكُمْ ؟ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ , وَأَنَا أَعْرِفُ سَجَدَاتِ الشِّعْرِ , وَهَذَا مَوْضِعُ سَجْدَةٍ , ولبيد هو الوحيد الذي أسلم من أصحاب المعلقات , وكأن هذه السجدة الفرزدقية كانت معروفة عند عرب ما قبل الإسلام , فقد ذكرها الخليفة عبدالملك بن مروان حين ألقى الشاعر ذو الرمة قصيدته : (( ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنسَكِبُ كَأَنَّهُ مِن كُلى مَفرِيَّة سَرِبُ )) , فقال الخليفة : لو أنها قيلت في الجاهلية ( لسجدت لها العرب) , فقد أعجب بها رغم نفوره من مطلعها الذي اتفق مع انسكاب دمع من عينه , وكأن الشاعر كان يعرّض به.
من الضروري أن نوضح منذ البداية أن هذا (( السجود )) عند سماع الشعر أو القول البليغ ليس سجودًا شرعيًا بالمعنى الفقهي , لا يترتب عليه ثواب ولا إثم , ولا يحل محل السجود الواجب في الصلاة أو سجود التلاوة , إنه ليس فريضة دينية , بل هو استجابة تلقائية , روحانية , وجمالية محضة , تخيل نفسك تستمع إلى أبيات شعرية تصف الجنة , أو تتحدث عن عظمة الخالق , أو تصف جمال الطبيعة بأسلوب ساحر يأسر الألباب , قد تشعر بقشعريرة تسري في جسدك , وقد تدمع عيناك , وقد تصل بك الحال إلى الرغبة في الانحناء , هذا الانحناء , أو ما نسميه (( السجود )) هنا , هو تعبير عن : الخضوع للجمال , عندما يبلغ الجمال ذروته , سواء كان في لوحة فنية , مقطوعة موسيقية , أو كلمة بليغة , فإن النفس تخضع له وتُجَلّه , هذا الخضوع ليس ضعفًا , بل هو قوة تتجلى في الاعتراف بالعظمة , والدهشة والإعجاب امام الكلمات المترابطة , المعاني العميقة , والصور الشعرية البديعة التي تولد في النفس دهشة وإعجابًا شديدين يدفعانها إلى التعبير عن هذا الشعور بطريقة غير اعتيادية.
كما ان هناك التأثر العميق بالقول الحق والبيان الصادق اللذان يلامسان أعمق نقطة في الروح , ويحركان المشاعر الكامنة , مما يدفع الإنسان إلى تعبير جسدي عن هذا التأثر , وهناك التوقير والتبجيل , عندما تكون الكلمات حكيمة جدًا , أو تحمل في طياتها نورًا وهداية , لدرجة أن السامع يشعر بوجوب توقيرها وتبجيلها , وذلك هو الوَمْض الإبداعي الذي يؤدي لحال السُّطوع , ويكون السجود تعبيرًا عن هذا التوقير , إن هذا (( السجود )) لا يعني وضع الجبهة على الأرض بالضرورة , بل هو حالة من الانكسار والخشوع التي تسيطر على الروح وتترجمها الجوارح , قد يكون مجرد إطراق الرأس , أو الإحساس برغبة قوية في الانحناء , أو شعور بالرهبة والامتنان , إنه سجود الروح والقلب قبل أن يكون سجود الجسد.
إن العبرة عند العقلاء هي بالقيم الفكرية الراقية , حتى ولو نطق بها شيطان رجيم , أو كما قال المسيح (( لا تعملوا أعمالهم , لكن خذوا كلامهم )) , ويبقى السجود عند سماع جميل الشعر أو القول ظاهرة روحانية غاية في الروعة , تُظهِر كيف يمكن للجمال أن يأسر القلوب والعقول , ويدفع بالإنسان إلى أقصى درجات الخشوع , حتى وإن لم تكن تفرضها شريعة , بل يخطها نور البيان وجمال المعنى , وكلنا نعرف سجدة التلاوة , وهي سجدة مستحبة عند قراءة أو سماع آيات السجود في القرآن , وحكمها سنة مؤكدة , وليست واجبة , ويستحب للمسلم أن يسجد عند تلاوة أو سماع آيات السجدة , الا ان هناك السجود لجميل الشعر الذي يشير إلى موقف إعجاب شديد بجمال الشعر, قد يصل إلى حد (( السجود )) تعبيرًا عن هذا الإعجاب , وهو تعبير مجازي يستخدم للتأكيد على جمال الشعر وروعته , وهو ليس سجودًا حقيقيًا في الدين , بل هو تعبير عن الدهشة والإعجاب .
القرآن جاء بلسان عربي مبين بشهادته لآياته من آياته , وقيل قديماً (( لسان العرب شعرهم )) , ومن المعروف أن نبي الإسلام لم يكن شاعرا بمنطوق القرآن , ولكنه كان مغرما بالشعر, حتى إنه جعل لحسان منبرا في أقدس مكان عند المسلمين , أي المسجد , وأهدى كعب بن زهير بردة فسميت قصيدته (( البردة )) , وكم نسج على منوالها فطاحل الشعراء عبر الزمن , ويقول المُسلمُون إن القرآن ذو بلاغة خاطب العرب بها , ولغته راقية فصيحة , فلا عجب إذن والأمر ليس بجديد أن يفتخر المُسلم بالقرآن أمام غير المُؤمنين به , إذا عرفنا أن الأهم عند المُسلمين هو ميزة القرآن كلغة وسجع وشعر, فقد سماه المفكر الجزائري محمد أركون (يقصد القرآن) (( الغريب العجيب )) في إطار قراءته لفونولوجيته الأدبية , ويتحداك المُسلم اليوم بسؤال استنكاري , (( هل تعرف سفرا فيه مثل هذا السجع اللغوي؟)) , ويحاول إثارة عواطفك هذه المرة قائلاً في سؤال يعرف مسبقاً إجابته: (( أرني كتاباً أجعله قرآنا وأعتبر من سطره نبياً؟ )) .
أزعمُ غير مرتاب , وأُقسم غير حانث , أنّ البعض فُتنوا في الأدب فتنة بقية النّاس في المال والولد , وإن كان العربُ في جاهليتهم وإسلامهم إلى اليوم يعشقون عذب القول , ويطربون لجميل العبارة , فإنّ الإعجاب شيء والفتنة شيء آخر, فالإعجاب سياقه كيوم دافع الزّبرقان بن عديّ عن نفسه أمام النّبيّ , فأُعجب سيّد النّاس ببلاغته , وقال قولته الشّهيرة : (( إنّ من البيان لسحراً )) , وكإعجاب عمر بشعر زهير بن أبي سلمى , وعبد الله بن عباس بشعر عمر بن أبي ربيعة , أما الفتنة فهي شأن الفرزدق مع شعر لبيد , ومما قرأتُ وسمعتُ وشاهدتُ أقول إنّ البعض وإن كانت لا تسجدُ جباههم للأدب فإنّ قلوبهم تفعل , يُحدّثك أحدهم عن شِعر درويش كأنما القصائد أُمليت عليه من فوق السّبع الطّباق, ويقرأ عليك أحدهم قصيدة مطر للسّياب كأنما يقرأ عليك سورة الرحمن, ويُدافع أحدهم عن نثر ديستوفسكي كأنه يدافع عن نثر النبي في خطبة حجة الوداع , ويُنافح أحدهم عن شعر التفعيلة كأنّ العرب لم يقولوا شِعراً قبل نازك الملائكة , فما بالك بمن يخرلقول امرئ القيس : (( أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا وَجَدْتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ )) .
بالمناسبة لقد انتشر في الاونة الاخير ترند في تيك توك لاطالة الشعر ١-٢ انش بالشهر باستخدام الانفيرجن ميثود ؟ وهي وضعية جسدية يكون فيها الرأس منخفضاً او قلب الجسم بحيث الرأس للاسفل ليزداد ضخ الدم للرأس شرط أن لا تتعدى هذي الحركة عدة دقائق يوميا ًمع عمل مساج بزيت عطري للفروة , وبتفسير علمي غير مباشر نعلم ان مساج الفروة و قلب الرأس يزيدان من عملية ضخ الدم للفروة وبالتالي زيادة النشاط الخلوي في البصيلة مما يشجع نمو الشعر .