مقامة جنود العسل

مقامة جنود العسل

لطالما ارتبط العسل بصورة المادة الحلوة والنافعة , ولكنه في بعض الأحيان تحول إلى أداة قتل مروعة عبر التاريخ , فمنذ العصور القديمة , استخدمت بعض الحضارات القديمة العسل المسموم في الحروب أو الاغتيالات , وذلك بسبب خصائصه التي تجعله سهل الاستخدام والإخفاء , وتتنوع السموم التي يمكن إضافتها إلى العسل , وتشمل السموم النباتية, مثل سم نبات الشوكران السام , الذي استخدمه الإغريق القدماء في عمليات الإعدام , والسموم الحيوانية, مثل سم الأفاعي أو العقارب , الذي يمكن أن يسبب شللاً أو موتًا , والسموم الكيميائية , مثل الزرنيخ أو السيانيد , وهي مواد شديدة السمية يمكن أن تسبب الموت بسرعة , ويعتمد تأثير السم على الجسم على نوع السم المستخدم والكمية التي تم تناولها , وتكون أعراض ألأصابة الغثيان والقيء والإسهال .

استخدم سكان مملكة بونتوس القديمة في القرن الأول قبل الميلاد العسل المسموم كسلاح ضد جيش الرومان , فبعد هزيمتهم في إحدى المعارك , تركوا وراءهم كميات كبيرة من العسل المسموم , وعندما تناول الجنود الرومان هذا العسل , أصيبوا بتسمم شديد , مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوفهم , وتشير بعض الروايات التاريخية في القرن الرابع قبل الميلاد إلى أن الإسكندر الأكبر قد يكون مات مسمومًا بالعسل , فبعد عودته من حملته العسكرية في الهند , أصيب بمرض مفاجئ وتوفي بعد فترة وجيزة , يشك بعض المؤرخين في أن سبب وفاته هو تسمم بالعسل , حيث كان العسل يستخدم في ذلك الوقت كعلاج لبعض الأمراض , وقد يكون تم دس السم فيه.

كانت طائفة الحشاشين تستخدم العسل المسموم في عمليات الاغتيال , كانوا يضيفون السم إلى العسل ثم يقدمونه لضحاياهم , مما يجعل من الصعب اكتشاف السم في الطعام , واستخدم الصليبيون العسل المسموم كسلاح في بعض المعارك , كانوا يضعون السم في العسل ثم يرمونه على أعدائهم , مما يتسبب في إصابتهم بالتسمم , وكذلك استخدمت بعض الدول العسل المسموم كسلاح في الحرب العالمية الأولى , كانوا يضيفون السم إلى العسل ثم يرمونه على جنود العدو, وفي الحرب الأهلية السورية , وفي مجزرة خان العسل عام 2013 , اتهمت بعض الجماعات المسلحة باستخدام العسل المسموم لقتل جنود الحكومة السورية.

كان أنصار الأمام علي بن أبي طالب قد ولوا ابنه الحسن بعد وفاته , لكن الأمام الحسن تنازل لمعاوية فيما سمي بعام الجماعة (41 هجري) , وتؤكد المراجع التاريخية أن تنازل الحسن لمعاوية كان مشروطًا بأمور عدة أهمها المال , وقد التزم معاوية بل وبالغ بالوفاء في التزامه بهذا الجانب , أما الشرط الثاني , فكان ألا يعهد معاوية لأحد من بعده , وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين , هذا الشرط وضعه معاوية دبر أذنيه وتحت قدميه , ولم يلتزم بأي جزئية منه وقد حصل العكس تمامًا , فقد دست زوج الحسن , جعدة بنت الأشعث له السم بإغراءٍ من معاوية بالمال وبوعد الزواج من ابنه يزيد , وفَّى معاوية لجعدة بالمال , ولم يزوجها من يزيد قائلًا : (( أخشى أن تصنع بإبني ما فعلت بابن بنت رسول الله )) , أما الأمويون , فقد هتفوا مرددين , بعد موت الحسن بالسم : (( إن لله جنودًا من عسل )) .

قتل معاوية مالك الأشتر بالسم , حيث كان مالك ألأشتر من قواد ألأمام علي في حرب الجمل , وكان مقاتلا يحسب حسابه , يبطش بالجمع المقابل , وللتخلص منه , رمى عبد الله بن الزبير بنفسه من فرسه على مالك وأسقطه عن فرسه , وبدا عبد الله يصارعه ويصرخ بجماعته (( أقتلوني ومالكا أو أقتلوا مالك معي )) فذهبت مثلا عند العرب , ولكن رماة ألأسهم ترددوا من رميه خشية أصابة عبد الله , وبعدها عينه ألأمام علي واليا على مصر , وفي الطريق لتسلم الولاية , وفي أحد أستراحات الطريق الطويل , كان هناك من سقى الوالي الجديد بشربة ماء مبرد ومحلى بالعسل , كانت السبب في حتفه , ليردد معاوية عند سماعه الخبر مقولته الشهيرة التي عرفت بها سياسته : (( أن لله جنودا من عسل )) , كما قتل معاوية عبد الرحمن بن خالد , بنفس الطريقة وتحت نفس الشعار , واكد العديد من المحدثين والمؤرخين على أن معاوية سمه , وقول معاوية لما بلغه نجاح خطته في قتله , (إن لله جنودا من عسل ), أنساب السمعاني : 5 / 476.

يدور الزمان , وتتداول الناس تلكم الأيام , وتسقط الدولة الأموية على يد أحفاد العباس بن عبد المطلب , ويهرب آخر الخلفاء ألأمويين مروان بن محمد الى مصر طلبًا للنجاة من العباسيين الذين جاءوا من ورائه يتعقبوه , حتى لحقوا به فى قرية تسمى (( زاوية المصلوب)) التابعة لبوصير الواقعة جنوبى الجيزة , وأحاطوا به وهو يحاول عبور قنطرة , فلاقته قافلة من الحمير التي تحمل قوارير من العسل , فسدت الطريق عليه , فأطبقوا عليه , مما أضطر مروان ان يقاتلهم في نفر يسير معه فقتلوه , حيث طعنه رجل من أهل البصرة يقال له: معود , وبعد ان شاع الخبر , سرت المقولة المعاوية (( أن لله جنودا من عسل )) .